الحديث عن الرئيس وأي رئيس مغامرة محفوفة بالمخاطر، وعندما يكون المتحدث عنه رئيس للجمهورية فالمغامرة لا ريب تكون عبارة عن مرور من حقل ألغام ضاعت خريطته من سنين وللبطانة في ذلك دور كبير وبالغ التأثير. ولاعلاقة هنا لمنظومة القوانين التي يصوغها وينقلها عن تجارب الآخرين المشرعين وتجعل من شخص الرجل الأول في البلاد ظل لله في الأرض وإله في صورة بشر. فالثابت من الرؤساء والملوك والأمراء وأياً كانت التسميات أكثر استجابة وتجاوب مع خطاب الأخر، وعندهم من معه الصدر ما يتجاوز البطانة وموظفي البلاط بمسافات شاسعة، لكن المسافة سرعان ما تصغر وتضيق كلما اتجه النقد للرئيس بشخصه على ما في الأمر من صعوبة الفصل بين الرئيس وشخصه وسيكون على الجميع حينها انتظار ما يصدر عن الرجل الأول ويتحركون في ضوء ما يتخذه من موقف ويغيب عن بال الجميع أن الرئيس بشر لديه عواطف وانفعالات يعبر عنها بطرق متعددة وهو بحاجة منهم إلى خطاب يتفهم ويقدر قبل أن يتخذوا مساراً في التحرك وفق ما فهموه من تعابير وانفعالات الرجل الأول . من هنا يمكن قراءة القرار الشجاع والتاريخي الذي سبق إلية الأخ رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح عندما أعلن وبمناسبة الاحتفال بذكرى استلامه الحكم في شمال الوطن في 17 يوليو 1978م أنه لن يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة 2006م، واستعداده لدعم المرشحين لتولي المنصب، فالرئيس بخيرة السنوات الطويلة البالغة 27 سنه ومن خلال الأحداث التي عاصرها وكان لاعباً رئيسياً فيها قد أدرك أن البلاد بحاجة لقيادة جديدة تواصل المسيرة، وأن دوره التاريخي يلزمه برعاية هذا الاتجاه. لكن المنتفعين من شبكة المصالح التي تكونت خلال السنوات الماضية ساءهم هذا الموقف وعلى العكس من تصرفاتهم تجاه ما يصدر عن الرئيس من قرارات سابقة وسارعوا إلى رفضهم لهذا القرار وأعلنوا تخطئتهم للرئيس بطريقة غريبة لم يخفي الرئيس انزعاجه منها خاصة أثناء إلقاءه للكلمة التي أعلن فيها ذلك القرار التاريخي الشجاع حيث قاطعه أحد الحاضرين متملقاً ومتزلفاً فكان رد الفعل أن نهره الرئيس وأسكته حتى لا يقاطعه. وشهدت القنوات الفضائية تصريحات غريبة لمسئولين يستنكرون قرار الرئيس ويرفضونه بلغة أقرب منهاء للرجاء، وهم بذلك يتعمدون الإهانة للرئيس ولقراره التاريخي والشجاع، وكأنه لا يعرف ما يقول أولا يقصده ، أو انه غير جاد ولا صادق في قراراه الذي أ علنه على الدنيا وتعني الترحيب والإشادة ومن الفارقات أن يزايد احد المسئولين الكبار( موقعاً وجسما) من الحزب الحاكم ليطالب بمحاكمة الرئيس عبر محكمة تنظيميه بسبب هذا القرار، ولم يكن أمام الرئيس كما قيل سوى أن يضحك من هذا الهراء والابتذال غير المسبوق. يا هؤلاء طالما طالما لما ترون أن الأخ الرئيس يمتلك من المحكمة والقدرة ما يجعلكم تطالبوه ببقاءه في الرئاسة لفترة قادمة؟ فلماذا تعترضون على قرار من قراراته الحكيمة والشجاعة عندما يعلن عدم ترشيح نفسه للرئاسة، لماذا تؤمنون ببعض الكلام وتكفرون ببعض. دعوا الرئيس يكمل مسيرته بإنجاز لم يسبقه إليه أحد من الرؤساء العرب دعوة يخلد أسمه في تاريخ الإنسانية بقراره الشجاع ولا تفسدوا عليه هذه الفرصة كما وأفسدتم الكثير من القرارات التي اتخذها في الاقتصاد والإدارة . دعوه .. دعوه.. دعوه..