- مخالفات الاصطياد التجارية تهدد نصف مليون نسمة بفقدان مصدر رزقهم - لجنة برلمانية: خسائر فادحة يتكبدها الاقتصاد الوطني جراء الجرف والاصطياد العشوائي - ضعف وهشاشة الرقابة وغياب السياسات الواضحة أبرز المشكلات - الصيادون المحليون يصرخون: مخالفات المراكب مستمرة ولا تفاعل مع شكاوي المتضررين
قسم التحقيقات: النهب.. الجرف.. التدمير.. مفردات تداولتها السن الصيادين ورددتها وسائل الإعلام ووصل صداها إلى الأوساط والشعبية والسياسية طيلة السنوات الماضية وبالتحديد منذ منتصف التسعينيات حين باشرت السلطات المختصة ما سمي بالاصطياد التجاري الاستثماري. شكاوى الصيادين الذين يلتقطون أرزاقهم من الاصطياد التقليدي على البحرين الأحمر والعربي لم تتوقف يوماً، ومازالت حتى الآن على الرغم من أحاديث المسئولين في الحكومة عن إجراءات رادعة وفاعلة للحفاظ على الثروة السمكية والبيئة البحرية. يشكو الصيادون التقليديون من ممارسات بشعة تقوم بها مراكب الاصطياد الاستثماري والتي أدت إلى القضاء على الثروة السمكية وإلحاق الأضرار الفادحة بالبيئة البحرية ما يهدد باندثار هذه الثروة الوطنية التي يعتمد الاقتصاد الوطني عليها كثاني مورد بعد النفط بحسب تقرير حكومي، وتهدد كذلك أكثر من نصف مليون نسمة من سكان اليمن بفقدان مصدر رزقهم، ناهيك عن الآلاف من العمال المرتبطين بالقطاع السمكي.. وتوضح إحصائيات الاتحاد التعاون السمكي أن الصيادين التقليدين يناهز عددهم ال80 ألف صياد يعولون نحو 500 ألف نسمة. هذه الشكاوى من قبل الصيادين عززتها تقارير رسمية وبرلمانية ولعل أبرزها تقرير لجنة الزراعة والأسماك والموارد المائية بمجلس النواب والذي تحدث عن ممارسات فظيعة تتعرض له الثروة السمكية جراء الاصطياد العشوائي والجرف الجائر من قبل مراكب الاصطياد التجاري. (رأي) اقتربت من هذه الظاهرة مجدداً في محاولة كي تظل قريبة من النور عبر البحث عن معطياتها المتعددة، والوقوف على أثارها الخطيرة على الوطن اليمني. شكاوى مريرة الصيادون المحليون على سواحل البحر الأحمر يشكون بمرارة عن مخالفات جسيمة تقوم بها السفن والمراكب التجارية في البحر وحتى في أماكن قريبة من الشواطئ وهي المسافات التي يحرم فيها الاصطياد التجاري الصناعي بحسب النصوص القانونية.. ويوضح الصيادون (الذين ارتأينا عدم ذكر أسمائهم حرصاً عليهم من المضايقات التي تعترضهم من قبل المسئولين في ميناء الاصطياد الساحلي ومكتب الوزارة بالمحافظة ومندوبي الشركات) بأنهم يبادرون في الإبلاغ عن كل المخالفات التي يصادفونها أثناء رحلاتهم البحرية إلى المسئولين في جهات الاختصاص غير أنهم لا يتخذون أي إجراءات من شأنها الحد من ذلك العبث. ويضيفون أن هذه الممارسات جعلت من البحر الأحمر الذي كان مليئاً بالأسماك والأحياء البحرية حتى السنوات القليلة الماضية يكاد يكون اليوم خالياً من هذه الأحياء وهو ما يضطرهم للتوغل في اتجاه المياه الدولية، بل وحتى إلى المياه الإقليمية التي تعود إلى دول مجاورة وهو الأمر الذي كبد الصيادين خسائر فادحة إذ تقوم هذه الدول باحتجاز ومصادرة القوارب وتعريضهم للسجن والغرامات والإذلال. أثار تدميرية وتمارس سفن الاصطياد التجاري والاستثماري بحسب الصيادين تجريف مراعي الأسماك والاعتماد على جرف الشعب المرجانية واستخدام مواد متفجرة في الاصطياد بالإضافة إلى رمي الأطنان من الأسماك الميتة في عرض البحر حيث أن كل واحدة من هذه السفن تقوم باصطياد نوع أو نوعين من الأسماك وعندما تقدم على جرف الشعب المرجانية فإن عشرات الأنواع من الأسماك يتم اصطيادها وبالتالي تقوم باختيار النوع المطلوب وإلقاء الباقي نافقة إلى البحر. التدمير لم يتوقف وعلى الرغم من أن المسئولين في وزارة الثروة السمكية يؤكدون بأن منح التراخيص لمراكب الاصطياد التجاري والصناعي الاستثماري قد تم توقيفها خلال الفترة الماضية بهدف إعادة النظر في إجراءات الرقابة المتبعة والتي أثبتت فشلها وأنه ليس هناك في الوقت الحالي سوى عدد قليل من هذه المراكب التابعة لشركات تم التوقيع معها على عقود لفترة زمنية محددة وأن إجراءات مشددة تتخذ ضدها فيما يتعلق بالرقابة والتفتيش البحري إلا أن صيادين ومسئولين في الاتحاد التعاوني السمكي يؤكدون أن هناك العشرات من المراكب الأجنبية التي تسطو على الثروة البحرية اليمنية وتمارس في المياه الإقليمية اليمنية أبشع أنواع الاصطياد (الجائر)، ويؤكد مسئولو الاتحاد السمكي بأن هناك حاجة ماسة لتفعيل قوات خفر السواحل لضبط المراكب المخالفة وتلك التي تتسلل وتمارس الاصطياد والتجريف وتفجير الشعب المرجانية، وقدر الاتحاد السمكي متوسط أعداد السفن المخالفة التي تدخل خلسة يومياً إلى البحر الأحمر والبحر العربي بنحو 10 سفن صيد يومياً. التقرير البرلماني تقرير لجنة الزراعة والأسماك والموارد البحرية في مجلس النواب كان قد تحدث في وقت سابق عن جملة من المخالفات والممارسات التي أقدمت عليها سفن الصيد التجاري والصناعي والتي من شأن السكوت عنها القضاء المبرم على الثروة السمكية.. وأكد التقرير البرلماني بأن إجمالي ما يتم رميه في البحر الأحمر فقط أكثر من 60طناً من الأسماك والأحياء البحرية النافقة، بقيمة مالية تقدر ب 9 ملايين و120ألف ريال يومياً.. وأشار التقرير إلى أن الممارسات التي تقوم بها مراكب الاصطياد التجاري، والتي تتمثل في جرف الثروة السمكية والبيئة البحرية، يترتب عليها حدوث أضرار بيئية قاتلة للثروة السمكية، والأحياء البحرية، والتي سيستمر آثرها على مدى سنوات عديدة قادمة بالإضافة إلى نقص المخزون السمكي وحرمان الدولة من عائدات العملة الصعبة وتوقف شريحة كبيرة من الصيادين عن مزاولة الاصطياد التقليدي التي هي مصدر رزقهم الوحيد وانعكاس ذلك سلباً على مستوى معيشة أسرهم وارتفاع أسعار الأسماك في الأسواق المحلية نتيجة لقلة عرضها واتساع الفجوة الغذائية نتيجة للطلب المتزايد على الأسماك وتضرر شريحة كبيرة من العمالة في المصانع الخاصة بتعليب الأسماك وأسواق تداول الأسماك والنقل والشركات المصدرة التي تعتمد على إنتاج الصيد التقليدي. قصور الرقابة ويوضح التقرير بأن اللجنة توصلت إلى أن هناك شركات عاملة في مجال الاصطياد التجاري تقوم باستخدام وسائل اصطياد تدميرية للأحياء البحرية واستخدام سلاسل ومجارف حديدية لجرف المراعي والشعب المرجانية وبيض وصغار الأسماك، علاوة على قيام المراكب برمي مئات الأطنان من الأسماك النافقة إلى البحر ما يؤدي إلى تلوث بيئي ينتج عنه القضاء على الثروة السمكية والأحياء البحرية الأخرى. كما لاحظت اللجنة البرلمانية وجود قصور وضعف كبير في الرقابة على قوارب الشركات العاملة في مجال الاصطياد من قبل الجهات المختصة بعملية الرقابة والتفتيش البحري وقيام عدد من القوارب الأجنبية بالاصطياد دون الحصول على تراخيص بالإضافة إلى قيام عدد من تلك المراكب بتفريغ الزيوت الحارقة في البحر مما يلحق إضراراً كبيرة بالثروة السمكية والبيئة البحرية إلى جانب تعرض شباك ومعدات وقوارب الصيادين التقليديين للإضرار والتدمير من قبل قوارب الاصطياد التجارية وعدم اهتمام الجهات المختصة بدراسة المخزون السمكي وقيامها بمنح تراخيص اصطياد للشركات الأجنبية بدون معرفة حجم المخزون. مستقبل مجهول ويخلص التقرير البرلماني إلى أن مستقبل الثروة السمكية والأحياء البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي يحمل كارثة محققة إذا ما استمر هذا العبث والتدمير للثروة البحرية نتيجة عمليات الجرف والهدم التي تتعرض لها من قبل قوارب الاصطياد التجارية ويؤكد التقرير على أهمية اتخاذ إجراءات رادعة ورسم سياسات واضحة لاستغلال هذه الثروة الهامة بطريقة سليمة ومستدامة. ويزعم مسؤولون في وزارة الثروة السمكية بأن تراجعا كبيراً قد حدث في ما يتعلق بمخالفات الاصطياد التجاري بسبب الإجراءات القانونية والتشريعية إذ عملت الوزارة خلال الفترة القليلة الماضية على سن القوانين واللوائح المنظمة لعملية الاصطياد التجاري ولعل أبرزها قانون المصايد الذي يتم في الوقت الراهن مناقشته وإثرائه من قبل المسئولين والمختصين في الوزارة مع الاتحاد التعاوني السمكي الذي يمثل الصيادين، لكن الصيادين واتحادهم يؤكدون أن المخالفات مستمرة وأن الثروة السمكية مازالت تستنزف يومياً تحت أنظار الجميع. مسئولية مشتركة ويؤكد مسؤولو الاتحاد التعاوني السمكي أن قانون المصايد يحتوي نقاطاً ماتزال محل خلاف مع الجانب الحكومي وخاصة فيما يتعلق بتحديد المسافات للاصطياد التجاري والصناعي والتي يجب أن يرون أن لاتقل في الأساس عن 13ميلاً بحرياً.. ويقول المسئولون في الاتحاد السمكي إن المصلحة العامة ومصلحة الصيادين التقليدين الذي يعتبرون العامل الإنتاجي الرئيس في القطاع السمكي تقتضي تطبيق ما هو متعارف عليه عالمياً فيما يخص أماكن الاصطياد التجاري والصناعي والعمل على الاستفادة من تجارب البلدان العربية والأجنبية في هذه المسألة.. مشيرين إلى أن قانون المصايد لا يجب أن يقر قبل أن يتم الاتفاق على هذه النقطة الهامة لضمان بقاء نشاط قوارب الاصطياد التجاري والصناعي بعيدة عن المناطق الحساسة التي تنتشر فيها مراعي الشعب المرجانية والتي عادة ما تكون في أماكن قريبة من السواحل. ويؤكدون أن القوانين واللوائح لا تكفي لضمان الحفاظ على الثروة السمكية والبيئة البحرية من الممارسات والخروقات إذ يجب أن تكون هناك مسؤولية مشتركة تضطلع بها كل الجهات المختصة وخاصة قوات خفر السواحل التي يجب أن تقوم بالدور الأكبر في ملاحقة المراكب التي تقوم بالاصطياد في المياه الإقليمية دون الحصول على تراخيص من الجهات المختصة كما يجب أن تضطلع السلطات المحلية بدور مهم في هذا الجانب الرقابي.