حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التشريعات اليمنية.. والشرعة الدولية، تناقض ينتهك الحقوق
نشر في رأي يوم 06 - 02 - 2007

نظم منتدى التنمية السياسية ندوة حول الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والتشريعات اليمنية قدمت إليها ورقة عمل محورية أعدها الدكتور محمد عبدالملك المتوكل، أثريث بعدد من الأوراق التعقيبية والمداخلات.
وفي الندوة التي نظمت أمس بصنعاء بتمويل من مؤسسة فريد ريتش إيبرت الألمانية أكد الدكتور محمد عبد الملك المتوكل أستاذ العلوم السياسية والحريات وحقوق الإنسان بقسم العلوم السياسية بكلية التجارة والاقتصاد في جامعة صنعاء أن اليمن من الأقطار التي وقعت وصادقت على معظم الإعلانات والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان دون تحفظ يذكر.
وأوضح أن بلادنا وكثير من الدول العربية تقحم نفسها في مشاكل متعلقة بتطبيق ما جاء في هذه الاتفاقات بعد إظهارها كرماً وتسابقاً على توقيع مثل هذه الإعلانات والاتفاقات لا اقتناعاً بما تحويه وإنما حرصاً على أن تظهر دولياً بمظهر الدولة التي تحترم الشرعة الدولية وحقوق الإنسان، مضيفاً أن هذه الدول مطمئنة إلى أنها من الناحية العملية لن تنفذ إلا ما تريد، وأنها ولمزيد من المبالغة في إظهار حسن النوايا فإنها ومثال ذلك بلادنا تؤكد في دستورها التزامها بذلك ولكن كل ذلك يتحول إلى حبر على ورق لأن ما يجري في واقع الممارسة مختلف كل الاختلاف.
وفسر المتوكل هذه المشاكل في أن المادة السادسة من دستور اليمن تؤكد "العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان" وبما أن دين الدولة هو الإسلام والشريعة الإسلامية هي مصدر جميع التشريعات بحسب المادة الثانية والثالثة من الدستور فإن المصادقة على الإعلانات والاتفاقات الدولية من قبل الحكومة اليمنية والتأكيد في الدستور على العمل بها يعني أن هذه الإعلانات والاتفاقات لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات وتبعاً لذلك فإن جميع القوانين النافذة يجب ألا تتناقض أو تتعارض مع هذه الإعلانات والاتفاقات الدولية التي صادقت عليها الدولة وأكدت الالتزام بها في دستورها، متسائلاً هل هذا ما هو سارٍ ومطبق في قوانين الجمهورية اليمنية.
وأشار في ورقته المعنونة (الأعراف القانونية العالمية، القوانين اليمنية.. وحقوق الإنسان) إلى أن هذه الازدواجية في التجربة اليمنية من الناحية التشريعية تتجسد في قضايا ثلاث هي حرية العقيدة والمساواة والحقوق السياسية والمدنية، موضحاً أن اليمن من الموقعين على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فيما يخص حرية العقيدة والذي ينص في المادة 18 على أن "لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده" لكن قانون الجرائم والعقوبات ينص في مادته 295 على أن "كل من ارتد عن دين الإسلام يعاقب بالإعدام بعد الاستتابة ثلاثاً وإمهاله ثلاثين يوماً"، معتبراً ذلك أحد التناقضات والإشكالات الناتجة عن التوقيع على مثل هذه الاتفاقات.
وفيما يتعلق بقضية المساواة بين الذكور والإناث وبالذات في قانون الأحوال الشخصية رقم 20 لعام 92م ذكر المتوكل في ورقته أن المادة 15 من هذا القانون نصت على صحة عقد زواج الصغيرة دون 15سنة وهو ما يتعارض مع نصوص المادة 16 من اتفاقية حقوق الطفل إضافة إلى أن المادة 12 تجيز للرجل تعدد الزوجات إلى أربع مع تحقق القدرة على العدل ولم يراع المشرع حقوق الزوجة الأولى في الميراث والذي لا تأخذ منه إلا ما تأخذه الزوجة الجديدة التي جاءت في مرحلة الرضاء وبذلك يكون الزوج قد ظلم امرأته حياً وميتاً، وذكر المتوكل أيضاً أن القانون اعتبر المرأة إنساناً ناقص الأهلية فحرمها في مواده (7- 16) من حقها في إبرام عقد الزواج مباشرة وأوكل مهمة إبرام العقد إلى أحد أولياء المرأة إضافة إلى أنه منح الرجل حل عقد الزوجية بإرادته المنفردة وهذا كله يتعارض مع نص المادة 16من اتفاقية السيداو التي تنص على أن يكون للمرأة والرجل الحقوق نفسها في عقد الزواج وأثناء الزواج وفسخه.
الورقة تعرضت لقانون الجنسية رقم 6 لعام 90م فيما يتعلق بقضية المساواة بين الرجل والمرأة، موضحاً أن المادة الثالثة من هذا القانون حرمت أبناء اليمنية المتزوجة من أجنبي من جنسية أمهم في الوقت الذي منحت ذلك الحق لأولاد الرجل المتزوج من أجنبية، مشيراً إلى أن هذا يتعارض مع المادة 16 من اتفاقية السيداو والتي تنص على منح المرأة الحقوق والمسؤوليات نفسها التي تمنحها للأب في الأمور المتعلقة بأطفالها بغض النظر عن حالتها الزوجية، لافتاً إلى أن هناك مشروعاً للتعديل في قانون الجنسية يمنح بموجبه أبناء اليمنية الحق في الجنسية اليمنية دون زوجها.
وفي قانون الإثبات لعام 1996م قالت ورقة الدكتور المتوكل أن هذا القانون ميز بين الرجل والمرأة في عدد من المواضع التي تتعلق بالشهادة وحجيتها كدليل قضائي موضحاً أن ذلك ناتج عن النظرة الدونية إلى المرأة وعدم الثقة في عقلها وحواسها، مشيراً إلى أن المشرع وضع فروقات بين شهادة المرأة في الحجية وصنف ذلك في مستويات ثلاثة أولها في القضايا المتعلقة بالحدود كالقتل، الزنا، القذف، السرقة، اللواط، شرب الخمر، وجريمة الحرابة وهنا لا يثق القانون في شهادة المرأة نهائياً، وثاني تلك المستويات ما يقبل فيه القضاء جزئياً شهادة المرأة إذا عضدتها شهادة ذكورية بشرط وجود امرأتين وهذا محصور في القضايا المتصلة بالأموال والحقوق، بينما يقبل القانون شهادة المرأة بمفردها إذ كانت الوقائع مما لا يطلع عليها الرجال وهذا هو ثالث هذه المستويات.
أما القضية الثالثة بعد قضيتي حرية العقيدة والمساواة فهي قضية الحقوق السياسية والتي استعرض المتوكل من خلالها ما أسماه ازدواجية التجربة اليمنية من الناحية التشريعية في مؤسسات المجتمع المدني السياسية وغير السياسية كذا الحق في التعبير عن الرأي، مركزاً فيما يختص بمؤسسات المجتمع المدني السياسية على قضيتي التداول السلمي للسلطة واستغلال الوظيفة العامة أو المال العام في المصالح الخاصة، موضحاً في هذا الخصوص أن المادة الخامسة من الدستور تعرف النظام السياسي بأنه النظام الذي يقوم "على التعددية السياسية والحزبية وذلك بهدف تداول السلطة سلمياً" وتختتم المادة نفسها بأنه "لا يجوز تسخير الوظيفة العامة أو المال العام لمصلحة خاصة بحزب أو تنظيم سياسي معين"، معلقاً على ذلك بأنه وبرغم مرور 15 عاماً وبرغم إجراء دورات انتخابية نيابية ودورتي انتخاب رئاسية ومحلية إلا أن التداول السلمي للسلطة لم يحدث، ورغم مرور 28 عاماً على تولي رئيس الجمهورية للرئاسة إلا أنه في الفترة القريبة انتخب من جديد لسبع سنوات أخرى، وأكثر من ذلك فإن وجود المعارضة في المجالس المنتخبة قد انحسر وتعاظم وجود الحزب الحاكم فيها، مضيفاً على ذلك أن أحزاب المعارضة تجد نفسها في منافسة ليست مع حزب بل مع الدولة بكل إمكانياتها وسلطاتها وتجد أن الحزب الحاكم قد تماهى مع السلطة وكأنه أحد أجهزتها وتحت أمره كل إمكانياتها وسلطاتها.
واقترح المتوكل عدداً من المطالب التي يجب على المعارضة المطالبة بها من أجل تصحيح النظام الانتخابي هي استبدال نظام الدائرة الفردية في الانتخابات بنظام القائمة النسبية، إيجاد إدارة تشرف على الانتخابات غير منحازة ولا تقع تحت نفوذ السلطة والحزب الحاكم عن طريق الاتفاق بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة وإما بشكل متوازن من هذه الأحزاب، إضافة إلى إيجاد آليات تكفل الفصل بين الحزب الحاكم والوظيفة العامة والمال العام والإعلام العام والمؤسسة العسكرية والأمنية، مشيراً إلى أن القضاء الذي يمكن اللجوء إليه قضاء غير مستقل رغم النص الدستوري في المادة 149 والتي تؤكد استقلال السلطة القضائية قضائياً ومالياً وإدارياً معتبراً ذلك مشكلة رئيسية.
وفي مؤسسات المجتمع المدني غير السياسية ذكر المتوكل في ورقته أن الدستور ينص في مادته 58 على أن "للمواطنين في عموم الجمهورية – بما لا يتعارض مع نصوص الدستور – الحق في تنظيم أنفسهم سياسياً ومهنياً ونقابياً والحق في تكوين المنظمات العلمية والثقافية والاجتماعية والاتحادات الوطنية..." غير أنه أفاد أن قانون الجمعيات ولائحته التنفيذية تضمنت نصوصاً تتعارض مع نص المادة الدستورية 58 كما تتعارض مع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، مشيراً إلى أن قانون الجمعيات وضع قيوداً وموانع ومحظورات أسقطت الحق المطلق في تكوين الجمعيات والمنظمات الأهلية الذي نصت عليه المادة الدستورية من حيث اشتراط قانون الجمعيات موافقة الحكومة، فالمنظمات وفق المواد (8- 14) من القانون لا تتأسس ولا تكتسب الشخصية الاعتبارية إلا عند موافقة الجهة المختصة.
وإذا ما كانت المادة 8 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية قد أكدت على أهمية عدم إخضاع حق إنشاء النقابات لأية قيود، فإن القانون رقم 35 لعام 2002م الخاص بتنظيم النقابات العمالية – بحسب ورقة المتوكل – قد أخضعها لرقابة الحكومة واشترط لاكتساب هذه الكيانات شرعية أن يتم تسجيلها بوزارة الشؤون الاجتماعية وموافقة الوزارة على نشوئها.
وفي مضمار الحق في التعبير عن الرأي كشف المتوكل أن هناك قصوراً واضحاً في نص المادة 42 من الدستور التي مفادها "لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون" إذا ما قورن بنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص على أن "لكل إنسان الحق في حرية الرأي والتعبير عنه ويضمن هذا الحق حرية اعتناق الآراء بمأمن من التدخل وحرية التماس المعلومات والأفكار وتلقيها وإذاعتها بمختلف الوسائل دون تقييد".
وسلط الضوء على القانون 25 لعام 90م الخاص بالصحافة، كاشفاً أنه وبرغم ما فيه من ايجابيات مقارنة بما سبقه إلا أنه مفعم بالقيود والمحظورات المكتوبة بعبارات مطاطية تحتمل أكثر من معنى –على حد تعبيره– مما أتاح للجهة المشرفة والقضاء غير المستقل أن يفسروها كما يريدون، مضيفاً أن عديداً من الصحفيين تعرضوا للعقاب والسجن وتعرضت عدد من الصحف للمصادرة والإيقاف لأسباب وأحكام سياسية، ملمحاً إلى أنه من الملاحظ أن القوانين تنص على أن يلجأ المتضرر إلى القضاء وذلك يعني أن الأصل ليس هو الحرية في إطار قوانين واضحة إذا ما خالفها الصحفي أو صاحب الصحيفة فإن على الجهة المشرفة أن تلجأ إلى القضاء وبذلك يخف تحكم الأجهزة المشرفة في الحرية وفي استخدام المواطن لحقه.
وانتقد المتوكل القيود التي يفرضها القانون اليمني على المسيرات والإضرابات والاعتصامات والتجمعات السلمية التي هي في الأصل من وسائل التعبير ومن حق المواطن التعبير السلمي عن طريقها، موضحاً أن القانون رقم 29 لعام 2003م بشأن تنظيم المظاهرات والمسيرات السلمية يشترط إبلاغ الداخلية كتابياً قبل وقت لايقل عن ثلاثة أيام مع إيضاحات عن تاريخ ووقت ومكان الانطلاق وخط السير والانتهاء وذكر الأهداف والأسباب والشعارات ويكون البلاغ موقعاً عليه من لجنة موضحة فيه أسماء رئيس وأعضاء اللجنة ومهنهم وعناوينهم إذا كان الجهة حزباً أو منظمة فيكون التوقيع عليه من قبل الممثل القانوني، مضيفاً أن المادة 6من القانون 29تعطي الجهة المختصة وهي الداخلية حق تعديل موعد بدء المظاهرة أو المسيرة أو نقطة انطلاقها وتجمعها وخط سيرها ووقت انتهائها، مؤكداً أن هذه النصوص في القانون سابق الذكر تعطل أصل الحق المنصوص عليه في المادة 21من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية كما تعطل الحق في حرية التعبير الذي نصت عليه المادة 19من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
واختتم المتوكل ورقته بالإشارة إلى أن هذه هي الصورة العامة لبعض قوانين الجمهورية اليمنية والتي صيغت بمفهوم ضيق معين للشريعة، وبشكل خاص في قضيتي المساواة وحرية المعتقد، مؤكداً أن الأسوأ من الوضع القانوني هو الممارسة التي غالباً تنتهك القانون والدستور في ظل غياب الفصل بين السلطات وغياب سيادة القانون والقضاء المستقل، واستمرار تضخم سلطة الفرد على حساب صلاحيات المؤسسات.
من جهتها وفي خضم التعقيبات التي دارت حول ورقة الدكتور المتوكل اتهمت أمل الباشا رئيسة منتدى الشقائق المتوكل بالتهرب من مواجهة الحقيقة عندما أشار في ورقته إلى أن الدستور ينص في المادة الثالثة على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر جميع التشريعات ثم ذكر أن القوانين جاءت لتخالف هذا النوع أو أن ما أصر عليه الدستور من احترام المواثيق الدولية التي تنص على حقوق الإنسان هو بأن الشريعة لا تتعارض مع حقوق الإنسان، موضحة أن المتوكل أراد التوصل إلى أن شريعتنا الإسلامية الغراء لا تتفق مع حقوق الإنسان ثم تأكيده بأن هناك اعترافاً من الدولة بأنه ليس هناك فرق بين الشريعة وبين المواثيق الدولية.
وأشارت الباشا في تعقيبها إلى أن المشرعين اليمنيين ركزوا على المادة الثالثة من الدستور وتجاهلوا نص المادة السادسة منه والتي تفيد أن اليمن ملزمة بالعمل بالمواثيق الدولية التي تنص على حقوق الإنسان منتقدة ذلك التغافل أو التجاهل عند سن التشريعات وتجاهل أن لدينا دستوراً هو المرجعية وهو يتحدث عن شريعة إسلامية ومواثيق دولية، موضحة أنه كان يجب النظر في الأخذ إما من الشريعة أو من تلك المواثيق والاتفاقيات التي منها اتفاقية فينا للمعاهدات الدولية التي فيها إذا كانت الدولة موقعة على أيه اتفاقية دولية فإنها تسمو على التشريع الوطني، معتبرة ذلك إشكالية دستورية.
وتطرقت إلى قضايا التمييز التي تعرضت لها ورقة المتوكل فقالت إن الورقة لم تتطرق إلى جميع قضايا حقوق الإنسان وهي حزمة متكاملة من الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية بل تطرقت إلى ثلاث قضايا فقط، مستعرضة – أي الباشا– قضية الفئات المهمشة التي تعيش تمييزاً مضاعفاً داخل المجتمع المدني وهو ما أطلقت عليه التمييز الصامت حيث أنه لا يوجد أي نص دستوري قانوني بشأنه، منوهة إلى أن الورقة التي قدمها المتوكل تحدثت عن التمييز الظاهر فقط.
وتساءلت عن تجاهل الورقة في بند الحقوق المدنية والسياسية للاعتقالات والتعذيب والضرب كذلك الحقوق الاقتصادية ومنها الحد من البطالة والحق في المأوى والعمل والعيش الكريم، معتبرة الحق الذي يعطي الجنسية لأولاد الرجل اليمني المتزوج من الأجنبية –في قانون الجنسية– بينما لا يعطيه لأولاد المرأة اليمنية المتزوجة من أجنبي تهديداً لتلك المرأة كونه يؤدي إلى عدم تماسك الأسرة بسبب التهديد بالإقصاء إلى الخارج إذا ما تأخر الرجل عن تجديد إقامته بين كل آونة وأخرى، وتطرقت أيضاً إلى قضايا منها استبعاد المرأة القاضية من القضاء في القضايا الجزائية وجعلها تقضي فقط في قضايا الأحداث.
وفي الورقة التعقيبية للمحامي أحمد علي الوادعي التي قرأها في الندوة نيابة عنه محمد المخلافي اختلف رأي الوادعي مع رأي المتوكل فيما يتعلق بأن مصادقة الحكومة اليمنية على الإعلانات العالمية والاتفاقات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وكذلك على العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كل ذلك معناه أن هذه الإعلانات والاتفاقيات لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، معتبراً أنه من الصعب موافقة الورقة في هذا الاستنتاج بسبب أن التعارض بين الشريعة الإسلامية والإعلانات العالمية بحقوق الإنسان يظل قائماً وحقيقياً وهذا التعارض يمثل واحداً من أهم إشكاليات الشريعة مع تلك الإعلانات وهو إشكال لا يمكن حله بهذه الطريقة مضيفاً أن تعارض الشريعة مع تلك الإعلانات التي صادقت عليها اليمن لا يقف عند هذا الحد وإنما يقع في أكثر من موضوع مثل مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الإرث وفي الحقوق الزوجية المتبادلة وفي اختيار الزوج وغير ذلك.
وأكد الوادعي في ورقته أن التحاق اليمن بالشرعة الدولية الخاصة بحقوق الإنسان لم يكن مجرد تقليعة، بل كان في حقيقة الأمر نفاقاً غير موارب للمجتمع الدولي عندما تبوأت المرأة منصب الوزارة والسفارة والقضاء وهي –في الوقت ذاته– يتوجب عليها طاعة زوجها، ولا تقبل شهادتها أمام القاضي أو القاضية اليمنية في السرقة والقتل والزنا وشرب الخمر، مشيراً إلى أنه ومبالغة في المفارقة فإن بلادنا تقبل أن تتولى المرأة الوزيرة إبرام اتفاقية مع دولة أجنبية تتحمل اليمن فيها التزامات مالية وأدبية باهظة ولكنها تمنعها من إبرام عقد زواجها بنفسها وإنما يتولاه عنها ولي أمرها.
وأوضح أنه لمن المنطق السليم والتعاطي المسؤول مع شؤون البلد التي التزمت دولياً بالإعلانات العالمية وصارت بذلك قانوناً داخلياً واجب النفاذ هنا أن تلتفت إلى نخبتها المفكرة وإلى علمائها كي يوائموا بين الشريعة الإسلامية والشرعة التي التزمتها اليمن، مؤكداً أنها لو فعلت ذلك لاجترحت اليمن عملاً تاريخياً غير مسبوق على مستوى العالم العربي والإسلامي، مفصحاً أن ذلك يتأتي لها إلا إذا كانت على قوام معافى صحيح البنية، شديد الحيوية، مضيفاً أنه قد باعدت بينها وبين ذلك أقدار صنعتها قياداتها.
واقترح في ختام الورقة التعقيبية ضرورة إدخال تعديل في الدستور نفسه إذ أن إصلاح الوضع الراهن لحقوق المرأة كما هو في القوانين السارية لا يكفي فيه إصلاح وتعديل هذه القوانين، موضحاً أن الدستور بحاجة إلى تعديل عدد كبير من مواده لإزالة العبث الذي تعرض له خلال العقد الأخير من القرن الماضي وإعادة تأهيله بما يوائم نظاماً ديمقراطياً كافلاً لتداول حقيقي للسلطة ويحقق الحكم الصالح، مؤكداً أنه يتعين على هذا التعديل أن يكون بما يجعل العهدين الدوليين لحقوق الإنسان وسائر الإعلانات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ملزمة للقضاء اليمني وشرعة داخلية لليمن.
من جانبه أشار سنان عبد الولي العجي عضو مجلس النواب مقرر لجنة الشؤون الدستورية والقانونية في تعقيبه فيما يتعلق بموضوع تأكيد الدستور على العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن اليمن ملتزمة بتلك المواثيق التي أصبحت للأسف تطبق بمعايير مزدوجة، تنتهك من قبل الدول الكبرى وتطبق على الدول الضعيفة، موضحاً أنه تم تعديل المادة 15من القانون رقم 20بشأن الأحوال الشخصية فيما يتعلق بالزواج بالصغيرة بالقانون 24 لعام 99م وأصبح نصها (عقد ولي الصغيرة بها صحيح ولا يمكن المعقود له من الدخول بها ولا تزف إليه إلا بعد أن تكون صالحة للوطء ولو تجاوز عمرها 15سنة ولا يصح العقد للصغيرة إلا لثبوت مصلحة).
وأوضح العجي أن القانون 24 لعام 2003م الذي صدر بإضافة مادة واحدة إلى القانون 6 لعام 90م هي المادة (10) مكرر والتي تنص على أنه "إذا طلقت المرأة اليمنية المتزوجة من أجنبي وترك لها أمر إعالة أولاده منها أو أصبحت مسؤولة عن ذلك نتيجة وفاة هذا الزوج أو جنونه أو غيابه أو انقطاعه عن الإقامة معهم لمدة لا تقل عن سنة فإن هؤلاء الأولاد يعاملون معاملة اليمنيين من كافة الوجوه ماداموا في كنف والدتهم وحتى بلوغهم سن الرشد، ويكون لمن بلغ منهم هذا السن حق الاختيار بين الدخول في الجنسية اليمنية أو اللحاق بجنسية والده".
وفيما يتعلق بالحقوق السياسية والمدنية ومؤسسات المجتمع المدني والتداول السلمي للسلطة أكد العجي في تعقيبه على ورقة المتوكل أن ما طرحه المتوكل هو ذاته ما تطرحه أحزاب المعارضة في كل الفعاليات وفي الصحافة واصفاً ذلك بالاسطوانة المشروخة، موضحاً أنه عندما تفشل أحزاب المعارضة في أي انتخابات حتى وإن شهد العالم بنزاهتها فإنها لم ولن تعترف بتلك النزاهة رغم مشاركة كل أحزاب المعارضة بممثلين للإشراف في كل مركز انتخابي.
وأكد في ختام تعقيبه على أنه يمكن طرح أي تعارض بين نصوص الدستور وقوانين نافذة أو مع الإعلانات والاتفاقيات الدولية للنقاش في ندوات وفعاليات قانونية من قبل متخصصين، ومن ثم معالجته وفقاً للطرق الدستورية والقانونية إذا ثبت ظهور أي تعارض.
هذا وقد قدمت خلال الندوة تعقيبات من كل من محمد سيف العديني رئيس دائرة التنظيم والتأهيل للتجمع اليمني للإصلاح بمحافظة إب ومحمد يحيى عزان والمحامي جمال محمد الجعبي تمحورت جميعها حول مناقشة ما تم طرحه في ورقة محمد عبد الملك المتوكل المعنونة "الأعراف القانونية العالمية – القوانين اليمنية.. وحقوق الإنسان".
وكان السيد فيليكس ممثل مؤسسة فريد ريتش إيبرت الألمانية قد ألقى كلمة المؤسسة أدلى خلالها برأيه في حقوق الإنسان التي أعتبرها مسألة جوهرية وأساسية وليست مسألة جانبية أو تكميلية أو جزئية في نظام سياسي، موضحاً أن حقوق الإنسان هي بداية كل شيء وهي الأسس والقاعدة للنظام السياسي بأكمله.
وأشار إلى أنه عندما نسمع في اليمن عن انتهاك حق مواطن فإن هذا لا يمت للقانون بصلة وإنما السبب يكمن في تطبيق القوانين، موضحاً أن القوانين اليمنية ممتازة وأن الخلل يكون في عدم تطبيق هذه القوانين.
وأوضح فيليكس أن حقوق الإنسان تنطلق من مبدأ جوهري ومهم جداً وهو أن جميع البشر متساوون بكل الحقوق بغض النظر عن ينهم أو عرقهم أو جنسهم أو أي صفة أخرى، داعياً إلى بذل الجهود المؤدية إلى تحسين وتقوية الحماية التي تضمن حقوق الإنسان والمساواة بين البشر.
جميله الراعبي مسؤولة تنمية المرأة بوزارة الصحة استهلت الندوة بكلمة منتدى التنمية السياسية الذي يرأسه تنفيذياً على سيف حسن الذي قام بإدارة الندوة، مشيرة إلى أن الأوراق التي قدمت في الندوة تؤكد ذلك الاختلال – الحاد بين الموقف من الحقوق الإنسانية لذكور المجتمع المدني والحقوق الإنسانية لإناثه، موضحة أن قضية حقوق الإنسان في واقعنا اليمني هي في الأولوية قضية حقوق الإناث وأنهن في مجموعهن ضحايا لاختلافات في الفهم والمواقف وأنهن في مجموعهن بالنتيجة ضحايا انتهاكات هذه الحقوق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.