خيرتني اللحظة بين الكتابة عن عيد ميلاد (الأب) أو عيد ميلاد (الابن) فكان الأب هو الأحق بخربشاتي.. _________ يؤخذ على بعض الأحزاب العريقة على مستوى دولي تدثرها بأثواب (المحافظة) ليس على منهاجها فحسب بل وآلياتها في أحايين كثيرة، لذلك تظل مثل هذه الأحزاب حبيسة تاريخها المجيد فحسب دون أن تكون لها بصمة في حاضر ومستقبل شعوبها. على النقيض من ذلك حزب رابطة أبناء اليمن (رأي) أعرق أحزاب اليمن والمنطقة، وأثراها في الرؤى والطروحات والبدائل، والذي تقول شهادة (إشهاره رسمياً) إنه بلغ ال58عاماً بحلول ساعات الغد، وبثقة واقتدار تطأ أقدامه بوابات عام جديد، يظل فيه قابضاً على مشعل الأمل والتفاؤل بمستقبل أكثر انفراجاً للشعب والوطن، رغم أن سلاسل الأزمة قد أحكمت قبضتها على الأعناق. هذا الجد الأكبر للأحزاب اليمنية، ترسم خطواته قاعدة منطقية هي أن طول العمر قد يكون مزيداً من الحكمة والخبرة والمراس، والقدرة على امتلاك ناصية آليات العصر، ولغة إدارة شؤونه، وقد يكون ليس فقط التعاطي الواعي مع متغيرات العصر بل الإسهام الفاعل المقتدر في صياغة ملامحها ورسم حدودها. الشيخ الطاعن في السن، لم يحن الزمن ظهره، بل راكم خبراته وزادها ثراء، فالحزب الذي أمكن له في الأشهر الأولى لولادته في العام 1951م استقراء أن التعدد الحزبي هو الأنسب فأقره منهاجاً، وفي ريعان شبابه هيأ له وعيه السياسي أن يردف نضاله المسلح ضد المستعمر بنضال أشد ضراوة في دهاليز المنابر الأممية والإقليمية حتى تحقق الجلاء، وفي شبابه أيضاً توفر له الوعي الكامل بأن علاقته بالجوار الشقيق يجب أن تتصدر علاقات اليمن الخارجية، ومنذ خطى خطواته الأولى امتلك ناصية المزاوجة التناغمية بين القومية والإسلام ولم يشب وعيه لها أي تصادم. هو ذاته الذي حين تقادم به الزمن رسم رؤية واضحة الملامح لآلية قيام الوحدة اليمنية على أساس وطني وليس على أساس حزبي، هو ذاته الذي دعا رئيس الجمهورية ونائبه آنذاك للاستقالة من حزبيهما والتحول إلى مرجعية عليا للأحزاب والقوى السياسية، هو ذاته الذي قدم رؤية لتضافر جهود المعارضة اليمنية، ورؤية لحل إشكالية المالك والمنتفع على أساس أنهما عينان في وجه، ورؤية لحل المشكل الاقتصادي، وتوقع بما سيكون عليه الأمر في الحبل المائي الواصل بين اليمن والقرن الأفريقي في نقاط ثمان صاغها صياغة الجواهري للحجر الكريم. ومع تقادم الزمن تطاولت قامته ولم يتعرض ظهره لانحناء الشيخوخة بل قرأ المستقبل في فنجان الحاضر ودعا إلى عملية (تغيير) و(إصلاحات شاملة) منذ العام 1998م، ليلتحق به الآخرون بعد عقود، بعد أن كان قد رفد الساحة السياسية بأثرى وثيقة للإصلاحات الوطنية الشاملة، ومثلها مشروع الحكم المحلي كامل الصلاحيات، ودراسة الأنظمة الانتخابية والقائمة النسبية كخيار له يحكم المفصلون اليوم على تفصيله في غرف مغلقة. هذا الحزب الذي يحتفل بذكرى ميلاده الأول، لا يتغنى بأمجاد سلفت –وهي حق له سجلها المنصفون بأحرف الحقيقة- بل مازالت عينه مثبتة على المستقبل يستقرء صفحاته بأدوات علمية مكنته من أن يصوغ رؤيته المتفردة لما يجب أن تكون عليه سياسات الوطن على المستويين الداخلي والخارجي. تحية لحزب أصله ثابت في أعماق التاريخ، ورؤاه تطاول تخوم وفضاءات المستقبل.