واقع مرير ويأس يطبق بفكيه على الأفق، ويفتك بكل إرادة وطنية لصناعة خريطة هادئة وآمنة.. وطن غارق بجراحه المفتوحة والمكبوتة والفاقدة لاحتمالات الشفاء، بقدر ما يعبث به العابثون الذين ينكأون ذاك الجرح ويكتمون صرخات الألم الصادرة من جرح آخر. عبث صبياني يقود الجميع إلى الاحتراق في محارق الطيش الفئوي و تهورات الأعمال لحفنة من المراهقين، يخترقون كل شيء وينسفونه، ويتركون الساحة مهترئة دون أن يكلفوا أنفسهم النظر حتى إلى الخلف. تشتعل النيران فجأة وتعود إلى الأعماق الغاضبة بعد أن تكون قد رسمت بدخانها الأسود صفحة ألم وهذيان في كتاب الوطن اليائس. تجتاح الوطن أعاصير الأزمات، ورياح الخذلان تسقط أوراق التوت، وتكشف أوراق المستور للحالة المزرية التي يتعايشها واقع مغترب وبعيد المشاهدة عن عيون النخب العاجية الأبراج التي تعودت لا ترى إلى أبعد من حدود أبراجها، تتساقط الضحايا في معارك الضياع، وحروب المصالح تقودها وحشية الأنا و استكبارات الأقنعة والعيون السوداء الباحثة على نظارات بيضاء لكي لا ترى أفعالها الإجرامية، تتعدد الانتهاكات بحق الأرض والبشر وصلت حد المشاركة بصناعتها من خارج الحدود، فلم تعد آدمية المواطن اليمني محل استهزاء وسخرية محلياً، فقد سالت فيه لعاب الآخرين ووجدوا فيها فرصة لاغتصاب حقوقه طالما وذوي الشأن استرخصوها وباعوها بوضح النهار.. بالأمس يقترف أحد الأطباء في بلاد الطب والأطباء خطأً قاتلاً بحق مواطن يمني شاءت الأقدار أن تقوده قدماه إلى تلك البلاد ليخرج من بلاده اليمن سالماً معافاً معززاً ومكرماً إلى «مصر»، التي استقبلته بأحضان مرحبة كموظف للسفارة اليمنية لديها ليقدم أحد أطبائها أفضع ما لديه من أكوام الأخطاء ويقتله بدم بارد، ولم يسعفنا هول المصاب لفقدان عزيز غالٍ، وشخصية وطنية، وقامة صحفية كالفقيد عادل الأعسم إلا أن نهل الدمع على رحيله وفي أعماقنا لتكوم حشرجات الحسرة القاتلة على هذا المصاب، والذي للأسف تسبب به طبيب مصري قد يكون يحمل ثقافة استرخاص في حياة اليمنيين... وشاءت الصدف أن تكون مصر و بالأيام نفسها المحطة الأخيرة لمواطن يمني بحادث سيارة، وقبلها بأسبوع كشفت مصادر إعلامية وأمنية عن قيام عصابة دولية باستدراج عشرة أطفال يمنيين للمتاجرة بأجزاء من أجسامهم وانتزاع الكلى من أجسادهم، كل هذا حدث داخل مصر.. والسؤال هنا هل هذه الأحداث المتتالية، بحق مواطنين يمنيين، التي وقعت في مصر الشقيقة حركت جزءاً بسيطاً من ضمير الحكومة اليمنية والمصرية وتابعت حقيقة ما جرى؟! أم أن الحكومة اليمنية مشغولة هذه الأيام بإسقاط ضحايا داخل الوطن ولم تعول كثيراً على سقوط ضحايا يمنيين خارج البلاد؟! إلا أن هذه الحوادث المؤسفة الأخيرة تقودنا إلى تساؤل أكثر حيرة وأوسع جدلاً وهو: ترى كم من حادثة لم يكشف عنها في هذا المجال وبخاصة اليمنيين القادمين إليها بغرض العلاج؟!-اللهم أسمعنا خيراً- وما زال الأمل معلقاً بالأجهزة المصرية للكشف عن حقيقة ما حدث للزميل الأعسم وللعشرة الأطفال اليمنيين وخاصة أن القضاء المصري يتمتع بسمعة وثقة عالية والرهان معلق عليه، ليس الجديد في الأمر أن تصبح بلاد شقيقة أو صديقة محطة لضياع حقوق المواطن اليمني أو انتهاك لآدميته أو حتى إزهاق لروحه، إنما الجديد إذا ما سمعنا بأن هناك متابعة من الحكومة اليمنية لما يحدث لرعاياها في أي مكان..!! وهو خبر لا نتوقع أن يكون له وجود طالما وأن حياة وأرواح اليمنيين في بلادهم لا تجد أهمية وقيمة لدى أولي الأمر والذين يروجون لعكس ذلك ولا تتكشف حقيقة سياساتهم إلا عندما يطفح الكيل وينفجر غضب الظلم للمواطن الذي يواجه بسياسة القمع وسياسات المزايدة وزبانية المتربصين بالوطن ليستغلوا ذلك الهيجان العفوي ويصنعوا منه صكوكاً للمزايدة، فيقع المواطن والوطن ضحية للطرفين..!