لماذا يصر البعض على أن نردد معهم بأن الدنيا بخير والوطن بألف خير؟ وبأن القول غير ذلك خيانة وإن كانوا لم يدخلوها في كافة الأشياء.! والمطلوب منا كمواطنين ألا نتحدث عن أي شيء يضايقنا طالما ونعمة البقاء ننعم بها، ونحمد الله على العافية. لاشيء يعجز لسانك عن الكلام، ويفقد ما تبقى من خلية نشطة داخل عقلك أكثر من عجرفة متشنجة تتطاول بالحديث الصادر من فرد، لا ينتابك أي شك بأنه يعيش بين جنباتنا، وتجره قدماه في شوارعنا ومدننا وقرانا، وعيناه تشبع كل يوم وكل لحظة برؤية أدق تفاصيل الواقع الذي نعيشه، ومع ذلك يصدمك بإصدار التهم المهولة بحقك، لمجرد أنك تبرمت أمامه من بشاعة الفقر وقسوة مخالبه التي تفتك يومياً بالمواطن، إذ بأمثال هؤلاء يتلقف هذا الحديث لينعتك بالكاذب والمزايد والجاحد للنعيم الذي يستظل تحت أشجاره الوطن والشعب، ومن غير المستبعد أن يضيف إلى قائمة الاتهام بحقك بأنك عميل، وتعمل بأقاويلك عن الفقر والفساد والجوع والعطش والبطالة على تفتيت أوصال اللحمة الوطنية، وتساهم بتشويه سمعة اليمن والحكومة اليمنية ومصداقية الديمقراطية والقيادة...إلخ، وصولاً إلى أنك تخدم جهات معادية خارجية تستهدف اليمن ومكتسباته، وليس ببعيد أن يصنفك على إحدى تلك الجهات التي تعشعش بذهنه حتى لو كانت إسرائيل، وإذا لم تكتفِ بسيل الاتهامات ورفض عقلك تلك الترهات وأصريت على استكمال النقاش بطريقة علمية وموضوعية، وأوضحت له أبعاد الحقيقة بالواقع وبالمعلومة وبالحقوق المهدرة حتى عليه، وأردفت بالحديث عن قضية عامة ومعاشة مثل الفقر واستدلالك بالأرقام الرسمية الصادرة عن الحكومة، ومنها اعتماد ما يقارب 12مليون مواطن يحتاجون إلى مساعدة، وإدراجهم ضمن قوائم التأمينات الاجتماعية، وهذا لا يعني سوى أن أكثر من 60% من اليمنيين يقبعون تحت خط الفقر، يعانون آلام العوز والكفاف، ومهددون بالموت جوعاً سيرد بالإنكار، وهو ما تشير إليه الأرقام الصادرة عن منظمات المجتمع المدني محلياً، التي تؤكد على أن القاعدة الكبيرة من المواطنين لا تستطيع أن تلبي احتياجاتها الأساسية، ومهددة بالموت جوعاً، أو الحياة في كنف التشرد والمرض والأمية وحصار البطالة والانحراف والضياع، وصل بالبعض إلى بيع أجسادهم للبقاء أحياء أو استبدال بعض أعضاء أجسادهم بالقليل من المال يسد رمق الحياة، وهو ما تشير إليه كذلك التقارير الدولية الصادرة بهذا الخصوص.. هنا لا تتوقع من هذا المكابر (الجائع) أن يعطيك الفرصة لإكمال حديثك، فهو سيوسع الدنيا صراخاً وندباً وغضباً، ويلقي بوجهك أقسى كلمات الوعيد والتهديد، وأشد التهم تطرفاً و أوجعها إنسانياً، أبسطها نزع حقك بالجنسية كمواطن يمني، هذا إذا لم يخرجك من ملة محمد.. للأسف أمثال هؤلاء يقتاتون بزيفهم وتعصبهم الأعمى لخدعة الكذب التي يلقيها عليه أسياده، بعد أن أقنعوهم بأنهم ما زالوا أحياء بتبعيتهم وانقيادهم مقابل بعض المزايا (فتات الحياة)، لا يتلقاها غيره من المواطنين، والغريب أن تجد منهم المثقف والسياسي ومن ينتمي إلى فئة النخبة، ولا تتوقع منهم أن تسيل قطرة حياء واحدة على وجوههم (أقنعتهم) الباردة، من الإصرار على المكابرة بأن من يقول إن اليمن اقتصادها فقير، وسياساتها جامدة، وأن الفقراء يقاربون نسبة 90% ما هو إلا مزايد وكاذب ومجافٍ للحقيقة..