كان سقوط القدس الشريف في يد الجيش الإنجليزي (11/12/1971م) أثناء وجودي في برلين فبقيت أياماً لا أعي من الغم لذهاب هذا البلد المقدس من يد الإسلام بعد أن بذل المسلمون ما بذلوا من دماء وأموال حتى خلصوه من أيدي الصليبين. شكيب أرسلان - مناضل ومفكر لبناني يتحدث هنا شكيب أرسلان عن سقوط القدس بيد الاحتلال البريطاني، الدولة الغازية التي أصبحت بعد انهيار وهزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى بمشاركة الثنائي الفرنسي ودعم وتأييد العرب بزعامة الشريف الحسين بن علي الذي أطلق على دعمه ومشاركته القوى الاستعمارية بريطانيافرنسا بالثورة العربية الكبرى والذي خرج منها خالي اليدين بعد إبرام اتفاقية (سيكس بيكو) السرية 1916م بين فرنساوبريطانيا وبموجبها تم تقسيم الوطن العربي بين الدولتين المنتصرتين في الحرب والذي بقي محتلاً حتى نشأة حركات التحرير الوطني في أكثر من بلد عربي توجت جميعها نيل الاستقلال كان ذلك في المشرق أم المغرب العربي. سقوط فلسطينوالقدس الشريف على وجه التحديد عام1917م هو نفس العام الذي صدر فيه وعد بلفور الذي أعطى لليهود وطناً قومياً في فلسطين، وفي ظل الاحتلال وحمايته توافد اليهود من كل حدب وصوب على أرض فلسطين العربية، وتشكلت المنظمات الصهيونية الإرهابية التي ارتكبت أبشع الجرائم والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين أثناء السيطرة والاحتلال البريطاني وما بعد قيام دولة الكيان الصهيوني عام 1948م حتى الوقت الحاضر، ذلك الكيان الذي يعتبر ما خرج به مؤتمر بازل 1897م من قرارات وبروتوكولات صهيونية دليلاً له في تحقيق الحلم الصهيوني في فلسطين وذلك ما تحقق بالفعل حتى الآن وقد حدث كل ذلك بالتدريج بداية من وعد بلفور وما تلاه من مجازر ومذابح جماعية مروراً بقرار التقسيم وقيام دولة إسرائيل بحروب 485667 التي امتدت تداعياتها إلى احتلال سينا والجولان والضفة الغربية وبعض الأراضي اللبنانية، حيث انهارت الجيوش العربية على ضوئها وانهارت معنوياتها ومعنويات النظم العربية والعسكرية وخاصة في جمهورية مصر العربية، فكان من أهم تداعياتها ونتائجها الخطيرة إبرام معاهدة (كامب ديفيد) بين مصر وإسرائيل، تلك المعاهدة التي كللت مصر وشعب وجيش مصر وأطلقت العنان للكيان الصهيوني لكي يصول ويجول في الأراضي العربية التي أضحت مفتوحة أمامه، يشن الحروب عليها كما يحلو له، فكانت البداية بالحرب على لبنان واحتلال العاصمة اللبنانيةبيروت التي لم تغادرها مع بقية المناطق اللبنانية الأخرى إلا بالمقاومة الوطنية اللبنانية بزعامة حزب الله عام 2000م ومن ثم هزيمة ذلك الكيان على إثر تلك الحرب التي شنتها على جنوبلبنان عام 2006م. إذا كانت قوات بريطانيا قد احتلت فلسطين كقوة استعمارية مؤقتة فإنها قد أنهت احتلالها وعادت من حيث أتت عادت إلى عاصمة الإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس في مرحلة من مراحل التاريخ فإن الصهاينة ودولة الكيان الصهيوني قد قامت لتبقى باعتبار فلسطين وطنهم وأرضهم وعاصمتها القدس الموحدة الشرقية والغربية وبأن الدولة القائمة هي الدولة اليهودية الحالية، ولا يمكن أن يشاركهم أحد في أرضهم أرض الميعاد، هذا ما أكد عليه رئيس وزراء إسرائيل الحالي نتنياهو، وبذلك فقد أنهى أي إدعاء فلسطيني لشروط من هذه الأرض، كما أنهى أي شكل من أشكال الحوار مع الفلسطينيين أو العرب الذي شبهه صائب عريقات بمشي السلحفاة التي قلبها نتنياهو على ظهرها، وهذا يعني أن كل شيء قد انتهى، ولم يبق شيئاً لأصحاب الإدعاءات في أرض فلسطين سوى ما جاء على لسان رئيس وزراء الكيان الصهيوني في خطابه الأخير.. فماذا كانت ردة فعل الزعامات العربية الكرتونية على ذلك الخطاب الصهيوني الذي حسم الشك باليقين؟ لا شيء سوى التمسك بالخيار الإستراتيجي خيار السلام الذي جسدته مبادرة السلام العربية في قمة بيروت والتي وصفها شارون بأنها لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به وعلى ضوئها قام بإعادة احتلال الضفة والقطاع، تلك المبادرة التي أحرقها نتنياهو وذر رمادها في وجوه من سهر الليالي لإعدادها وقدمها في قمة بيروت. قبل وفاته عام 1947م قال شكيب أرسلان إنه لا يقلقه شيء وهو على وشك أن يلقى ربه كما يقلقه مصير فلسطين، أما بشأن الجامعة العربية الحديثة الولادة فقال: «أن لا خير أبداً أن تكون بريطانيا هي الساعية في إيجاد الجامعة العربية».