كان صادماً ذاك الحديث الذي ورد على لسان الدكتور عبدالكريم الإرياني المستشار السياسي لرئيس الجمهورية، خلال إجابته على سؤال عن الدعوات للفيدرالية والموقف منها، في سياق المقابلة الصحفية التي أجرتها معه صحيفة الخليج الإماراتية، ونشرتها في عددها الصادر يوم الجمعة 7 أغسطس الجاري، ذلك أن ذاك الحديث وتلك الإجابة، تضمنت من الخلط والمعلومات الملتبسة والفهم المغلوط، ما لا يمكن أن يصدر عن قامة سياسية مخضرمة ومحنكة وعالمة، بحجم الدكتور الإرياني الذي نعرف يقيناً مدى علمه ووعيه وخبرته وموسوعيته في مختلف حقول المعارف السياسية وأنماط أنظمة بناء الدول ومناهج إدارتها. نعم، لقد اظهر الدكتور الإرياني في إجابته تلك خلطاً واضحاً بين سمات النظامين الاتحاديين (الفيدرالي) و (الكونفدرالي)، حيث قال: (أقول إنها تبدأ فيدرالية وتنتهي انفصالية، لهذا أنا ضد الفيدرالية، أنا مع الحكم المحلي، السلطة المحلية، سمها ما شئت، لكن الفيدرالية شيء ثان، فهناك دستوران تقريباً وجيشان، لهذا يبدأ الأمر بالفيدرالية وينتهي بالانفصال، وعلى الذين ينادون بالفيدرالية ألا يتوقعون أننا مغفلون .. على الأقل أنا .)، إذ إن المعلوم والمؤكد أن النظام الاتحادي الفيدرالي يمثل أرقى الأنظمة الاتحادية الاندماجية، التي تستند إلى دستور واحد وجيش اتحادي احترافي واحد، وأنه النظام الأمثل الذي يفعل مقتضيات تجسيد توازن المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتوزيع العادل للسلطة والثروة، والتنمية الشاملة المستدامة، وعلى نحو لا يدع أي مجال لمفاعيل الغبن والتمييز والإقصاء والاستئثار، المولدة للتنافر والتباغض والانقسامات، وبما يؤدي إلى اجتثاث العوامل والمنابع المثيرة للنزعات الجهوية والمناطقية والطائفية، وهي مفاعيل وعوامل ومنابع تنتجها وتضرم جحيمها المركزية الخانقة المشددة في إطار نظام الدولة البسيطة، الذي راكم على مدار التسعة عشر عاماً الفارطة، الاختلالات والمظالم والمفاسد والتمزقات، على نحو هزم الوحدة في النفوس، وبعث النزعات والعصبيات من مراقدها، وأدى باليمن إلى انسداد شامل، يوشك اليوم على التردي بها في مجاهل التمزق والعنف. إننا نعلم أن الدكتور عبدالكريم الإرياني يعلم، أن فيدرالية ألمانيا لم تنته ب ( انفصال )، بل إنها وفرت ما عمق شعور المواطنين هناك بوجودهم الحي والفاعل في إطارها، على نحو لم يترك بينهم ما يدعو لنزوع تفكيكي كهذا، بينما أدت مركزية ماكان يسمى ب (الاتحاد السوفيتي) ويوغسلافيا، إلى انهيارات مروعة وحروب وحمامات دم وتمزقات، بعد عقود متوالية من الهيمنة والاستبداد و(الضم) و (الإلحاق)، لم تورث إلا ما نراه ونسمعه من ضغائن وثارات وتباغض وتناحر .. إن تعمد تجهيل الناس وتزييف وعيهم، بما يفضي إلى إثارة الفزع في أعماقهم من (الفدرالية)، لا نراه مجدياً في زمن باتت فيه المعلومة متاحة بيسر وسهولة للجميع، وأضحى فيه المواطن واعياً ومطلعاً ومتابعاً، على نحو يصعب معه تجهيله وتزييف وعيه.. ولله الأمر من قبل ومن بعد ..