"ما تشهد للعروس إلا أمها"، هكذا يقول المثل الشعبي، وهذا هو حال حكومة مجور أمام البرلمان خلال مناقشة تقرير أدائها عن العام 2008م الأحد قبل المنصرم، فأعضاء البرلمان الذين خطب رئيس الوزراء ودهم بكلمات رنانة، وخطاب بدا ثورياً لم يفلح في نيل مراده، وكال النواب الانتقادات اللاذعة لتقريره وأداء حكومته، ولم يهون وقع ذلك إلا مانشيتات الصحافة الحكومية التي صورت البلاد على سمن والعسل، ولم يتبق إلا امتثال أمر لطالوت وجنوده بعدم الشرب قبل تحقيق الهدف الأخير, وماذا يتبقى بعد بلوغ ال70% من البرنامج كما تباهت بذلك الحكومة وإعلام الحكومة التي شكلت في اليوم التالي تناقضاً فظيعاً مع الشارع الذي وضعت على رصيفه وتنافرت معها العيون الزائغة التي جذبتها العناوين الصارخة بالإنجازات فيما هي تدور في حلقة فارغة وحالها "رب يوم بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه". إبراهيم الوادعي من كان بهم أن يعطوا صكا بالنجاح لم يفعلوا بل ذهبوا إلى اتهام حكومة مجور بأنها لم تفشل في إدارة البلاد بل إن أداءها ساهم في تدمير ما كان قد حقق ولم يكن حتى نواب الحزب الحاكم بمعزل عن السيمفونية الحزينة التي عزف أوتارها كل من حضر جلسة البرلمان الأحد إلا الحكومة التي دخلت بمعزوفة جاهزة وخرجت بها نحن حققنا إنجازاً. فعلى الصعيد الأمني الذي تعتبره الحكومة أولوية اليوم بالنسبة إليها حسب تأكيد الناطق الرسمي باسمها، أكد سلطان البركاني رئيس كتلة الحزب الحاكم البرلمانية فشل حكومة حزبه لاسيما في ضبط الأمن، وقال "هناك مشاكل يجب الاعتراف بها وأن نعمل على حلها ونحن مستعدون للوقوف إلى جانب الحكومة إذا كانت جادة في التعامل مع القضايا". من جانبه دعا سلطان العتواني، رئيس كتلة الناصري، إلى إعادة بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية على أساس مهني ووطني، وقال: "إن هناك اختلالاً داخل هذه المؤسسات وتتعامل بمعيارين في معالجة القضايا الأمنية ففي حين تواجه المحتجين سلمياً في المحافظات الجنوبية بالرصاص الحي تتعامل بدلال مع الخاطفين في بعض المناطق والذين يسيئون لسمعة البلد ويؤثرون على السياحة والاستثمار"، وأضاف: "إن حديث الحكومة اليوم عن ما يجري في البلد من اختلالات أمنية لم يأت بجديد وتضمن معلومات مغلوطة". لافتاً إلى ما أسماه غياب الاستراتيجية السياسية والأمنية والاقتصادية، إضافة إلى بعض الممارسات الخاطئة لدى هذه السلطة. معتبراً أن رجال الأمن والجيش الذين نشاهدهم أثناء الاحتفالات والاستعراضات العسكرية مشغولون بحماية منازل المسؤولين والذين هم سبب ما وصلنا إليه، وليسوا لحماية المواطن". فيما أرجع النائب المستقل صخر الوجيه سبب الانفلات الأمني إلى أن القائمين على تطبيق الدستور والقانون لا يحترمونه ويطبقونه بطريقة انتقائية على من أسماهم بأصحاب العربيات والباعة المتجولين، وقال إن الأمن يبرز إمكانياته فقط أمام هذه الفئة فقط. أما الدكتور عبد الرحمن بافضل، رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح، فقد وصف الحكومة الحالية ب"الفاشلة والعاجزة". ودعا إلى البدء بإجراءات لسحب الثقة عنها، وقال "إنها عجزت عن حل أبسط القضايا! فما بالكم بالقضايا الكبرى كقضية صعدة والقضية الجنوبية وقضايا الاقتصاد والفقر والبطالة". وأكد بافضل على أن التحديات التي تواجه اليمن والتي تحدث عنها نائب رئيس الوزراء رشاد العليمي والمتمثلة ب"القاعدة، والحوثي والحراك" لم تظهر إلا منذ تفرد الحاكم بإدارة شؤون البلاد وهمش شركاء العمل السياسي. ودعا إلى إطلاق عملية الحوار الوطني الشامل، مشيراً إلى أن الحوار الجاد والمسؤول هو وحده الكفيل بحل مشاكل اليمنيين، وقال بأن العنف يؤدي إلى مزيد من العنف ولن يحل قضية. وشدد على ضرورة إطلاق سراح كافة المعتقلين والناشطين السياسيين، وقال "ما لم نقف مع أنفسنا وقفة جادة ومسؤولة، سلطة ومعارضة، ونحل مشاكلنا بأنفسنا فإن الأممالمتحدة ستتدخل لفصل جنوباليمن عن شماله سلمياً وحينها ستتعقد الأمور أكثر ولا نستطيع عمل شيء". من جانبه قال النائب عيدروس النقيب، رئيس كتلة الاشتراكي: إن تقرير الحكومة في حديثه عن الأوضاع في المحافظات الجنوبية قدم شتائم واتهامات ولم يقدم تشخيصاً دقيقاً وأميناً للأوضاع هناك ومن المتسبب فيها، وأكد أن الظلم والفساد والإقصاء والاستعلاء والمكابرة وقتل الناس في الشوارع ومواجهة المحتجين سلمياً بالرصاص الحي والنهب هو الذي يهدد الوحدة الوطنية وليس مقالاً في صحيفة أو شعاراً يرفع هنا أو هناك. وفي الجانب الاقتصادي تحدثت الحكومة في تقريرها عن عدد من المؤشرات الإيجابية المحققة في عام2008م، وهو ما يجعلنا أكثر إيماناً بوجود تقدم في التنمية وتحسن ملحوظ في تخفيض معدلات الفقر في المناطق الحضرية وتحقيق معدلات خفض متواضعة في المناطق الريفية وكذا فيما يتصل بتحسين بيئة الاستثمار وبيئة أداء الأعمال . ما أثار استغراب نواب المعارضة وعلى رأسهم النائب بافضل الذي أشار إلى أن حديث الحكومة عن تحسين بيئة الاستثمار يتزامن مع الإعلان عن سحب سبعة مشاريع من المنطقة الحرة, وقال: إن كثيراً من المشاريع لا تزال حبراً على ورق وأن كثيراً من الشركات تنسحب قبل أن تبدأ بسبب الفساد وتدخلات النافذين. وتساءل "عن أي سياحة تتحدثون في ظل الاختلالات الأمنية، فالأجانب يختطفون ويقتلون وإلى الآن المختطفين الألمان في غيابات الجب لا نعلم عنهم شيئاً فكيف تتوقعون سياحة واستثماراً في ظل هذه الاختلالات المريعة؟. وبخصوص تنفيذ البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية تساءل بافضل "ألم تصلكم رسالة رسمية من الأخ الرئيس أنكم تتقدمون للخلف وأن إنجازاتكم وهمية؟". وحول ما تعد به الحكومة من رخاء بمجرد تصدير شحنات الغاز، إذ من المتوقع أن تبدأ تصدير الشحنة الأولى في سبتمبر، قال: إن الغاز بِيعَ بثمن بخس، كما تحدث عن أزمة المياه الخانقة وعن تدني مستوى التعليم والخدمات الصحية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وفشل الوحدات الاقتصادية الحكومية . وقال النائب محمد صالح القباطي: إن تقرير الحكومة لم يتضمن جديداً وأنه يحمل نفس الخطاب الذي نسمعه يومياً في التلفزيون، مضيفاً بأن التقرير يتضمن خطاباً اتهامياً من ناحية، ومن ناحية أخرى دعائياً تحريضياً. واستغرب حديث المسؤولين في الحكومة عبر شاشات التلفزيون عن تنفيذ 82% من البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية فيما التقرير يتحدث عن 31% فقط، مستغرباً هذا التناقض. لافتاً إلى أن الحكومة تبدو غائبة عن المشهد، ففيما يؤكد الجميع وعلى رأسهم الشركاء الدوليون على أن اليمن تسير نحو الانهيار، تقول الحكومة إنها أنجزت 70% من برنامجها. واتفق معه نائب رئيس كتلة الإصلاح النائب زيد الشامي بقوله " لقد نجحتم في جعل الحياة شاقة على المواطنين وما عدا ذلك فكل شيء يتجه نحو الأسوأ. على الصعيد الاجتماعي والخدماتي تحدث التقرير الحكومي عن معدلات تقدم في تقديم الخدمات التعليمية والصحية للمواطنين، حيث انخفضت نسبة الأمية إلى (45.7%) ووصول عدد المدارس في الجمهورية إلى 16 ألف مدرسة، وتطوير التعليم العالي لتلبية سوق العمل, أما على الصعيد الصحي فتحدث التقرير عن تحقيق نجاح في خفض معدل الوفيات إلى (78) حالة وفاة لكل (ألف) ولادة حية في عام 2008م، وزيادة نسبة استخدام الوسائل الحديثة لتنظيم الأسرة من(21% )إلى (28%) من إجمالي النساء المتزوجات، وتوسيع خدمات الطوارئ التوليدية المتاحة إلى (60%) من السكان ورفع معدلات الولادة النظيفة إلى مستوى يتجاوز (35%). النائب الشامي من جهته رد على التقرير في هذا الجانب، لافتاً إلى تراجع نسبة المخصص للتعليم في موازنة 2008م إلى 12% مقارنة 14% عام 2007م. وقال: إن نسبة الملتحقين في محو الأمية 128ألف"، متسائلاً: متى ستنتهي الأمية إذا كان الملتحقون بهذه النسبة. ولفت إلى تدني نسبة الملتحقين بالتعليم الفني والمهني، وقال: نسبة الملتحقين لا يمثل 4% من نسبة الملتحقين بالتعليم الثانوي. أما صحياً فبصرف النظر عن الفساد الذي استشرى في الجسم الصحي وانعدام الخدمات الصحية المؤهلة في المناطق الريفية فإن مسئولين صحيين يؤكدون أن الإنفاق الحكومي على الصحة وحصة المواطن في هذا القطاع متدنية بشكل كبير. وإذا كانت الحكومة كما أسلفنا فشلت في الحصول على صك نجاح من البرلمان ليس من قبل نواب المعارضة وإنما من قبل نواب حزبها أنفسهم فإن الشريك الدولي الذي صار اليوم موجوداً في كل تفصيلة من تفاصيل واقعنا الاقتصادي والاجتماعي منع هذه الشهادة أيضاً عن الحكومة وناقض كلامه تقريرها، فقد أفاد تقرير الأممالمتحدة للتنمية البشرية العربية للعام 2009 بأن هناك 65 مليون عربي يعيشون في حالة فقر، مشيراً إلى أن البطالة تعد من المصادر الرئيسية لانعدام الأمن الاقتصادي في معظم البلدان العربية. وقال: إن اليمن سجلت أعلى معدلات الفقر بنسبة 59.9 %, فيما سوريا سجلت الحد الأدنى 28% وهذا التقرير هو المجلد الخامس من سلسلة تقارير التنمية الإنسانية العربية التي يرعاها برنامج الأممالمتحدة الإنمائي ويضعها عدد من المثقفين والباحثين في البلدان العربية. وقال التقرير: إن البطالة تعد من "المصادر الرئيسية لانعدام الأمن الاقتصادي في معظم البلدان العربية، وحسب بيانات منظمة العمل العربية (2008) كان المعدل الإجمالي لنسبة البطالة في البلدان العربية 14.4 % من القوى العاملة في العام 2005 مقارنة ب 6.3 % على الصعيد العالمي. وبالنسبة إلى البلدان العربية ككل (وباستخدام عدد العاطلين عن العمل في العام 2005) وصل معدل لنمو البطالة إلى نحو 1.8 %." وأوضح التقرير أن اتجاهات البطالة ومعدلات نمو السكان تشير "إلى أن البلدان العربية ستحتاج بحلول العام 2020 إلى 51 مليون فرصة عمل جديدة ... ويبلغ معدل البطالة بين الشباب في العالم العربي ما يقرب من ضعف ما هو عليه في العالم بأسره." ووفقاً لتقرير التنمية البشرية فإنه "غالباً ما تنعكس البطالة بصورة غير متوازنة على الإناث، فمعدلات البطالة بين النساء في البلدان العربية أعلى منها بين الرجال وهي من المعدلات الأعلى في العالم اجمع." ودعا التقرير الدول العربية إلى التركيز على "إعادة هيكلة النظام التربوي التعليمي من أجل سد فجوات المهارة." وأشار إلى أن "الثروة النفطية الخيالية لدى البلدان العربية تعطي صورة مضللة عن الأوضاع الاقتصادية لهذه البلدان لأنها تخفي مواطن الضعف البنيوي في العديد من الاقتصادات العربية وما ينجم عنها من زعزعة في الأمن الاقتصادي للدول والمواطنين على حد سواء." وتحدث التقرير عن مواطن الضعف الاقتصادي العربي حيث "تشكل الدرجة العالية من التقلب في نمو الاقتصاد العربي دليلاً واضحاً على ضعف هذا الاقتصاد. الأمن الاقتصادي في المنطقة العربية المرتبط بتقلبات أسواق النفط العالمية كان ولا يزال رهينة تيارات خارجية المنشأ.