ثورة 14 أكتوبر المجيدة رسمت لوحات سامية للتحرر والنضال الإنساني والكرامة الوطنية في أبهى ألوانها، لم يكن يوم14 أكتوبر تاريخياً بركان الثورة، بل كان اليوم الذي توج فيه اليمنيون نضالهم ومقاومتهم للمستعمر البريطاني لقرن وربع القرن.. شكلت ثورة أكتوبر قاسماً مشتركاً في محطات التاريخ الإنساني بشكل عام والتاريخ اليمني خاصة، مازالت خطوط هذه القواسم تمد مداها في التفاعل النضالي وثقافة المقاومة للظلم والاستبداد، وإن كانت الذكرى ال46 تطل اليوم والتفاعل السلمي يعيش دوامات اللاسلم (حتى الآن) في العديد من المحافظات الجنوبية للمطالبة بحقوق وإصلاحات للأخطاء الفادحة لسياسات السلطة ومراكز القوى التي نثرت بذور الفساد والتمييز وخلطت الأوراق وفرضت واقعاً مرفوضاً شعبياً وصل حدود الرفض مساحة دائرة ثقافة الرفض والكراهية وهد المعبد الوحدوي بوجه الجميع، يقف اليمنيون اليوم أمام هذه التقاطعات الخطيرة وهم يتطلعون إلى مستقبل أفضل بعيداً عن متناول اليد في حاضر مهدد بتجاذبات الماضي وبؤر الصراعات والانقسامات.. فهل يقف الجنوب اليوم على شفير حرب؟ إن المؤشرات التي تنطلق من واقع المحافظات الجنوبية تشير إلى أن ملف المواجهات بين مكونات الحراك الجنوبي والحكومة في تصعيد مستمر، وأن التعامل الرسمي مع هذه المواجهات لم تأخذ بحسبانها ثقافة المقاومة والرافضة للقوة في التعامل معها وسياسة الاستعلاء التي تواجه فيها بالإضافة إلى عدم أخذ المطالب الحقوقية والشرعية بجدية وخلق أجواء عدائية بين الطرفين الجموع الجماهيرية والحكومية مما يعمق جذور المشكلة ويفسد أي علاجات آنية ومباشرة، هذه الأجواء السلبية قد تساهم بطريقة أو أخرى للخروج عن المسار الوطني في تناول القضية، وقد تكون ثغراتها مدخلاً سهلاً لمن تراودهم نفسوهم بالدعوة إلى الانفصال ورهن الساحة لذراع الاستقواء واشعال فتيل الغضب الشعبي وتسخير ثقافة المقاومة التي يتمتع بها بالفطرة أبناء شعبنا في المحافظات الجنوبية ودغدغة عواطفهم واللعب في مخيلة الجمع الرافض، وتسييرهم كوقود لمعركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، والمستفيد الأكبر من هذه العملية إذا ما قدر لها أن تكون أعداء الإصلاح وبناء الدولة اليمنية الحديثة ومراكز قوى تطمح للسلطة والاستيلاء عليها ولو على حساب وحدة واستقرار وطن وباستغلال بشع لروح المقاومة الشعبية والابتعاد بها عن مسارها الوطني والوحدوي. فعلى الجميع التنبه إلى هذا الفخ، والتعامل بعقلانية وحساسية في القضايا المتعلقة بهذا الملف، والابتعاد عن تعميق جذور الكراهية والدعوات الانفصالية الكريهة والثبات على رفض الفساد ورفع المظالم وإصلاح الأخطاء لتجديد الدماء في الجسد الوحدوي المسلوب.