يبدو أن جائحة أنفلونزا الخنازير ليست شراً مطلقاً في كل جوانبها، فهناك من وجد فيها ضالته التي ينشدها للتخلص من عبء يراه مفروضاً عليه أو هكذا يظنه, وإذا كانت أسباب هروب الطلاب اليمنيين من المدارس أو حجج تسربهم قد تم حصرها فإنه يجب إضافة أنفلونزا الخنازير كعامل جديد . اتخذت الحكومة قرارها بتأجيل ميعاد بدء العام الدراسي فقط في أمانة لعاصمة ومدينة سيئون اللتين سجلتا بحسب تأكيدات الحكومة النسبة الأعلى من الإصابات بأنفلونزا الخنازير في الجمهورية,ودقت أجراس المدارس وانتظمت الطوابير في مختلف المدارس بالمحافظات الأخرى التي أخذ طلابها يبدون حنقهم من قرار الحكومة التمييزي حسب رأي بعضهم ويغبطون أقرانهم الذين مددت إجازاتهم الصيفية أياماً معدودة من دون توقع عائد أو إجراء يتخذ . في المحافظات التي بدأت فيها الدراسة تلقى المدرسون تعليمات صارمة بوجوب الإبلاغ عن أي حالة أنفلونزا أو إصابة بالبرد في صفوفهم وتقول إحدى المدرسات بمدرسة الخنساء بالمحويت إنها اضطرت إلى إلغاء حصتها بعد مشاهدتها لعدد 10 طالبات مصابات بالرشح وتم تسريح الطالبات؛ خوفا من تحمل المسئولية. وتقول (ل.ي): إن إدارة المدرسة أبلغتهن بضرورة الإبلاغ عن أي حالة إصابة بالبرد أو بالرشح بين الطالبات وإلا فإن المدرسة ستتحمل المسئولية الكاملة جراء تهاونها في ذلك، وأضافت: أنها تقوم بإخراج أي طالبة يظهر عليها آثار البرد أو السعال من الحصة قسراً؛ خوفاً من تحمل المسئولية, ويتم إبلاغ الطالبة بعدم العودة إلى المدرسة إلا عند شفائها بالكامل . امتحانات نهاية الفصل من جانبها تقول مديرة المدرسة: إن توجيهات مكتب التربية والتعليم بالمحافظة صارمة بهذا الخصوص وأنها اضطرت إلى إغلاق فصل دراسي عندما تزايدت حالات الإصابة بالبرد وتسريح جميع الطالبات ولم يعد فتحه إلا بعد حضور مختصين صحيين قاموا بالفحص على الطالبات لضمان عدم إصابتهن بأنفلونزا الخنازير. ونوهت إلى أن الإجراء الوحيد المتبع هو منح الطالبة التي يظهر عليها آثار الإصابة بالبرد حتى لو رأيناه بسيطاً، وإلزامها عدم العودة إلى المدرسة حتى تتماثل للشفاء, وعلى الرغم من اعتراض بعض الأسر على هذا الإجراء فإننا لا نملك في الوقت الحالي إجراءً بديلاً عنه, وهو إجراء يتسبب بالفعل بحرمان الطالبة من حصص عديدة خاصة إذا طال مرضها، ومستقبلاً قد نضطر إلى النظر في الاختبارات الشهرية بالنسبة للطالبة المريضة، ولا أدري كيف سيكون الأمر إذا طال الوضع على ما هو عليه الآن إلى اختبارات نهاية الفصل الأول ولم يتم اتخاذ أي إجراء أو إيجاد حلول من قبل وزارة التربية والتعليم, اعتقد أنها ستكون مشكلة حينها. طلاب مستفيدون ليس ببعيد عن مدرسة الفتيات، يبتسم شبان في المقصف بخارج المدرسة يتبادلون النكات حول جائحة هددت وأخافت العالم فيما هم يرونها منقذا أتاهم من السماء فالطالب عبد السلام تخلص من عبء الحصص الست لهذا اليوم بفضل هاجس أنفلونزا الخنازير ,ومع انه لا يبدو عليه المرض، يقول: هذه الأيام تكفيك سعلتين وعطستين وخذ لك إجازة أسبوع ,نعمة يراها بنظره وهو يتبادل الضحكات حول الخوف الذي يتولى إدارة المدارس والمسئولين التربويين الذين لا يملكون من أمرهم شيئا فبين خوف تحمل المسئولية وصرامة التوجيهات بعدم إبقاء الطلاب المرضى بأعراض الأنفلونزا في الفصول وبين احتيال الطلاب الذين وجدوا في هذا الخوف وجائحة أنفلونزا الخنازير ضالتهم للتهرب من حصصهم الدراسية. واستطرد بالقول: كنا في الماضي نهدد بتسليم الملف ونضطر للتحايل والمخاطرة من فوق سور المدرسة للهروب من الحصص, أما اليوم فنحن نخرج معززين مكرمين ويتم فتح الباب لنا, ونأخذ إجازة كما نريد . ويقول خالد، مدرس بمدرسة الهجرة المجاورة لمدينة المحويت: بعض التلاميذ يلجأون للعطس أو السعال بشكل مفتعل وبعضهم يأتي للمدرس ويخبره بأنه مصاب بالبرد ولا نملك سوى السماح له بالخروج حتى لو كنا نعلم أنه يحتال أو يكذب, ولكن أي مدرس لايرغب في أن يتحمل المسئولية في هذا الإطار بعد التشديد في التوجيهات التي وصلتنا وأيضاً الصورة المخيفة التي باتت مرسومة في أذهاننا عن مرض أنفلونزا الخنازير. خالد يشير إلى أنه ضبط بحوزة بعض الطلاب مساحيق الشمة أو التتن التي تحدث العطس وتبين مناطق احمرار حول الأنف وتدمع عين من يقوم باشتمامها، فيبدو وكأنه مصاب بالأنفلونزا فعلاً, وبرغم ذلك يتركهم يغادرون حصة اللغة الانجليزية التي يدرسها . تأجيل فقط ككل الدول في المنطقة تقريباً لجأت وزارة التربية والتعليم إلى تأجيل موعد بداية العام الدراسي من دون أن تعلن عن إجراءات محددة لمواجهة جائحة أنفلونزا الخنازير أو تظهر تلك الإجراءات على الأرض، وهو ما تسبب بتسجيل أكبر معدل للغياب مع بداية العام الدراسي؛ بسبب خوف أولياء الأمور على أولادهم بسبب المرض، إذ تجاوزت نسبة غياب الطلاب بمختلف محافظات الجمهورية أكثر من 70 %باستثناء العاصمة صنعاء ، ومدينة سيئون بمحافظة حضرموت واللتين تأجل الدراسة فيهما حتى نهاية نوفمبر كموعد أخير للتأجيل. لا أكثر مما قامت به.. وزير التربية والتعليم الدكتور عبدالسلام الجوفي أرجع أسباب الغياب الكبير للطلاب وفقاً لتقارير عمليات الوزارة امتناع أولياء الأمور عن إرسال أبنائهم إلى المدارس؛ لمخاوفهم بشأن المرض، مشيرا إلى أن المحافظتين اللتين فيهما انتشار كثيف لحالات أنفلونزا الخنازير هي الأمانة وسيئون، وقد تم تأجيل الدراسة فيهما حتى نهاية أكتوبر الجاري، أما بقية المحافظات فليس هناك ما يدعو للقلق، وأضاف:"لقد عملنا دليلاً ودربنا عليه المعلمين عبر برنامج مخصص في الفضائية اليمنية للتعامل مع أي حالة مشتبهة لا سمح الله كإجراءات احتياطية". ويبرز أولياء الأمور مخاوفهم من الكمية العددية داخل كل فصل دراسي كواقع حال في عموم المدارس الحكومية في المدن والأرياف حيث يتجاوز العدد بالفصل الواحد وفي أحسن الأحوال 50 طالباً . وخلت مدارس في مديريات عديدة وفقاً لمسئولين بوزارة التربية من الطلاب في أول أيام الدراسة، فيما اضطرت مدارس أخرى إلى إعادة الطلاب إلى منازلهم؛ بسبب قلة عدد الدارسين, وأخبر الدكتور عبد السلام الجوفي وزير التربية والتعليم رأي بأن وزارة التربية والتعليم ستعتمد على إجراءات الوقاية بشكل أساسي، ولن يكون بمقدورها شراء اللقاحات لأكثر من 5,5ملايين طالب, وما قامت به الوزارة حتى اليوم هو أقصى استطاعتها. ويبدو أن وزارة التربية والتعليم ليست وحدها في هذا المضمار، فوزارة الصحة والسكان المعنية برعاية الجانب الصحي للحجاج قالت بأنها ستحمل الحجاج أنفسهم قيمة اللقاحات التي ستقوم بشرائها لكون ذلك شرط المملكة العربية السعودية لمنح الحجاج تأشيرات الحج لهذا العام أن يكونا مطعمين ضد أنفلونزا الخنازير, وقال الدكتور عبد الكريم راصع وزير الصحة والسكان: إن اثنين مليون جرعة من العلاج سيتم شراؤها من حكومة المملكة العربية السعودية وسيتم توزيعها على الدول كل دولة بعدد حجيجها وأن قيمة الجرعة ستضاف إلى رسوم الحج، مشيراً إلى أنه في حالة عدم توفر اللقاح قد يعاد النظر في عدد الحجاج لهذا الموسم. ولفت إلى أن الإجراءات التي اتبعتها اليمن هي نفس الإجراءات التي تم إتباعها في الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي . راصع أكد بأن المرض تحت السيطرة، وأن 173حالة تماثلت للشفاء من أصل 226 حالة فيما توفيت ست حالات، مشيراً إلى أن وزارة الصحة عملت على توفير العلاج وأنها قامت مؤخراً بعمل دورة تدريبية حول الدليل الميداني لمكافحة المرض، وأن الدليل التوعوي وضح دور جميع الفئات سواء المعلمين في المدارس أو أولياء الأمور في كيفية الوقاية من المرض، موضحاً بأن هناك توجهاً لإغلاق تدرجي للفصول الدراسية التي قد ينتشر فيها المرض وقد يتم إغلاق مدارس تفادياً لخطورة الانتشار. جدل عالمي يبدو أن الجدل الدائر عالمياً حول إيجابية ومخاطر تعاطي لقاحي أنفلونزا الخنازير يعطي مبررا للحكومة اليمنية بعدم تكليف نفسها توفير وشراء اللقاحات للطلاب على الأقل ,وقد تصاعدت حدة اختلاف الآراء حول آثار لقاح أنفلونزا الخنازير وآثار تعاطيه المستقبلي على صحة الإنسان. ففي الوقت الذي يبرز فيه فريق يحذر من ذلك ويربطها بالخصوبة والجهاز المناعي، تقلل مصادر أخرى (رسمية) من أي آثار. وفي غضون ذلك قلل الدكتور جابر القحطاني الأستاذ بجامعة الملك سعود والصيدلاني المتخصص في مجال الأعشاب والطب البديل من ماهية لقاح مضاد لأنفلونزا الخنازير، مشيراً إلى احتمالية كبيرة أن يتسبب في مشاكل بالمخ أو الجهاز المناعي بشكل عام. وقال إن هذه الوضعية تنطبق على أي لقاح لأي فيروس كما أن الآثار الإيجابية قد لا تتجاوز ال25%. وشدد القحطاني في هذا الصدد على أن فيروس أنفلونزا يؤثر بشكل أكبر في الأشخاص الذين يعانون من ضعف في الجهاز المناعي، ولذا يجب تقوية هذا الجهاز من خلال الإكثار من تناول البرتقال والليمون والثوم والفلفل الأسود والكمون، باعتبارها عدوا لدودا لجميع الفيروسات التي ترجع لعائلة واحدة. واستغرب من الهالة الإعلامية التي واكبت أنفلونزا الخنازير.. وقال: إن الأنفلونزا الموسمية قد تكون أزعج وأخطر منها بكثير.. الجامعات تخاف المبالغة في الاهتمام الإعلامي والتوعية بمرض أنفلونزا الخنازير أثرت بشكل سلبي على سير العملية التعليمية والتحصيل الدراسي لدى الطلاب سواء في المدارس أو الجامعات أو المعاهد, إضافة إلى الخوف والذعر وعدم حضور بعض الطلاب. وتقول هند أحمد كلية تجارة إن المبالغة في الاهتمام الإعلامي بمرض أنفلونزا الخنازير كان له تأثير حتى على ذهنية الطالب الجامعي ويمكن لمن يدخل حرم جامعة صنعاء أو قاعات محاضراتها أن يلمس ذلك. من يتوفاهم الله نتيجة حوادث السيارات في يوم واحد يعادل عدد وفيات أنفلونزا الخنازير في 3 - 4 أشهر, وهو ماقد يضع علامات استفهام حول ماذا كان هناك من مستفيد إلى جانب أولئك الطلبة الذين يتسربون من مدارسهم ,من بث الرعب حول خطورة وانتشار أنفلونزا الخنازير.