يجزم المختصون أن تحسين المستوى المعيشي لغالبية الشرائح المجتمعية الفقيرة في بلادنا لن يتم دون المرور عبر بوابة اسمها "المشاريع الصغيرة". ويؤكدون أن تلك البوابة لن تفتح بالطبع، دون وجود مؤسسات تمويلية لهذه المشاريع. ولأهمية هذا الأمر وأهمية التعرف إلى بعض تجاربه الناجحة، كانت "رأي" عصر الاثنين الماضي في مكتب المدير التنفيذي للمؤسسة الوطنية للتمويل الأصغر بصنعاء، أحمد الزمزمي. كان المدير التنفيذي للمؤسسة الوطنية للتمويل الأصغر أحمد الزمزمي يبدو مبتهجاً وهو يفتتح حديثه إلى "المحرر" عن الحال الذي وصلت إليه مؤسسته التي تعمل في مجال يعول عليه المهتمون الكثير، لتغير مسار حدة الفقر الذي يتزايد في بلادنا باستمرار. يقول الزمزمي: نعتز جداً، بتجربتنا الرائدة في مجال تمويل وقرض الأسر والشرائح الفقيرة للاعتماد على نفسها كيما تحسن من معيشتها وتتغلب على ظروف حياتها القاسية. ويضيف بملامح رضى ترتسم على محياه: وما حققناه من أهداف ونجاحات منذ بداية عمل المؤسسة في العام 2003م"، يكاد يكون معروفاً للجميع". غير أن الرجل يستدرك ليقول: رغم كل ذلك بالطبع، لن تتوقف المؤسسة عن تقديم المزيد من الأنشطة والخدمات التمويلية وخدمات الإقراض بطرق وأساليب عديدة، للمحتاجين من الأسر في مختلف محافظات البلاد. وإذ يصف الزمزمي نجاح المؤسسة منذ نشوئها بأنه "لا بأس به" في ظل المعوقات العديدة التي تعترض مثل تلك المشاريع. يعتقد أن حصول المؤسسة مؤخراً على شهادة من منظمة دولية مهتمة دليل كاف على نجاح المؤسسة بعد إطلاع المنظمة الدولية المراقبة على أدائها وأنشطتها ورصيد نجاحاتها. وإذ تعد المؤسسة عضواً في شبكة التمويل الأصغر في البلدان العربية، وعضواً في سوق تبادل معلومات التمويل الأصغر (the mix market)، وبالتالي لم يكن مستغرباً أن تحصل على عدة جوائز وشهادات من منظمات خارجية منها: جائزة الريادة الإقليمية لصغار المستثمرين عام 2008م. المؤسسة التي تعد حسب الزمزي أول مؤسسة مهتمة بالتمويل الأصغر في بلادنا، تهدف منذ تأسيسها في 2003م، إلى مساعدة أصحاب المشاريع الصغرى لغرض تمكينهم من مصادر للتوظيف الذاتي وتشجيعهم على الادخار وإقامة أنشطة مدرة للدخل وتنمية التكافل بين أفراد المجتمع. وفي أحدث إحصائية للمؤسسة فقد وصل عدد المقترضين النشطين حتى الشهر الماضي إلى حوالي 12 ألف مقترض. في حين وصل عدد المدخرين "بعد أن توسع عمل المؤسسة ليقدم خدمة الادخار بطريقة أسهل وبمزايا أكبر للمدخرين من طريقة البنوك أو غيرها" حسب الزمزمي. ويعد الادخار ضماناً جزئياً للقرض، حيث يقوم العضو بإيداع مبلغ بسيط من المال شهرياً أو أسبوعياً، وتعود المدخرات للعميل عند الانتهاء من سداد القرض. ويصل إجمالي المدخرات حتى الشهر الفائت، حوالي 57 مليون ريال. وكشف الزمزمي، عن آخر نشاط قامت به المؤسسة وكان صباح الاثنين الماضي يوم الزيارة- وتمحور حول اتفاقية مع الهيئة العامة للبريد تقضي بأن يكون البريد على اعتبار فروعه الكبيرة المنتشرة في مختلف محافظات البلاد، أحد مكاتب التحصيل والسداد للعملاء المقترضين من المؤسسة. فكرة التأسيس لقد كانت الحاجة ملحة لأن نعود مع الزمزمي إلى المربع الأول؛ فكرة إنشاء المؤسسة ومدى مراعاة ذلك التأسيس للأدوار الوطنية التنموية المفترضة على الجميع. يقول الزمزمي: إيماناً بأهمية تضافر الجهود الوطنية لمحاربة الفقر والبطالة وتشجيع العمل الحر، جاءت فكرة التأسيس والنشاط. ويؤكد أن مؤسسته مفتوحة للجميع دون استثناء. وبلهجة تفاؤلية يتابع الحديث: كانت ولا تزال المؤسسة سنداً للذين يملكون أفكار مشاريع جديدة ويرغبون في تنفيذها، ولديهم سعي جاد لذلك إلى جانب أنهم متحمسون وقادرون على إدارة مشاريعهم الخاصة وخلق فرص عمل لهم ولغيرهم، وعملت وستظل على تحقيق أحلام العديد من الناس الذين يبحثون عن عيش كريم من خلال دعم وتمويل مشاريعهم الخاصة وتعزيز فرص دخل مستدام ومتطور. ويؤكد المدير التنفيذي للمؤسسة الوطنية للتمويل الأصغر: إن تحسين المستوى المعيشي لأصحاب الدخل المحدود وخاصة النساء، هي الرسالة الأساسية للمؤسسة. مبيناً أن ذلك يكون من خلال تقديم خدمات مالية متنوعة وفعالة ومستدامة تلبي احتياجات العملاء في المناطق الريفية والحضرية في اليمن. لأحمد الزمزمي وجهة نظر في التركيز على مسألة دعم النساء. يقول: نحن عملنا في المؤسسة على تجربة منظمة (أساش) في بنجلادش. ويرى أن النساء هن أكثر استفادة من الرجال فيما يخص الانتفاع بالقروض والأموال التي يقترضنها من المؤسسة بالإضافة إلى نجاحهن أيضاً في مشاريعهن الخاصة، وكذا الالتزام بالسداد في الفترات المحددة، والاقتراض لمرة أخرى إذا تطلب الأمر. ولا يخفي الزمزمي حقيقة أن للمؤسسة تجارب سابقة غير ايجابية مع بعض الذكور فيما يتعلق بإقراضهم والاستفادة من تلك القروض أو تسديدها في أوانها. وبالتالي كان لزاماً التركيز على الجانب النسوي في عملية الإقراض وبالأخص فيما يتعلق بالقرض عن طريق المجموعات، وهنا كان التعامل مع الذكور في نظام المجموعات فيه نوعاً من الصعوبة. ويتابع الرجل في الاتجاه ذاته "حتى الموظفين الذين يزيد عددهم عن مائة موظف لدى كل فروعنا الإحدى عشرة المنتشرة في عدد من محافظات البلاد في الحضر والريف، غالبيتهم من الإناث. ولا يوجد بعض العاملين الذكور إلا هنا؛ في الإدارة العامة. وأكد أحمد الزمزي أن المؤسسة موزعة من المبالغ المالية حتى اللحظة ما يزيد عن 2 مليار، وأن المحصلة منها حوالي مليار وسبعمائة مليون. مشيراً في الوقت ذاته إلى أن نسبة السداد تزيد عن 89 بالمئة. في الوقت ذاته، ذكر الزمزمي أن المحفظة؛ المبالغ التي لم تزل في الميدان الآن للاستفادة منها من قبل العملاء تقدر ما يزيد عن ثلاثمائة مليون ريال. وأوضح المدير التنفيذي للمؤسسة ل"رأي": أن المؤسسة قدمت ما يزيد عن 60 ألف قرض للعملاء من الفئات الفقيرة للاستفادة في إنشاء مشاريعهم الصغيرة. وعن منهجية عمل المؤسسة يقول الزمزمي: تقدم المجموعة خدماتها بنظام المجموعات والمراكز حيث تنتظم النساء في مجموعات تتراوح بين 5- 25 بالنسبة للمجموعة، والمراكز من 25- 40 عضواً يعقدن اجتماعات أسبوعية أو شهرية تتم في مواعيد وأماكن محددة. ويتابع: وخلال الاجتماعات تدفع كل عضوة في المجموعة مبالغ الادخار الإجباري (50) ريالاً أو أعلى منه طوعياً، وتقوم بسداد أقساط القروض المستحقة ومناقشة طلبات القروض المقدمة من أعضاء المجموعة، وكل ذلك يتم بحضور مسئولة الفرع. وتقدم المؤسسة الوطنية للتمويل الأصغر العديد من أنواع القروض التي يمكن للعميل الذي يحتاج لأن يحسن من دخله ويؤمن معيشته، ومنها: قروض المجموعات والمراكز، قروض موسمية، قروض فردية، قروض بضمان الذهب. ويؤكد أحمد الزمزمي أن المؤسسة تعتمد في تمويل نشاطها على قروض وهبات مقدمة من الصندوق الاجتماعي للتنمية، وتلك القروض بفوائد تقدر حسب قوله "من 10- 12 بالمئة في السنة". ويقول إن هناك هبات من بعض الشركاء الأجانب لكنها محدودة. وفي إشارة إلى سهولة آلية الاقتراض من المؤسسة يقول مديرها التنفيذي: ببساطة، العملاء الذين يرغبون في الاقتراض على نظام المجموعات والمراكز، يزورن أقرب فرع وسترشدهم مسئولة الإقراض في الفرع على كل شيء، وغالباً هنا ما تكون الضمانات كل فرد في المجموعة يضمن الآخر. أما فيما يخص الاقتراض الفردي أو الموسمي أو الاقتراض بضمانة ذهب فهناك سهولة أيضاً. ويستطرد الزمزمي الشروط العامة للقروض بشكل عام قائلاً: أن يكون طالب القرض عضواً في المجموعة لمدة شهر ويحصل على تزكيتها لاحقاً عند القرض، وأن يكون منتظماً في حضور اجتماعات المجموعة وسداد الادخارات. إلى جانب التزامه بفترة السداد التي تتراوح مابين (6-12) شهراً. ولا ينسى التطرق إلى مسألة الشروط في قرض الذهب، حيث يبين هنا أنه يجب أن لا يزيد حجم القرض عن ثمانين في المئة من قيمة الضمان المقدم (الذهب). الوعي متدنٍ هذه التفاصيل ربما هي من جعلتني أخوض أكثر في مسألة الوعي لدى العملاء وبرامج التوعية التي تتبعها المؤسسة لتعريف الناس البسطاء بأهمية هذه المشاريع والبرامج والاستفادة منها في حياتهم. يقول الزمزمي: نحن لدينا برامج توعوية عديدة وتتمثل أغلبها في إلقاء محاضرات ونقاشات تكون عادة في اجتماعات المجموعات قبل الاقتراض وبعد الاقتراض وكل عضو في المجموعة يوعي الآخر وهكذا. لكن لا نخفيك أن هناك صعوبة بالغة في التوعية لدينا خاصة وأننا نعمل مع شريحة أغلبها لم تتعلم وربما لا تقرأ ولا تكتب. وإذ يؤكد الزمزمي أن الأمية تعد من ضمن المعوقات التي تعتري طريق عمل التمويل الأصغر، يقول إن عدم وجود كفاءة تعمل في مجال صناعة التمويل الأصغر في عدة مناطق يمثل تحدياً كبيرا لهم وبالتالي فهم عادة ما يقومون بدورات تأهيلية لهم. إلى جانب أن هناك صعوبة من ناحية المعتقدات إذ يرى البعض أن نظامهم المالي الذي يعملون فيه نظام ربحي "ربوي". ولم ينس الإشارة إلى صعوبة التضاريس والبعد بين المناطق التي يعملون فيها خاصة وأنهم يستهدفون الأرياف والمدن معاً. ولذا فإنهم حسب الزمزمي- يحاولون التغلب على الصعوبات، وآخر محاولة هي الاتفاق على أن يكون تسديد القروض عبر مكاتب البريد، وذلك الأمر سيقلص من مشقة المسافة. وعن قصص النجاح التي تجعلهم يزيدون في تقديم خدمات التنموية ويمضون في تعزيزها، يقول الزمزمي: إن هناك عدة قصص نجاح ولولاها لما كنا توسعنا في النشاط وازددنا تطورا، فنحن مقدمون ما يفيض عن 60 ألف قرض، ولك أن تتخيل كم سيكون من ذلك العدد قصص نجاح. "مليون".. قصة نجاح وفي هذا الإطار، لمحت وأنا في مكتب أحمد الزمزمي نشرة توعوية دورية تصدر عن المؤسسة كانت على طاولته. واخترت للنشر واحدة من تلك القصص معنونة ب"قصة نجاح العميلة مليون". لم تكن الظروف العصيبة تمنع مليون من مواصلة سير حياتها والبحث عن أمل لتغيير مجرى حياتها، حيث بحثت وفكرت لوم تكل يوماً أو تمل إلى أن سمعت عن المؤسسة الوطنية للتمويل الأصغر في لحج/ الحوطة. ووصلها الخبر لكي تحقق طموحاتها ولقد جاءت مليون إلى فرع المؤسسة في الحوطة لكي تتعرف على الخدمات التي تقدمها المؤسسة فوجدت ضالتها. لقد طلبت القرض الأول واستفادت به في صناعة الخزف بجميع أنواعه وبعد انتهاء القرض الأول بدأت تتوسع في طموحاتها وقدمت القرض الثاني وقامت بتوزيع منتجاتها داخل الحوطة وضواحيها وأخذت القرض الثالث واستفادت منه حيث بدأت مشروع أخر وهو فتح توفير متواضع لتستفيد منه وقت الحاجة هي وأبنائها لفتح مشروعات صغير للأبناء وتطوير مشاريعهم. وقدمت القرض الرابع لكي تبدأ مشروع آخر في صناعة البخور والعطورات المحلية المطبوخة لكي تستفيد هي وأسرتها من القروض التي أخذتها من المؤسسة وما تزال تطمح في التوسع والدخول في مشاريع أكبر وكل هذا يعود إلى الخدمات التي وفرتها المؤسسة الوطنية للتمويل الأصغر في دعمها للعميلة مليون والعميلات الأخريات. ولم يخف الزمزمي في كلمته الأخيرة ل"رأي" عن رغبته في أن يعمل الجميع من أجل التوعية بأهمية قطاع صناعة تمويل المنشآت الصغيرة، لأنه أضحى من الواضح أن هذا القطاع لا يقل أهمية عن دعم المشاريع الكبيرة التي لها صلة مباشرة بالاقتصاد والتنمية، إلى جانب أنه يخفف من حدة البطالة والفقر ويساعد العناصر الفقيرة في أن تكون كفؤة ومنتجة. وتمنى أن لا تنشغل وسائل الإعلام عن هذه المشاريع وعن الجوانب وعن المحاولات الايجابية لخدمة عناصر فقيرة وتنميتها وتحسين معيشتها. يذكر أن المؤسسة الوطنية للتمويل الأصغر نشأت بمبادرة من مجموعة من الأفراد والمؤسسات الذين رأوا في رسالة المؤسسة مساهمة ضرورية لتحسين ظروف المعيشة للفئات الصغيرة. وقد تم إشهار المؤسسة وفقاً لقرار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل رقم (34) لسنة 2003م، وقد تولت المؤسسة إدارة مشروع التمويل الأصغر الذي أنشأه الصندوق الاجتماعي للتنمية، وتحولت جميع أنشطة المشروع في بداية 2004م.