يمثل الاقراض الأصغر إحدى استراتيجيات التدخل العديدة التي تستهدف تخفيف حدة الفقر وتوليد الدخل وتعزيز خلق فرص عمل جديدة، ونتيجة للشهرة التي يحظى بها حالياً بين الجهات المانحة فإن هناك خطراً من أن ينظر إلى الإقراض الأصغر كحل شامل يناسب جميع المشاكل، ولذا فإنه يجب تقييم الإقراض الأصغر بعناية كأحد البدائل المتوفرة عند أختيار أفضل الأدوات لحل أي مشكلة، ففي العديد من الحالات ربما تكون المدخرات وخدمات التأمين وتوفير المنح الصغيرة وتحسين البنية الأساسية وبرامج التوظيف والتدريب، والخدمات غير المالية الأخرى، أكثر فعالية لتخفيف حدة الفقر وخلق فرص عمل جديدة، كما أن الاقراض الأصغر بصفة عامة يكون ملائماً عندما يكون هناك نشاط اقتصادي قائم وتدفق نقدي كافٍ للأسرة، أما في الحالات الأخرى فربما يخلق عبئاً إضافياً. الاستدامة المالية حجر الزاوية وحول الممارسة الفعالة للجهات المانحة في مجال التمويل الأصغر، توضح التقارير أن معظم الدعم المقدم من الجهات المانحة يتجه نحو الاقتراض «التمويل الأصغر» وتحظى خدمات التوفير والتأمين أيضاً بالأهمية بالنسبة للفقراء، وبشكل عام يوافق مستوى الطلب على الخدمات المالية مستوى العرض الحالي بدرجة كبيرة.. وتعد الاستدامة المالية حجر الزاوية للتمويل الأصغر الفعال، ويقصد بالاستدامة المالية قدرة مؤسسة التمويل الأصغر على تغطية جميع تكاليفها من خلال الفائدة والرسوم الأخرى المدفوعة من قبل الزبائن، حيث يمكن لمؤسسات التمويل الأصغر التي تتمتع بالاستدامة المالية أن تصبح جزءاً من النظام المالي، وبالتالي يمكنها الاستمرار في العمل حتى بعد توقف المنح والقروض الميسرة، لأن الجهات المانحة ليس لديها الأموال الكافية لتلبية الطلب العالمي على التمويل الأصغر، وعندما تحقق مؤسسة التمويل الأصغر الاستدامة فإنه يمكنها الاعتماد على مصادر التمويل التجاري لتمويل توسعها في تقديم خدماتها للفقراء بدلاً من الاعتماد على التمويل المحدود للجهات المانحة، وقد أثبتت التجربة أن التمويل الأصغر يمكن أن يكون مستداماً حتى مع الزبائن الفقراء. استراتيجية وطنية وفي شهر أبريل من العام الجاري أقام الصندوق الاجتماعي للتنمية بصنعاء وبالتعاون مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي وبنك الإعمار الألماني «KFW» مؤتمر المائدة المستديرة لإعداد الاستراتيجية الوطنية للتمويل الأصغر ناقش فيه المشاركون من الجهات الحكومية والمنظمات الدولية عملية إعداد استراتيجية وطنية للتمويل الأصغر والتي سوف تعنى بقضية التمويل الأصغر بالخدمات المالية..إعداد هذه الاستراتيجية بحسب الأستاذ محمد صالح اللاعي رئيس وحدة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر بالصندوق الاجتماعي للتنمية يأتي بناءً على طلب الحكومة إدراكاً منها لأهمية قطاع المنشآت الصغيرة والأصغر في الاقتصاد الوطني وماتتطلبه من تمويل كافٍ لنموها واستقرارها بحدود فترات طويلة، وقد سبق للصندوق الاجتماعي للتنمية أن أعد استراتيجية وطنية لتنمية المنشآت الصغيرة والأصغر اهتمت بقضية توفير الخدمات المالية وغير المالية، وبحسب المصدر ذاته فإن الاستراتيجية الأخيرة الخاصة بالتمويل الأصغر يتم بناؤها الآن بشراكة حكومية ممثلة بوزارات التخطيط والتعاون الدولي، المالية، الصناعة، التعليم الفني، إلى جانب الصندوق الاجتماعي للتنمية، ومؤسسات وبرامج التمويل الأصغر والقطاع المصرفي اليمني بما فيه البنك المركزي اليمني، مع كافة المنظمات الدولية المعتمدة في بلادنا والمعنية بمجال المنشآت الصغيرة وغيرها وخاصة بنك الإعمار الألماني«KFW». فشل واحتمالان ويقف التمويل الأصغر الآن بحسب التقارير المعنية في مفترق طرق، حيث إن هناك سوقاً غير مستغلة تقدر بحوالي بليون نسمة من الفقراء في العالم، وقد أثبتت مؤسسات التمويل الأصغر الناجحة أن الخدمات المالية يمكن أن تكون أداة فعالة للتخفيف من حدة الفقر ومساعدة الفقراء على زيادة دخلهم وممتلكاتهم وتقليل تعرضهم للضغوط الاقتصادية، كما أن هناك توافقاً في الآراء لم يسبق له مثيل حول متطلبات جعل التمويل الأصغر مستداماً، وبرغم كل ذلك فإن التمويل الأصغر فشل في الوصول إلى نطاق واسع من الزبائن باستثناء القليل من الدول مثل بنجلاديش وبوليفيا.. وفي العقد القادم هناك احتمالان، الأول أن يحقق التمويل الأصغر ماهو متوقع منه في تحسين حياة أعداد كبيرة من الفقراء، والثاني أن يفشل في ذلك، ويتطلب نجاح الاقراض الأصغر انضباطاً من جانب الزبائن وذلك بالسداد في المواعيد المحددة، كما يتطلب انضباطاً مؤسسياً «عبر وجود ممارسات تؤدي إلى الاستدامة» من جانب برنامج الاقراض الأصغر، وينفذ الاقراض الاصغر على أفضل وجه عندما يتم تنفيذها على أنه نشاط مصرفي مهني من قبل منظمة قوية للاقراض الأصغر تكرس نفسها لتحقيق الاكتفاء الذاتي التشغيلي، ولتحويل منظمة غير مالية إلى مؤسسة تمويل أصغر مستدامة فإن ذلك يتطلب قدراً كبيراً من المساعدات الفنية والتنمية المؤسسية، ولابد هنا من متابعة التقدم المحرز في الأداء باستخدام مؤشرات مالية محددة بوضوح. دراسة إحصائية وقد قامت المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء «CGAP» التي يبلغ عدد الجهات المانحة فيها تسعاً وعشرين جهة، قامت باعتماد دراسة احصائية حول تمكن الفقراء من الحصول على الخدمات المالية، وكيفية دعم ذلك للأهداف الإنمائية للألفية الجديدة، وأظهرت النتائج أن الحصول على الخدمات المالية يسهم في دعم قدرة الفقراء على تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة بشروطهم الخاصة وبطريقة مستدامة، فالخدمات المالية تمكن الفقراء من زيادة وتنويع دخلهم وبناء ممتلكاتهم الاجتماعية والاقتصادية وتحسين حياتهم بطرق تعكس الأوجه المتعددة الأبعاد للفقر. ولكن لماذا تفرض مؤسسات التمويل الأصغر أسعاراً مرتفعة للفائدة على الفقراء؟ وبدورها تجيب الجهات المختصة من خلال تقاريرها أن تحديد أسعار الفائدة في الاقراض الأصغر يتم بهدف تقديم خدمات مالية قابلة للتنفيذ وطويلة الأجل على نطاق واسع، ويجب على مؤسسات التمويل الأصغر أن تضع أسعار فائدة تغطي جميع التكاليف الإدارية بالإضافة إلى تكلفة رأس المال «بما في ذلك تكلفة التضخم» وخسائر القروض ومخصصاً لزيادة حقوق الملكية، وإذا لم تقم مؤسسات التمويل الأصغر بذلك فإنها ستستمر في العمل لوقت محدود فقط ولن تصل إلا إلى عدد محدود من الزبائن، وسينتج عن ذلك أيضاً أنها ستكون مدفوعة لاتباع أهداف الجهات المانحة والحكومية وليس لاحتياجات الزبائن، في حين يمكن فقط لمؤسسات التمويل الأصغر المستدامة تقديم القدرة الدائمة على الحصول على الخدمات المالية لمئات الملايين ممن يحتاجونها. إن من الممكن تبرير ارتفاع أسعار الفائدة في التمويل الأصغر، إلا أن عدم كفاءة العمليات في مؤسسات التمويل الأصغر يمكن أن يجعلها مرتفعة أكثر من اللازم، ومع نضج سوق الاقراض الأصغر في بلد مايجب أن توجه الجهات المانحة المزيد من الاهتمام إلى تخفيض التكاليف التشغيلية لضمان الول إلى أسعار فائدة فعالة ومنافسة قدر الإمكان. أسعار الفائدة مرتفعة أيضاً لماذا تكون أسعار الفائدة للاقراض الأصغر أعلى من أسعار الفائدة للبنك؟ وتجيب التقارير بأن تكاليف إدارة القرض الصغير تكون بالنسبة لحجم القرض أعلى من تكاليف إدارة قرض أكبر فإذا كانت التكلفة الفعلية لكل قرض هي 25دولاراً فإن نسبة التكلفة هي 25.0% للقرض الذي قيمته 10آلاف دولار ولكنها 25% للقرض الذي قيمته 100دولار، فبالنسبة لصاحب المشروع الأصغر تمثل تكلفة القرض نسبة صغيرة من التكاليف الكلية للمشروع إذ أن قرضاً قيمته 100دولار لمدة ثلاثة أشهر بنسبة فائدة شهرية تبلغ 6% تحتسب على الرصيد يكلف الزبون 23.12دولاراً وقد أظهرت نتائج دراسة تمت في شيلي وكولومبيا وجمهورية الدومينيكان أن سعر الفائدة الشهرية البالغة 6% شكلت أقل من 4.3% من التكلفة الكلية لصاحب مشروع أصغر تقليدي، كما أن صاحب المشروع الفقير خاصة ذلك الذي يعمل بالتجارة يستطيع توليد عائد من رأس المال الإضافي أكبر مما يمكن أن يولده مشروع برأس مال مرتفع، وقد أظهرت الدراسات التي غطت الهند وكينيا والفلبين أن متوسط العائد السنوي على الاستثمارات في المشروعات الأصغر تراوحت بين 117.847%. ختاماً توجد في بلادنا العديد من مؤسسات ومراكز وجمعيات التمويل الأصغر تهتم بتأهيل الأفراد من ذوي الأسر الفقيرة والمعدة وخاصة النساء وتمويلهن بمشاريع صغيرة تكون سبباً في توفير لقمة العيش الحلال لهن ولأسرهن، كتدريبهن على مهارات الخياطة والحياكة والأشغال اليدوية الأخرى كصناعة المنسوجات اليدوية والصناعات الفخارية والطباعة والصناعات المنزلية الخفيفة كالحلويات والمعجنات وغيرها، وفي ذلك تطبيق للمثل القائل لاتعطني سمكة، ولكن علمني كيف أصطاد.