الكتابة الفنية أسلوب بديع وذوق رفيع تختلف عن بقية الكتابات في الشكل والمضمون. إذ يتطلب من ممتهينيها أن يكونوا على قدر كبير من الرومانسية الخلاقة والذائقة الدفاقة التي تحاكي القراء بكل ألوان الطيف الكتابي، إنها هالة من الفنون، والفنون جنون كما يقولون، وعالم من المفردات الحسية والتناغمات النفسية التي قلّ أن تأتي صاحبها في الكتابات الأخرى، أو هي هستيريا وحالة مختلفة تتملك صاحبها من أعلى الرأس حتى أخمص القدم.. يتحول القلم فيها إلى نغم جميل يداعب بأسلوب أوتار القلوب وإلى ريشة رسام تتشكل ألوان حروفها كالأنسام وإلى عدسة تلتقط اللحظات من كافة الاتجاهات وإلى تاريخ تليد ينهال على الروح كما ينهال الجليد. وإلى خيال بعيد وواقع أكيد واختزال فريد يضم شتى الأهازيج والتقاليد الكتابية الفنية.. تحليق في سماء الإبداع والكلمة الرقيقة ورفرفت في فضاء العشق والوله الأصيل. إنها كتابة تملأ الوجد بكثافة أنماقها ونمنمة أنساقها وتوزيعات أنغامها وهمسة تلامس أوجاع الحيادي وتناجي قلوب العذارى ونغمة تشفق الذات وتسكن الروح وتتوسد المحيط بلون الكلمة وقوة التعبير وفن التصوير الذي يأخذك بجمالياته نحو أفق بعيد. دندنة تجري في الجسم مجرى الدم وتشغل الأفكار ليل نهار. فكرة تنهمل برهة على الأقلام ثم ما تلبث تكون في حين غرة لوعة ثكلى وحرة الكتابة الفنية شدو آخر يستحوذ الحواس ويتحكم في بروشات الذات ومانشتاته، ولولا خشيتي من اتهام قلمي بالتحيُّز إلى هذه الشريحة في الكتاب.. لقلت بأن الكتابة الفنية أشقى فنون الكتابة وأرقاها على الإطلاق باعتبار الفن يدخل ضمناً لجميع الأشياء في حياتنا إن لم يكن رونقها وأساس بهائها ومرتكز جمالياتها. به تحلو الأشياء ويغدو لها ذوقاً، ومن دونه تبلو الأشياء وتألو، وتبدو في شكلها كمعصم بلا طوق.. بل هل للجمال شوق إذا لم يضاف إليه أكسيد ألفن وتوابل التفنن بتوق. الحديث عن الكتابة الفنية يعني الحديث عن الفن والفنون، وحديث الفنون حديث ذو شجون كما تعلمون، ولا يتوقف عند نوع محدد من هذا الجنون، لهذا أجدني أتوقف عند هذا القدر، فاسحاً لغيري كي يدلو ببراعة ويتفنن بإبداعه في هذا المجال، فالكتابة الفنية كما أشرنا ذوق رفيع، وأسلوب بديع يترنم به الكتاب كلّ حسب أسلوبه وقدرته