أكاد أتفق مع الدكتور فؤاد الصلاحي في حديثه لندوة قناة الجزيرة حول "العرب.. واقع ومستقبل" عندما أكد على غياب الرؤية السياسية الواضحة عند المنظومة السياسية اليمنية (حاكم-ومعارضة). وهو الأمر الذي انعكس على الواقع السياسي اليمني، في ظل تشبث كل طرف سياسي بمواقفه المتجمدة، التي لا تنفتح على الآخر بحسن أو بسوء نية، وأمعنت النظر إلى المرآة التي تعكس فقط صورة الواقف أمامها، حسب تعبير الزعيم والمفكر السياسي عبد الرحمن الجفري.. وبالتالي جعل كل طرف يتمترس وراء نفسه، وأن حاولت بعض الأطراف حشد وتجييش أطراف سياسية لصالحها، حيث تكاد كل الأطروحات السياسية المختلفة، تتفق مع بعضها في الأصول اللازمة لإحداث إصلاح سياسي شامل يستهدف بناء دولة حديثة، تقوم على العدالة والمساواة والتنمية... وبرغم هذا الاتفاق الذي يظهر للعيان في المشاريع والبرامج الإصلاحية التي تقدمت بها الأحزاب اليمنية، سواء المؤتمر الشعبي الحاكم، أو أحزاب المشترك، أو حزب الرابطة، أو تلك المشاريع المقدمة من أشخاص ومنظمات، إلا أن فرقاء السياسة يبدو ذلك واضحاً للعيان أن لا همّ لهم سوى ممارسة هواية الكلام لمجرد الكلام، والمناكفات السياسية السخيفة. إن استمرار عدم الاعتراف بالآخر، واستمراء التلذذ بجنون العظمة والمنقذ العظيم، وادعاء الحفاظ على الوطن من مؤامرات الحاقدين من أبنائه، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى المزيد من التأزيم والاحتقانات والتشظي وتهتك النسيج الاجتماعي، وظهور ما لا يحمد عقباه من توسع دائرة الاحتراب والاقتتال والتفكك... دعونا نضع النقاط على الحروف بشكل أوضح، لنرى صورة وطبيعة الخلاف السياسي، أو الصراع القائم.. لتكتشف مشهداً مريعاً من صراع المصالح السياسية الشخصية الحزبية المناطقية، وأن ثمّة (كعكة) يراد تقسيمها، وكل يعتقد أنه هو الأحق بالجزء الأكبر منها!! ذلك أننا لو فكرنا بموضوعية وبشكل منهجي، عن: ماذا تريد الأطراف السياسية، وهي تكاد تُجْمع على البنود الرئيسية لمتطلبات الإصلاح السياسي، لوجدت أن دوافع لا يعلم كنهها إلا أصحابها تقف وراء استمرار هذا التأزيم والجدل السياسي العقيم... إن البنود الرئيسية لصياغة عقد اجتماعي جديد يؤسس لإصلاحات جذرية في شكل النظام السياسي، بين النظام الحاكم والأحزاب والمجتمع، لا تكاد تخرج وفق رؤى المنظومة السياسية والمدنية عن حكم محلي يتفق على شكله ونوعه، واعتماد نظام انتخابي مرن يعبر عن المجتمع، من خلال القائمة النسبية -يتفق على صيغتها- ووضوح شكل النظام، رئاسياً أم برلمانياً، واستقلالية القضاء والمالية والإعلام والخدمة المدنية والمؤسسات العسكرية... ثمّة تفصيلات تختلف وجهات النظر حولها، لكنها لا يمكن أن تمنع من التوافق على الأصول أو البنود الرئيسية لعملية الإصلاح الشامل، كعناوين يلتقي حولها الفرقاء السياسيون ليصلوا إلى توصيات مناسبة مثلاً لشكل وطبيعة "الحكم المحلي" الذي يُعتقد أن يكون حجر الزاوية في الاستقرار السياسي، وينطبق الأمر كذلك على نوعية نظام الحكم رئاسي أو برلماني، وشكل النظام الانتخابي الذي يرضي جميع الأطراف،.... إلخ.. المسألة ببساطة شديدة تحتاج إلى عقلاء، يضعوا حداً لمسلسل التنابز بالوطن، والتجريح بالأشخاص، والتخوين والترهيب، من أجل إنقاذ الوطن، من السقوط في الهاوية، والوصول إلى وضع أقل ما يوصف بالصوملة والأفغنة.. وهو ما أجزم بعدم الرغبة في الوصول إليه من أي الأطراف السياسية، سواءً أولئك الذين ينظر لهم باعتبارهم خارجين عن النظام والقانون في الشمال والجنوب، أو النخب السياسية التي تتمترس وراء يافطات حزبية ومدنية وعسكرية... إلخ. وفي كل الأحوال يجب أن يعترف النظام الحاكم أن الوضع ليس على ما يرام، وليس في مقدرته أن يقوم بأي خطوات إصلاحية دون الآخرين، وبالشكل الذي يريد، كما يجب أيضاً أن تعترف المعارضة والمنظمات المدنية، أنه من المستحيل إحداث أي إصلاحات دون الحزب الحاكم، وأنه لا يمكن أن تُنَفَّذ رؤية سياسية من طرف واحد فقط، وبقية الأطراف يُداس على رؤاها الإصلاحية بالأقدام... نحن شركاء في هذا الوطن، وليس من أحد وصي على الآخر، ويجب أن لا ينظر لمن يخالفنا الرأي، بمنظار الحقد والتآمر والخيانة واللاوطنية... ونتعامل بالإقصاء والتهميش والتقليل من قيمة ما يطرح من أفكار ومشاريع ورؤى؛ وذلك لكي يخرج هذا الوطن المنكوب من الوضع المأزوم إلى رحاب واسعة من المواطنة السوية القائمة على التنمية الشاملة والتوازن السياسي والاقتصادي، والحكم الرشيد..