كنا قد أجرينا حواراً صحفياً مع الأستاذ عبد الرحمن علي بن محمد الجفري رئيس حزب رابطة أبناء اليمن (رأي) حول مستجدات الساحة الوطنية، ولأن الحوار كان قد أجري معه قبل أحداث اليوم قمنا بإجراء اتصال هاتفي معه وسألناه حول ماشهدته المدن اليمنية اليوم من أعمال ومسيرات احتجاجية فجاءت إجابته: لقد حذرنا مراراً من أن المواطنين سينفذ صبرهم وأن لا نجاح لأي إصلاح اقتصادي في ظل هذا الفساد المستشري وفيي ظل غياب إصلاحات شاملة وفي مقدمتها إصلاح سياسي وقضائي. إن ما حدث اليوم هو نتيجة للقهر والضنك والظلم الذي يعانيه شعبنا بينما أهل الفساد والإفساد يعيشون حياة البذخ والتباهي باستباحة الأموال والممتلكات الخاصة والعامة ويتحمل جمهور الشعب نتائج الإجراءات الاقتصادية التي تتطلبها عملية الإصلاح والتي لن تقود إلا الى مزيد من العناء والضنك طالما تجري في ظل أوضاع فاسدة كرر رئيس الجمهورية نفسه المطالبة بإنهائها دون جدوى.. إننا لا نقر أي أعمال عنف أو تخريب للمؤسسات العامة أو الخاصة ونناشد شعبنا أن لا يسمح بأن يتحول حقه المشروع في التعبير عن رفضه لهذه الأوضاع الفاسدة والمتردية ومطالبته بأن تشمل الإصلاحات كل شيء إلى أعمال شغب تسيء إلى سمو مطالبه وعدالة احتجاجه. كما أن استخدام السلطة للرصاص لقتل المتظاهرين وحتى من أحدث شغباً هو أمر مرفوض وهو يدل على مدى استرخاص البعض في السلطة لدماء المواطنين وأرواحهم ونناشد بالتوقف عن استخدام العنف فالجميع أبناء لهذا الشعب كما أؤكد أنه بدون الإصلاحات الشاملة والعميقة فإنه لا خروج من هذه الدوامة والطاحونة التي تطحن كل جميل في هذا الوطن. س: كيف استقبلتم قرار فخامة الأخ رئيس الجمهورية بعدم ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة، هل أخذتموه على محمل الجد؟! ج: لا يمكنني إلا أن أعتبر رئيس الدولة جاداً.. بل إن طريقة طرحه للمبادرة اتسمت بالتصميم والإصرار مما يوحي بأنه لم يكن قراراً انفعالياً أو تكتيكياً وإنما مدروساً بعمق. بل أعتقد أنه كان يُعمل الفكر فيه منذ فترة ليست قصيرة و يبدو أن مقولته الشهيرة في مؤتمره الصحفي ،بمناسبة افتتاحه وإدارته للمؤتمر الدولي للديمقراطية وحقوق الإنسان ومحكمة الجرائم الدولية في صنعاء العام الماضي، والتي قال فيها :(علينا أن "نحلق" لأنفسنا قبل أن "يحلق" لنا غيرنا كانتبداية المخاض للولادة الناضجة لهذا القرار المتميِّز. وقد اختار "شفرة" حلاقته الخاصة لتكون الحلاقة نظيفة وسليمة). س: هل كان ذلك مفاجأة لكم؟ ج: على الإطلاق.. والدليل أن بيان حزبنا كان البيان الحزبي الوحيد الذي صدر مباركاً ومسانداً لمبادرة الرئيس وقراره الرئاسي في نفس اليوم وبعد سويعات من إعلانها..ولا تزال في ذاكرتنا كلمته بمناسبة إعلان الوحدة في مايو2000م عندما أشار إلى "حتمية التغيير".. وقد كنا منذ التسعينات من القرن الماضي نطالب بإصلاحات شاملة ونقدم رؤى مدروسة للإصلاحات الشاملة في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية...الخ.. ونحن نمتلك رؤية تفصيلية للإصلاحات الشاملة تشمل كل قضايا الإصلاح ومؤسساته بما في ذلك المنظومة السياسية بشقيها [منظومة الحكم ومنظومة المعارضة].. لذلك فلدينا وضوح رؤية حول ما يجب أن يكون وما يمكن أن يتحقق.. وبالتالي لا تفاجئنا الأحداث ونتعامل معها من منطلق تلك الرؤية الواضحة و التوجهات المدروسة والمعلنة. س: هل كنتم تفضلون تلك المبادرة-القرار أم كان لديكم ما هو أفضل؟ ج: لم تكن خيارنا الأول أو بالأصح أفضليتنا الأولى –فالخيار خياره-.. وكنا نفضل لو أن الأخ الرئيس قد بدأ مبكراً قيادة مسيرة الإصلاحات الحقيقية الشاملة التي نطالب بها منذ سنوات وحدنا؛ ونحمد الله أن أصبحت في السنتين الأخيرتين شيئاً فشيئاً مطلباً للجميع.. وكررنا طرح أفضليتنا هذه، أي أن يقود الرئيس عملية الإصلاحات الشاملة الحقيقية خلال السنوات الماضية، وللأسف لم يتم ذلك.. وإن كان قد حاول وعبّر مراراً عن التوجه للإصلاحات ومحاربة الفساد...الخ.. ونجح إلى حد كبير في إشاعة مصطلحات الإصلاحات.. ولم تمكنه الظروف، وربما طبيعة تركيبة المنظومة الحاكمة، من تفعيل ما يعلنه.. لذلك يبدو أنه وجد أن الأفضلية الثانية هي الخيار المتاح والممكن ليسجل موقفاً تاريخياً يتفرد به على المستوى العربي –بعد الفريق عبد الرحمن سوار الذهب– ولكنه تفردٌ وتميّزٌ أكبر بعدد السنين التي حكم كل منهما فيها.. فتَرك الأمر للشعب ليختار قيادته للمرحلة المقبلة عبر انتخابات ،لا يكون هو مرشَّحاً ولا مُرشِّحاً فيها،.. ويأتي تعهده برعاية أو مساندة أو تسهيل الانتقال السلس للسلطة والقيادة ليضيف خطوة تاريخية أخرى.. ولا أتفق مع التشكيك في جدية في هذا الأمر. س: كيف ستتعاملون مع هذه المرحلة.. ومن البديل؟ ج: سنتعامل مع هذه المرحلة بما نملك من وضوح رؤية، وسلامة توجهات، وصدق مع شعبنا وإسهام معه في تأمين المسيرة وتحقيق الإصلاحات الشاملة التي ندعو إليها.. أما البديل.. فإن شعبنا، طوال تاريخه، ولاّد للرجال وللقيادات والكفاءات.. وفي صفوف شعبنا أكثر من بديل وبديل.. ولكن الأهم من البديل الفرد هو البديل المؤسسي، وإن كان للأفراد دور في بنائها، ولكن يجب أن تكون المرحلة القادمة ،أي مرحلة ما بعد فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، هي مرحلة بناء مؤسسات الدولة والمنظومة السياسية –سلطة ومعارضة– الفاعلة. وأن نقيم نظام الدولة ونظام الحكم البنّاء والملبي لظروف بلادنا واحتياجات شعبنا والمواكب لمعطيات العصر ومتغيراته. وعلينا أن نعمل على تقليص سلطات التفرُّد والتمحور الفئوي أو المناطقي وننمي عوامل الإبداع الفردي والجمعي. س: هل ترون أن تتفق المعارضة على مرشح واحد أو أن يرشح كل حزب من يشاء.. أو كيف تنظرون لهذا الأمر؟! ج: لدينا وضوح في الرؤية لهذا الأمر.. والقضية ،هنا، ليست مرشح للجميع أو أكثر من مرشح.. وإنما الأهم برنامج واضح لإصلاحات شاملة.. فإن تم التوافق على ذلك فيمكن التوافق على مرشح واحد.. ما لم فإن أي مجموعة من الأطراف ] أحزاباً ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات مستقلة واجتماعية وفكرية[ تتفق على برنامج مشترك ،للإصلاحات الشاملة، يمكن لها أن تحدد مرشحيها للرئاسة ولهيئات الدولة الأخرى (مجالس نواب وشورى ومحلية). س: كيف سيتم التعامل مع الحزب الحاكم – المؤتمر الشعبي العام؟ ج: بالطبع هو حزب رئيسي والأكبر عدداً.. والمرحلة القادمة مرحلة إصلاحية شاملة ستحدث تغييرات عميقة وبنّاءة وإيجابية.. والتنافس برامجي وكذا الالتقاء والتحالف برامجي.. وبالتالي من جهتنا لا نستثني أو نقصي أحداً، فرداً أو مجموعة أو حزب، عن التعاون والتحالف حول برنامج إصلاحي شامل.. والمسألة في نظرنا ليست قضية صراع بيننا وبين أحد وإنما خلاف سياسي حول ما نطرح من برامج إصلاحية شاملة.. هذا الخلاف ينتهي أو على الأقل يتضاءل كلما زادت مساحة الاتفاق حول تلك البرامج. س: ما الذي تتوقعونه من الرئيس من الآن حتى موعد الانتخابات؟ ج: لا شك أنه أكثر من يدرك أن المرحلة من الآن حتى موعد الانتخابات ،المحددة دستوريا في سبتمبر2006م، من أهم المراحل في تاريخ الوطن اليمني ومن أهم وأدق المراحل في تاريخه السياسي الحافل وأن مهاماً كبيرة ومسئولية تاريخية يتحملها الأخ الرئيس لتهيئة البلاد لهذه النقلة التاريخية المأمولة ،سواء على مستوى التعديلات الدستورية والقانونية التي تفتح الباب للأحزاب والتكتلات لاختيار مرشحيهم دون تدخل أو وصاية أوتزكية من مجلس النواب أو على مستوى تصحيح القوائم الانتخابية واستقلالية الإعلام والخدمة المدنية و حيادية القوات المسلحة وأجهزة الأمن و تمكين المغتربين من حقهم الدستوري في المشاركة في الانتخابات والإدارة النزيهة والمشتركة لكافة مراحل العملية الانتخابية وإجراءاتها..وغير ذلك مما تستلزمه العملية الانتخابية النزيهة وتتطلبه أهمية سلاسة وسلامة هذا العمل التاريخي الكبير. ولاشك أن جميع القوى تتحمل مسئولية التعاون الكامل مع الأخ الرئيس في كل ما يتطلبه هذا الانجاز التاريخي وتضع نفسها في تصرفه في كل ما من شأنه رفعة وسلامة الوطن اليمني، أرضاً وإنسانا. ويمكن في هذا السياق أن يدرس فخامة الرئيس إمكانية وأهمية تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسته ،للفترة المتبقية والمنتهية بالانتخابات الرئاسية في سبتمبر 2006م، تتولى التهيئة ،المشار إليها آنفاً، لهذه النقلة التاريخية وتقوم بمهمة الإعداد لانتخابات الرئاسة والمجالس المحلية التي يُفترض أن تتم في نفس العام. س: بدأت بعض الأصوات تطالب الرئيس بالتراجع عن قراره..فما هي المنطلقات التي تعتقد أنها تنطلق منها؟ وهل تعتقد أن الرئيس سيستجيب لهذه الأصوات؟ ج: لا أستطيع أن أقرأ النوايا الذاتية لكل من يطلق أصوات المطالبة بالتراجع فكل له منطلقاته التي تُشكل قناعاته ومواقفه ونحن نؤمن بحرية كل إنسان في اتخاذ المواقف التي يرى أنها تعبر عن مراده طالما اتبع في ذلك الوسائل السلمية، يداً ولساناً. وكما أننا نتمسك بحقنا في اتخاذ المواقف -التي تعكس رؤانا وتوجهاتنا- والتعبير عنها فإننا لا يمكن إلا أن نحترم حق الآخرين. أشك كثيراً أن يتراجع الأخ الرئيس عن قراره بل أكاد أن أكون متيقناً من أنه قرار نهائي ومدروس لأن أي تراجع أو التفاف حول قرار تاريخي بهذه الأهمية لا يمكن أن يقدم عليه لأنه أكثر الناس إدراكاً للآثار السلبية على اسمه وتاريخه التي ستترتب على ذلك. س: هل لك كلمة أخيرة؟ ج: أقول ما جاء في بيان اللجنة التنفيذية لحزبنا والصادر في صنعاء بعد سويعات من القرار الرئاسي:-"إننا نعتبر ،بصدق، أن سلامة وجدية وسلاسة الانتقال إلى مرحلة التداول السلمي للسلطة ستكون الشاهد الحاضر على نجاح عهد الرئيس في بناء تماسك وطني واجتماعي وختامه بالتأسيس لصرح ديمقراطي يضع الوطن اليمني في المكانة الحضارية اللائقة للوفاء باستحقاقات الدور الذي يجب أن يتولاه اليمن على الصعيدين الإقليمي والدولي". كما أحيي الأخ الرئيس على شجاعته وإيثاره.. وأحمد الله الذي وفقه لذلك.. فكنا دائماً دعاة إلى أن نكف عن التبادل بين القصر والقبر.. وأن تكون مسيرة بلادنا وحكامها من القصر إلى الصدر من الوطن وإلى الصدارة في صفحات التاريخ المضيئة.