يرحل عام ويحل آخر والجمود سيد المكان والزمان في بلادنا.. لن نعود بالزمن إلى البُعد المأوي (القرون) التي خلت ولن نتوقف عند محطات التغيير الإجبارية التي غيرت خارطة اليمن السياسية والاجتماعية والثقافية.. فتلك حقائق وثقها التاريخ واختط وقائعها اليمانيون بقوافل الشهداء وقرابين التضحيات الجسيمة، وبينما كانت الطموحات تقود اليمن إلى مستقبل أفضل في الرحلة فجأة وجد اليمانيون أنفسهم عالقين عند محطة المجد الأخيرة والفاصلة للتغيير في22مايو1990م، وكأن الحاكم وفئة النخبة افتقدوا للإحساس بالزمن واعتقدوا بأنهم قد أوصلوا اليمن إلى قمة المجد الحضاري مستبقين حتى عقارب الزمن، ليتمهلوا ويسترخوا في ساحة الوحدة يُفصلون حدودها على حد المغنم والمغرم ويستأثرون بنعيم ثرواتها ويرسمون الخارطة الوجودية للجمهورية اليمنية بألوان الجمود والإقصاء والتهميش والتعالي في مرسم التفردية و الأوحدية التي تحكمه معايير التمجيد للمنتصر الأوحد وتغييب كامل للأرض والإنسان ومعالم ثقافة الدونية للمهزوم، لتدخل اليمن دائرة الصراعات اللانهائية على كرسي السلطة الخالية تماماً من حسابات الأيام وتنمية الأوطان وبناء الإنسان، دائرة موصدة أمام أي إشارة قادمة للمستقبل، وغارقة بلعنات المصالح الآنية المرتبطة بقنوات الإنشداد للماضي والمتخمة بملفات الفيد والمغارم، يخوض فيها اللاعبون جولات التصفية فوق مضمار الحاضر العبثي الممتد على حواف الدائرة، لتدخل اليمن حلقة الصراعات المفرغة والتي لا تنتهي حساباتها الأليمة. منذ ما يقارب العقدين وقف اليمنيون على عتبة22مايو1990م ينشدون قدوم المستقبل الموعود بعد أن علقت خطواتهم بعبثية إدارة الحاضر والعام الواقع وفقاعات الديمقراطية والحكم المحلي وسلطة الشعب ودولة النظام والقانون والتداول السلمي للسلطة وحرية الرأي والرأي الآخر المحشورة في ثنايا الشمولية والديكتاتورية والاستئثار بالسلطة وصانعي لعبة التوازنات كممر وحيد لإدارة الصراع على السلطة وخلق الأزمات والفواجع، ليتلحف بعدها اليمنيون لحفاف الظلام والجمود وتتوقف نبضات الزمن وترتحل الأعوام بشهورها وأيامها بعيداً عن الرقعة الكونية القابعة فيها الدولة اليمنية التي تاهت في الثقب الأرضي الأسود لما يقارب العشرين عاماً لتحتضن ملف الجمود وصفحات حسابه الثقيل وعناوين الصراعات والأزمات والانهيارات والجروح النازفة التي وطدت عوامل رحلة التيه اللازمانية لليمن...