اكذب واكذب واستمر بالكذب حتى تصدق نفسك الكذبة.. تظل هذا القاعدة الوتر الوحيد الذي يعزف عليه أولي الأمر والنهي في هذه البلاد حتى غرقت في أوحال مستنقع الكذب الطافح على ترابها الطاهر.. لا يوجد في اليمن مظالم ولا فساد ولا تذمر شعبي ولا بطالة ولا تفرد في الحكم... هذه المصطلحات لا تخلو من أي تصريح أو خطاب لا صغر وأكبر مسئول فكلما يقال بأن هناك سؤ إدارة أو تنامي ظاهرة للفساد هنا أو هناك تنبري الألسن الرسمية وطبولها الإعلامية بتوجيه سكاكينها ضد من تجرأ وتحدث بهذا القول نافية كل هذه الاتهامات جملة وتفصيلا ولا يخلو خطابها من المن على الشعب بتمجيد المنجزات العظيمة للمؤسسات والسلطات التي تكافح الفساد أفلا يكفي ذلك الحرص الكبير التي تبديه حكومة البلاد وقيادتها في هذا المجال، فمن نيابات الأموال العامة إلى الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة انتهاءً بالهيئة العليا لمكافحة الفساد كل هذه المرافق وكادرها الوظيفي الذي يُعد بالمئات بل قد تصل إلى الآلاف ومئات المليارات من الريالات التي تخرج من خزائن الدولة لتسيير هذه الأجهزة... وبعد هذا كله يأتي طائش ويقول أن البلاد غارقة في الفساد وأن هناك سؤ إدارة وعبث بالمال العام ونهب الموارد!! هذه إحدى الاسطوانات المغموسة كلماتها بأبرع كلمات التزييف والكذب تصدح بألحانها ذات الإيقاع التصادمي والمستفز ولكل قضية ولكل مشكلة اسطوانتها الخاصة وإن كانت تختلف بالكلمات لكنها تتفق بالإيقاع.. إن المتابع للأجهزة الرسمية لمكافحة الفساد سواء القديم منها أو الحديث لن يجد في سجل الواقع أن تم وقدمت فاسد للمحاكمة أو ألقت القبض على مختلس وهابر للمال العام أو حتى مرتشي صغير صغير جداً، وهو ما يجعل المتابعون والمراقبون يقفون بحيرة أمام هذه الظاهرة وتبرز أمامهم نتيجتين لا ثالث لهما الأولى أن90% من الشعب اليمني الذي يشتكي من الفساد كاذبون والحكومة صادقة في قولها المخالف.. أو أن ال90% الذين لا يهتمون بهذه القضية هم الفاسدون والمسيطرون على إدارة المرافق المكافحة للفساد والموظفون لا حول لهم ولا قوة وما وجودهم إلا غطاء قانونياً لقاعدة الكذب.ويبقى بعد ذلك الفساد مسئولية جماعية (الشعب والفاسدين). وعلى الجانب الآخر من معترك إدارة البلاد ولكن بشقة السياسي فلا يخفي على أحد تبجح الحكومة والمسئولين اليمنيين بالنظام الديمقراطي ودولة القانون والمؤسسات والتداول السلمي للسلطة واحترام حقوق الإنسان وحرية التعبير والرأي والرأي الأخر واستمرارهم بالعزف على هذه الاسطوانة لما يقارب ال20عاماً لم يطرأ عليها أي تغيير لا بالكلمات أو باللحن ولا حتى بالمغنيين والمنشدين، والمفارقة بأن الدستور والقانون والنظام الديمقراطي تقلصت مساحتهم حتى أصبحوا مجرد كلمات أتهامية في أوراق التصريحات يغنيها جوقة الحكم منذ أول يوم لإعلان النظام الديمقراطي وحتى اليوم وإلى الأبد ولا تغيير حدث لهذه الجوقة ولا أنهكها التعب أو الوهن ولا تغيرت برامجها وحكوماتها ومؤسساتها وقياداتها في وقت ترفض كلمات الدستور التي يقرأونها على الشعب، فحكومة الأغلبية للحزب الحاكم محل ترحيب الشعب حتى لو كانت أول كلمة وأخر كلمة في برنامجها مكافحة الفقر الذي توسعت فجوته خلال ال20عاماً إلى أن سقط أكثر من50% تحت خط الفقر فهذا دليل حيوي على شعبية وحضور الحكومة التي خول لها الشعب البقاء الطويل والموجع عبر صناديق الاقتراع وليس هناك من خوف على القانون والسلطة التشريعية طالما وأن شبهات الفساد تطال رؤوسها ولا يؤثر على مصداقية النظام الديمقراطي إذا تداول ممثلي الشعب بأن شبهات الفساد والنهب للأراضي والقيل والقال تحوم فوق الهرم الأعلى في مجلس الشعب وليس هناك من مبرر لاتهام السلطة القضائية لطالما وأن المحاكم تزخر بمحاكمات أعداء الشعب من صحافيين وسياسيين ورجال قانون.. إن استمرار الغناء على قاعدة الكذب في دهاليز القرار والسلطات أفقد مسئولينا حاسة التصديق بأنها كذبة حتى باتوا مؤمنين بصدقها، ألم نقل بأنها قاعدة اكذب واكذب واكذب حتى تصدق نفسك الكذبة..