قبل عدة أعوام تقرر أن يكون للمدن الرئيسة اليمنية مدفع رمضاني لكي يضبط الوقت وهو ما جعل رمضان في اليمن يشبه أساطير وحكايات ألف ليلة وليلة فرمضان له من الجمالية التي لايمكن وصفها .. مع أن أمي " حفظها الله" جالت بالمنزل وهي تحمل بيدها المبخرة تبخر كل زاوية من زوايا البيت كما هي عادة أهل "مدينة ذمار", عند استقبال رمضان إلا أني لم انتبه إلا عندما سألت والدي" لماذا تبخر أمي البيت"؟ رد أبي وهو يحاول أن يخفي استغرابه " غداً رمضان".خاصة بعد أن تضاربت الإنباء حول تحديد أول أيام الشهر الكريم, في وقت كانت أزمة اختفاء الغاز المنزلي وكذالك الانطفاء المتكررة للكهرباء خاصة وقت الإفطار أهم مميزاته, وهما مشكلتان باتتا تؤرقان الأسرة اليمنية مع قدوم هذا الشهر الكريم . في كل ليلة من رمضان وبعد صلاة العشاء تتعالى أصوات المآذن صادحة بذكر الله من خلال أداء صلاة "التراويح" التي تستمر أحيانا إلى أوقات متأخرة من الليل.. وبعد صلاة التراويح تبدأ ساعات الراحة التي تمتد إلى ساعات الصباح الأولى.. ساعات ممتعة تتخللها الأحاديث المتداخلة بين هذا الموضوع وذاك أو سرد أحداث حدثت في الماضي بنوع من البسمة بما يرسم على الجلسة شيء من السحر خاصة أذا كان الحديث عن ذكريات جميلة لسنوات الطفولة وطيش الشباب. لرمضان في ذمار"مدينتي" نكهة خاصة أو كما يقول صديقي "عادل"الذي ينتمي إلى محافظة تعز " : ذمار اشعر فيها في هذا الشهر إني اقضي أياما في عصور ليست في التاريخ , ذمار حالة فريدة. التلاحم الأسري في الشهر الكريم يكون في أشده وفي أقوى وثاقه ففيه, التبادل الدافئ للزيارات العائلية والاجتماعية بين أفراد المجتمع، الأسر والجيران تتبادل الزيارات فيما بينها وتبعد بهذه الزيارات كل الغيوم التي لبدت سماء العلاقات الاجتماعية. كما هو حال اغلب مدن اليمن, فالحياة اليومية للناس تبدأ في منتصف النهار وتنتهي عند الفجر فذمار حالها لايختلف عن بقية هذه المدن سوى اختلاف بسيط هو أنها ليست كلها تنام صباحاً ففي أجزاء من هذه المدينة مثل "سوق الربوع وحي الجمارك وسوق المواشي" وغيرها.. الحياة فيها لاختلف كثيراً عن أيام الفطر العادية.حالة من التصوف هي المسيطرة, فبين زيارة القبور والمكوث لساعات طويلة لقراءة القران في المساجد ، وبين السواك والمسبحة التي أحيانا كثيرة لاتفارق أيادي وأفواه الناس هنا في ذمار, بين هذا وذاك شيء يدعوك نحو النظر وبعمق إلى الروحانية التي صنعها رمضان في نفوس الناس. حتى أصحاب الدراجات النارية ووسائل المواصلات بمختلف أنواعها وأحجامها يصدح من مسجلاتها : أما صوت شيخ يرتل القرآن أو شيخ واعظ.. حتى المساجد التي اشتكت من قلة المصلين فيها، اليوم تشهد تزايدا غير عادي, فقط لا يلاحظ ألا عند قدوم الشهر الكريم. يقول فيصل صريم في حديث مقتضب ل(راي): رمضان لا أعرف ماذا أقول عنه ! لكنه شهر اقل ما يمكن وصفه بأنه جميل على الرغم من كونه شهر الصبر والتحمل وأيضا شهر العمل, شهر البركة والخير والرحمة بين الناس.وأضاف المدرب في التنمية البشرية : لذلك تجد كل الناس تحزن لانتهائه، رمضان يعلم الإنسان دروساً في تهذيب النفس وتمرينها على حب الخير والمواظبة عليه.بينما يعتبر علي محمد صبر- صاحب محل خضروات"رمضان"شهر الخير"وقال: دخلي تحسن من خلال تزايد الطلب على الخضروات فعملي يستمر من الصباح الباكر إلى أوقات متأخرة من الليل و الكل يريد أن يشتري !!..إما صاحب "متجر صغير" الذي أمام منزلنا فقد علق بعبارة واحدة عندما استفسرت منه عن رمضان: هذا الشهر تكون الأعصاب مشدودة إلى أخرها فأي شيء يمكن أن يشدها ويحدث مالا يحمد عقباه" .مشيرا إلى أن "الجلسات العائلية أو الأسرية تكون لياليها لا يمكن نسيانها ". رمضان بكل ما فيه مغفرة وعتق من النار.. رمضان .. ذمار .. فيها شياً من الترابط الروحي والمعنوي.. قد أبالغ بحكم أني من "ذمار". لكني لا أبالغ عندما اصف شيء هو فيها .. فذمار تحمل من صفات الجمال والروعة الكثير .. (أن كنت لم تزر ذمار فقد فقدت احد عناصر الجمال، وخسرت رائعة من روائع الرومانسية).هذه من مقاله مدرس سوري " معلمي في المرحلة الثانوية " قبل إن يغادر اليمن عندما وجدته بمكتب التربية والتعليم قبل أيام كثيرة. المائدة الذمارية في رمضان : وما يميز هذا الشهر في اليمن مأكولات منها " المحلبية والرواني والسنبوسة" هذا ما لخصته من حديث شقيقتي ذات ألثمان سنوات عند حديثها عن رمضان " فرمضان له أكلات يمنية كثيرة, ف" السنبوسة"- التي تتم صناعتها بحشو العجين المخصص لها باللحم المفرم او الجبن وعملها بشكل مثلث وقليها بالزيت - تأتي بقدوم رمضان وتختفي بانتهائه أكثرها شعبية ، وكما هو الحال في " السنبوسة" الحال مشابه في أكلة الرواني والمحلبية وغيرها الكثير. و تتفنن ربات البيوت في صنع أنواعاً مختلفة من الأكلات الشعبية،ويعد (الشفوت) الذي عادة ما تكون أول ما يتناوله الناس أيام الصوم، ثم يأتي الهريش أو العصيد ، ومن الأكلات المميزة في وجبة"العشاء الرمضاني" نجد (السوسي), الذي يقدم في بعض الأيام وخاصة المناسبات، إضافة إلى ذلك نجد أكلة (المعصوبة) و(بنت الصحن) من الأكلات المميزة والمحببة في اليمن, والشوربة واللحوح بالبيض إلى جانب حلويات الخاجلة والبقلاوة التي تشتهر بها المدينة . بالإضافة إلى السلتة الشعبية بمذاقها الخاص وهي من الوجبات اليومية في الفطر والصوم، وهي آخر ما يقدم . ولا بد أن يتخلل الوجبة السلطات والمقبلات، واللحوم. وفي الوجبات الأخرى "ايام الفطر" تقدم عدد من المأكولات الشهية، مثل الملوح، والجحين، والشتيحة، والمطيط، والزلابيه، الذمول، واللحوح، والسبايا، والكبان. ويأتي الرواني في رأس قائمة الحلويات التي تقدم في المائدة الذمارية، ومن المشروبات الشعبية نجد : الحُمر، والقديد ، والشعير,والليمون,والقهوه والبن اليمني .