أبرزت التغيرات الدولية المتسارعة التي شهدها العالم منذ عقد التسعينيات من القرن الماضي وتداخل مشكلات التنمية الاجتماعية والاقتصادية الحاجة الماسة الى إشراك كافة قطاعات المجتمع لتساهم في العمل الانمائي ،وظهر ما يسمى بالقطاع الثالث الذي يتوسط القطاعين العام والخاص وهو منظمات المجتمع المدني الذي اصبحت تلعب دورا اساسيا في التنمية المستدامة كشريك فاعل مع الجهود الرسمية. وعلى الرغم من علاقة الشد والجذب التي حكمت العلاقة بين المنظمات غير الحكومية والسلطات الا انها استطاعت ارتياد مجالات وانشطة عديدة الى جانب انشطتها التقليدية وعززت موقعها في البناء التنموي. * (المجتمع المدني في اليمن) شهدت اليمن بعد قيام الوحدة تناميا ملحوظا في عدد المنظمات غير الحكومية وتطورت نظرة الدولة للعمل الاهلي ودور منظمات المجتمع المدني لانتهاج الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية ، واتخذت اجراءات واسعة لتأمين مشاركة هذه المنظمات بفعالية مع الجهود الرسمية في عملية البناء والتنمية ،حيث اجريت تعديلات كاملة للقوانين المنظمة لعمل هذا القطاع ، وإصدارت قوانين وتشريعات جديدة تغلبت على القيود والعوائق التي تكبل عملها وهي.. القانون رقم (1) لعام2001م بشأن الجمعيات والمؤسسات الاهلية ولائحته التفيذية رقم (129) لسنة2004م والقانون رقم (39) لعام 1998م بشأن الجمعيات والاتحادات الاهلية. وحول تجربة اليمن في مجال عمل منظمات المجتمع اليمني.. يرى الاخ علي صالح عبد الله وكيل وزارة الشئون الاجتماعية والعمل لقطاع التنمية الاجتماعية ان اهم ما يميز تجربة اليمن في هذا المجال هو التطور الكمي والنوعي لبنية العمل الاهلي بمختلف تكويناته وتنوع مجالاته والذي فاق كل تصور- حسب تعبيره-.. مشيرا الى ان عدد المنظمات غير الحكومية وصل الى خمسة الآف جمعية ومؤسسة اهلية حتى نهاية العام الماضي منها 50 بالمائة جمعيات ومؤسسات خيرية مقارنة ب 786ر2 جمعية ومؤسسة عام 2000م. هذا النمو في عدد المنظمات غير الحكومية وأوضحه التقرير الوطني الثاني للتنمية البشرية الذي اعدته وزارة التخطيط والتعاون الدولي بالتعاون مع البرنامج الانمائي للامم المتحدة يعود الىالمناخ الديمقراطي السائد، وقد إقترن هذا النمو المتزايد بظهور هيئات ومنظمات نوعية لم تكن موجودة من قبل كالمنظمات النشطة في ميدان الدفاع عن حقوق الانسان ونشر هذه الثقافة ،ومكافحة الفقر والعنف ضد المراة وحماية المستهلك وغيرها من المجالات . وتعول الحكومة على دور مؤسسات المجتمع المدني في احداث التنمية المنشودة، ويبرز ذلك من خلال افراد التقرير الوطني الثاني للتنمية البشرية الصادر نهاية عام 2003م حيزا كبيرا لها وتخصيص خمسة فصول من اجمالي ستة فصول للحديث عنها، وكذا تركيز البيان الختامي للمؤتمر العام السابع للمؤتمر الشعبي العام على دورها وتاكيده على الالتزام بازالة كافة العقبات التي تحد من دور منظمات المجتمع المدني في المشاركة في رسم السياسات والخطط والبرامج التنموية والديمقراطية . ويرى مراقبون ان ذلك يعكس حجم الرهانات المعقودة على دور هذا القطاع الجديد، لتراجع الدور التدخلي للدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية منذ تطبيق برامج الاصلاح المالية والادارية والاقتصادية ورهانها على قيام المجتمع المدني بسد هذا الفراغ . * (اداء المجتمع المدني بين التقليدية والمامول ) وحول مستوى أداء منظمات المجتمع المدني يعتبر نائب السفير الامريكي بصنعاء نبيل خوري ان مستوى أداء هذه المنظمات في اليمن رغم انه في مرحلته الاولى - حسب وصفه- الا انه ممتاز ..ويقول "المهم ان الجو متاح لها للعمل ،لكن يجب ان تصبح مهنية واكثر حرفية ويجب بناء قدراتها اكثر من خلال برامج التدريب". ويقول الاخ علي صالح عبد الله وكيل وزارة الشئون الاجتماعية والعمل لقطاع التنمية الاجتماعية ان الدولة تقدم كل اشكال المساندة لهذا القطاع وتعتبره شريكا مهما مع الجهود الرسمية في عملية البناء والتنمية وهو ما ادى الى اتساع دوره ومكانته في المجتمع والى بروز الكثير من الظواهر الايجابية في انشطته ومساهماته المجتمعية . بينما ينتقد التقرير الوطني الثاني للتنمية البشرية تكريس غالبية منظمات المجتمع المدني نشاطها في المجالات التقليدية خاصة المنظمات النسائية التي تركز عملها في ميادين الامومة والطفولة والتدريب والتعليم وبعض الحرف التقليدية كالتطريز والخياطة ،فيما يبقى اهتمام غالبية المنظمات بالجانب الثقافي والدراسات محدود للغاية ،علاوة على انها تتركز في المدن ويندر تواجدها في الارياف والقرى التي تتركز فيها الكثافة السكانية ، الامر الذي ينجم عنه اختلال بين في فاعلية توزيع منافع هذه الهيئات نظرا لان الفقر وتدني مستوى التعليم ومحدودية انتشار الثقافة ظواهر تعاني منها القرى والارياف اكثر من المدن ، وهذا ما جعل تاثير هذه الهيئات محدودا داخل المجتمع التقليدي. ويعزو رؤساء عدد من منظمات المجتمع المدني هذا التركز في المدن الى محدودية الموارد ونقص التمويل اللازم للتوسع في انشطتهم، ويشيرون الى انه رغم ذلك فهم يحاولون الوصول الى هذه المجتمعات باكبر قدر ممكن. * (التمويل وعلاقة الدولة بمنظمات المجتمع المدني) التمويل الخارجي ظل دائما الاشكالية الجادة في علاقة الدولة بهذه المنظمات ، لكن المشرع اليمني نجح من خلال المواد 23 و 39 بالقانون رقم(1) لعام 2001 بشأن الجمعيات والمؤسسات الاهلية في الوصول الى صياغات مرنة ومتوازنة . حيث اعترفت المادة 39 بالمساعدات والاعانات والتبرعات كاحد المصادر المالية لهذه المنظمات واجازت المادة 23 الحصول على مساعدات واموال من الخارج (بعلم وزارة الشئون الإجتماعية والعمل ) بحسب ما يقول الاخ علي صالح عبد الله وكيل الوزارة لقطاع التنمية الاجتماعية . ويضيف" لكن المشهد الراهن يشير الى عدم التزام الجمعيات والمؤسسات الاهلية بما ورد في هذا البند إذ تحصل على مساعدات ولاتقوم بابلاغ الجهات الحكومية بهذه المساعدات واوجه انفاقها" . من جانبه بين نائب السفير الامريكي بصنعاء أن الشرط الوحيد لتقديم الدعم المالي لمنظمات المجتمع المدني في اليمن هو أن يكون المشروع الذي تتقدم به مدروس دراسة جيدة وله برنامج عمل يبني قدرة الجمعية نفسها لان المهم مساعدة هذه الجمعيات على تقوية حرفيتها ومهنيتها وليست هناك اية شروط اخرى. من جانبه يؤكد رئيس مؤسسة مدى على ان اليمن تمتلك افضل القوانين في هذا الاطار ليس من ناحية حرية تكوين المنظمات غير الحكومية فقط بل الاطار الذي يربط بينها وبين الاجهزة الحكومية - حسب تعبيره- ، منوها الى العلاقة مع الدولة ليس بالضرورة ان تكون حسنة دائما ولكن المهم خلق علاقة شفافة ، لذا يجب ان تتبنى المنظمات علاقة متوازنة وايجاد نقاش دائم مع الجهات المسئولة. * (المعوقات التي تواجه اداء منظمات المجتمع المدني) تعاني منظمات المجتمع المدني في اليمن من قصور مؤسسي ، بل وان كثيرا منها تفتقر للتنظيم الاداري والمؤسسي وتدار بالاساليب التقليدية ذاتها التي تدار بها المؤسسات الاجتماعية التقليدية ، ويطغى على علاقتها ببعضها البعض التنافس ونادرا ما يسود هذه العلاقة التعاون ، كما يلخصها تقرير التنمية الوطني الثاني للتنمية البشرية. وفي هذا الجانب يرى وكيل وزارة الشئون الاجتماعية لقطاع التنمية الاجتماعية ان هذا القطاع ما زال ينمو ويتشكل ويكتنفه العديد من الصعوبات والمعوقات التي يتوجب الوقوف امامها باستمرار وخصوصا ما يتعلق بقلة الموارد المتاحة ونقص التدريب والتاهيل والحاجة لمزيد من التوسيع والتفعيل لعملية المشاركة في عدد من اوجهها والامتثال الصارم للقانون واحترام حقوق الاعضاء وتعزيز الممارسة الديمقراطية الداخلية والابتعاد بالعمل الاهلي عن الانشطة التي حظرها القانون وتركيز الاهتمام على الحاجات والمتطلبات المجتمعية الحقيقية. في حين يرى المراقبون ان على هذه المنظمات والجمعيات وضع الاسس اللازمة لتفعيل دورها في العمل التنموي ودعم الدولة بفعالية في تحقيق اهداف الالفية الانمائية حتى عام 2015 والتي تشكل تحديا ضخما امام الحكومة ، وكذا ايجاد نوع من التوازن بين العمل الخيري والتنموي والابتعاد عن التوظيف السياسي لانشطتها والذي من شأنه افراغ عملها من مضمونه وغاياته المعلن عنها ، والابتعاد عن التشكيلات الايدولوجية والدينية والعرقية لكي تقوم بالدور المعقود عليها في تحقيق التنمية المستدامة.