وقعت اليمن مؤخراً مع المعهد الفيدرالي الألماني لعلوم الأرض والموارد الطبيعية على مذكرة تفاهم لتأسيس مشروع التعاون الفني لدعم استخدام الطاقة الجيوحرارية في اليمن .. التقرير التالي يحاول القاء مزيدا من الضوء على المشروع من حيث التعريف به واهدافه واهميته وتمويله ...الخ : من المعروف ان جوف الأرض على أعماق تصل إلى مئات الكيلومترات يتكون من مواد منصهرة حارة جداً , أما قشرة الأرض الصلبة فانها لا تتعدى عشرات قليلة من الكيلومترات , لكن حتى في هذه القشرة الصلبة فإنه لم يزل هناك الكثير من المناطق التي تثور فيها البراكين وتنفجر منها الينابيع الساخنة بينما يندفع البخار بقوة كبيرة في مناطق اخرى.. بهذه المقدمة المبسطة استهل المهندس الهيدروجيولوجي نوري جمال منسق مشروع الطاقة الحرارية بوزارة المياه والبيئة حديثه حول المشروع ..مشيراًً الى ان ثورة البراكين واندفاع البخار وتفجر الينابيع الساخنة هي من الأدلة الواضحة والشواهد المادية على وجود مخزون كبير من الطاقة الحرارية الموجود في قشرة الارض وهو ما يمثل مصدراً احتمالياً يستطيع الانسان استغلاله لخدمته في اغراضه المختلفة . موضحا أن فكرة استخدام الطاقة الجيوحرارية في اليمن , والتي بدأت بتوقيع مذكرت تفاهم بين اليمن ممثلة بوزارة المياه والبيئة والمانيا (المعهد الفيدرالي الألماني لعلوم الأرض والموارد الطبيعية) والتي ستحصل بلادنا بموجبهاعلى مليوني دولار كمنحة من المعهد الألماني ومرفق البيئة لتمويل تقييم موارد الطاقة الجيوحرارية ودراسة استخدام تلك الموارد الطبيعية في توليد الكهرباء من الطاقة الجيوحرارية في المرتفعات الوسطى والغربية واستغلال المياه المعدنية الحارة في السياحية العلاجيه , تمهيداً لإنشاء مشروع التعاون الفني لدعم استخدام الطاقة الجيوحرارية في اليمن.. جاءت من خلال مشروع قديم لوزارة النفط والثروات المعدنية بدأ في العام 1985م بتمويل من البنك الدولي والذي تعثر لأسباب متعددة اهمها انه كان هناك ظنا في ذلك الوقت ان لدينا من الطاقة ما يكفينا لسنوات قادمة ولم يأخذ في الحسبان بأننا سنصل الى وقت يحصل فيه العجز القائم حالياً في الطاقة الكهربائية . وكانت عدد من الدول المانحة بدأت في ذلك الوقت وعلى رأسها المانيا بتقديم الدعم للدول الافريقية في مجال الطاقة المتجدة ومنها الطاقة الجيوحرارية , إذ بدأت بدعم اول مشروع في كينيا لإنتاج الطاقة , وتم بناء محطة متكاملة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الجيوحرارية في كينيابقدرة انتاجية 400 ميجاوات من مصادر الطاقة الجيوحرارية حيث تعد احدى المشاريع الناجحة على مستوى العالم , إذ انه لايوجد في كينيا بديل لهذه الطاقة الجيوحرارية , اي انه لايوجد لديهم طاقة احفورية المتمثلة في المصادر التقليدية كالنفظ والغاز والديزل ومشتقاتها. وبيّن المهندس نوري جمال ان الفكرة اخذت تتبلور بجدية خصوصاً وان الظروف الجيولوجية والتكتونية /حركة الأرض/ في بلادنا تتناسب مع الظروف في شرق افريقيا (كينيا , تنزانيا , جيبوتي ,اريتريا , اثيوبيا , وموزمبيق) التي تعرضت في الزمن الغابر الى حركة ارضية زلزالية سميت بحركة الوادي المتصدع في منطقة شرق افريقيا الذي تواصل مع انفلاق اخدود البحر الاحمر.. لذلك ظهر عند المقارنة بين الظروف الجيولوجية في اليمن والدول الافريقية سالفة الذكر أن ظروف الوادي المتصدع تمتد من شرق افريقيا وحتى المنطقة القارية في اليمن.. وباعتبار ان جمهورية المانيا الاتحادية تمثل اكبر الدول المانحة لليمن وفي مختلف المجالات وهي الدولة التي تقدم الدعم للجمهوريات الافريقية المذكورة في هذا المجال فأن الدعم الألماني لليمن في هذا السياق سيكون له الاثر الكبير , خصوصاً وأن الاصدقاء الالمان قد ابدوا استعدادهم لدعم جهود اليمن للإستفادة من مصادر الطاقة الجيوحرارية , في محافظات ذمار وإب والضالع التي يوجد بها مناطق واعدة في الحقل الحراري اليمني التي تصل مساحته إلى أكثر من 200 كيلو متر مربع والاستفادة من الطاقة الحرارية المخزونة في جوف الارض في مجالات التنمية . واضاف المهندس نوري منسق المشروع ان التعامل مع هذا المشروع لا يقتصر على الحاجة الى الطاقة الكهربائية وتغطية العجز القائم في مجال الطاقة وانما يتم التعامل معه كمنظور بيئي إذ ان استغلال الطاقة الحرارية يقلل من انبعاثات غازات الصويا من جهة , ومن جهة اخرى تنوع مصادر الطاقة في اليمن بحيث لا يتم الاعتماد على مصدراً واحداً (الوقود الاحفورية).. مشيراً الى ان المشروع يمثل فرصة لسد حاجات اليمن من الطاقة , حتى ولو كان الانتاج من هذه الطاقة بمقدار 100 ميجاوات على أسوأ الاحتمالات فإن ذلك سيغطي العجز القائم ويحقق زيادة في الطاقة .. خصوصاً وان ميزات هذه المصادر السهلة تتيح امكانية التوسع دون اضافة بنية تحتية جديدة , عوضاً عن أن الطاقة الجيوحرارية تمتاز بنقص التكاليف عندما تستكمل البنية التحتية لها بعكس مصادر الطاقة التقليدية او مصادر الطاقة الاحفورية . ولإمكانية تعزيز الطاقة الجيوحرارية واسهامها في عملية البناء والتنمية فأن ذلك يتطلب سخونة الصخر الأم في أعماق الأرض الامر الذي يسهل الحصول على المصادر الحرارية , وهناك مياه تسمى مياه /الماجما/ في باطن الأرض وهي غير المياه المعلقة او المياه الناتجة عن سقوط الامطار.. وتنتج هذه المياه عندما تسقط مياه الامطار وتتغلغل الى باطن الأرض وتكتسب الحرارة من الصخر الأم وتتحول الى بخار يصعد الى سطح الأرض , الذي يتم استقباله وتوجيهه الى توربينات تقوم بالدوران واستغلال هذه الحركة وتحويلها الى طاقة ميكانيكية ومن ثم الى طاقة كهربائية تسمى بالطاقة الجيوحرارية . وبحسب المهندس الهيدروجيولوجي نوري جمال فأن تحقيق اي خطوات في انتاج الطاقة الجيوحرارية بقيمة اقتصادية يتطلب توفر عدد من العوامل الجيولوجية والظروف الطبيعية الملائمة اهمها وجود مصدر حراري فعال متمثل في جسم ناري كبير يولد حجم كبير من الصهير (الماجما) على عمق مناسب لتوفير مصدر حراري طويل المدى.. واعتبر ان الاعماق الكبيرة في مثل هذه الحالات قد تتسبب في كبح القدرة الطبيعية للدورة المائية , بالاضافة الى وجود خزانات طبيعية ذات مساحة كبيرة متصلة بالمصدر الحراري عن طريق قنوات يمر عبرها الماء ويدور بقرب المصدر الحراري قبل تجمعه في الخزانات , ووجود صخور غير نفاذة تمنع انسياب المياه وفقدان الحرارة الى السطح . يشار الى ان الانسان عرف الطاقة الجيوحرارية منذ آلاف السنين واستخدمها في تلبية بعض اغراضه بشكل يتلاءم ومستوى المعرفة التي امتلكها الانسان في ذلك الوقت , وعلى الرغم أن الانسان في السابق لم يكن على معرفة بطبيعة هذا المصدر الحراري وأسبابة إلا انه استطاع التعامل معه وتسخيره لخدمة احتياجاته وليس أدل على ذلك من حقيقة أن الانسان عرف فوائد الاستشفاء في ينابيع المياه المعدنية ومارسها منذ فترات بعيدة ومازال يمارسها الى وقتنا الحاضر.. وقد امتد وجود الينابيع الساخنة عبر معظم مناطق العالم من اوروبا مروراً بالشرق الأوسط وشمال افريقيا الى الهند والصين , ومنذ القرن الثامن عشر برزت العديد من الاستخدامات المتطورة مثل توليد الطاقة الكهربائية , إقامة منتجعات السياحة العلاجية , تدفئة المنازل في المناطق المتميزة بالطقس البارد , تدفئة بيوت المشاتل الزراعية المحمية , استخلاص بعض الاحماض والغازات الكيميائية مثل ثاني اكسيد الكربون وكبريتات الهيدروجين , وكلوريد الهيدروجين , وفلوريد الهيدروجين وغيرها , بالاضافة الى تجفيف الخضروات والأسماك وبعض الصناعات الاخرى.. كما ان وجود الطاقة الجيوحرارية يؤدي الى تكون بعض المعادن الثمينة وأهمها الذهب .