استحوذت عاصمة مملكة سبأ المذكورة في الإنجيل على اهتمام الرحالة الألماني هانس هيلفرتس الذي زار اليمن لأول مرة في ثلاثينات القرن الماضي. ولم يثني عناء السفر ومشقاته البالغة في ذلك الوقت الرحالة الالماني من معادوة زياراته لليمن خمس مرات، أربع منها خلال عامي 1930 و 1935م، فيما تمت الزيارة الأخيرة في سبعينيات القرن الماضي. وقد وصل الرحالة هيلفريتس في رحلته الثالثة عام 1935م، إلى شبوة عاصمة مملكة سبأ، التي أدمن قراءتها وعشقها أعوام طويلة حتى وافاه الاجل في عام 1995م، بعد ان سجل اسمه كأول أوروبي يصل إلى محافظة شبوة. وقد استطاع الرحالة الالماني ان يوثق لرحلته التي شملت كل من المكلا، وادي حضرموت، عدن، وصنعاء - حيث كان اليمن حينذاك بشماله وجنوبه بلداً يكاد يكون مجهولاً بالنسبة للغرب - من خلال /3500/ صورة التقطها لليمن وسكانه من بين أكثر من /82/ ألف صورة حول العالم، لا تزال محفوظة في أرشيف الصور في متحف / راوتنشتراوخ - يوإيست/ للموروث الشعبي في مدينة كولن الألمانية، وتكشف عشقه لليمن. بالإضافة إلى توثيقه للتسجيلات الصوتية لأغاني البدو على أعمدة وأسطوانات من الشمع، لا تزال محفوظة أيضاً في المتحف الحكومي لمدينة برلين الخاص بالموروث الشعبي. وفي كلٍ من المتحفين المذكورين تجري ومنذ وقت طويل دراسة وتمحيص ما خلفه هيلفريتس، من ذلك الدراسة التي قدمتها الدكتورة سوزانه تسيلفر حول الإسطوانات الشمعية في أرشيف برلين للصوتيات، وكذا المشروع الذي قدمته الدكتورة يوتا إنقلهاردت بخصوص أرشفة وحفظ ما خلفه هيلفريتس من موروث، واللتان شكلتا من خلال ما قدمتاه الأساس والمرجعية للكتاب الرابع الصادر ضمن سلسلة " كتب عن التاريخ الثقافي لليمن " ضمن إصدارات معهد الآثار الألماني بالتعاون مع السفارة الألمانية. وضمن اهتمامه باليمن خلال رحلاته التي بدأها ضمن توثيقه لكتابه " تحت شمس الشرق " زار كل من مصر، فلسطين، سوريا، العراق، واليمن، ولكنه في اليمن استشعر بوح خاص لثقافة خاصة لسكان الجنوب، وقدم للمكتبة العالمية كتابه " الأسرار حول شبوة "، بالإضافة إلى فيلمه التوثيقي :" في بلاد مملكة سبأ".. اللذان استعرضا ما عايشه الرحالة الألماني من أحداث بشكل واقعي. وفي معرض حديثه عن اليمن في كتابه " الأسرار حول شبوة" قال هيلفريتس :" لا يعرف ساكن منطقة جنوب الجزيرة العربية مهنة إلا وأضفى عليها لمسات موسيقية، وهنا تتضح على وجه الخصوص الأغاني التي يرددها على ظهر الجمال أثناء ترحاله، والنساء أثناء خروجهن إلى الحقل".. وأ ضاف :" لا يعد الفن بالنسبة لهؤلاء خلقاً إبداعياً فحسب، بل هو في الوقت نفسه ضرورة في حياة القبيلة.. بل في حياة المجتمع بأكمله". وقد كان هيلفريتس العاشق أثيراً بأن يضفى بتوثيق ورصد اليمن وسكانه من خلال رحلاته، لا سيما أن هناك من ينافسه على اكتشاف التراث الثقافي الفني اليمني من خلال الرحالة والباحثة البريطانية / فريا ستارك /، ما جعله يغذ الخطى في سعيه نحو اكتشاف اليمن بشكل عام، ومملكة سبأ بشكل خاص. وتساهم الصور الفوتوغرافية، والتسجيلات الصوتية والموسيقية المسجلة بعد مرور أكثر من سبعة عقود على التقاطها من خلال المعارض التي تقيمها سفارة ألمانيا الاتحادية بصنعاء في المحطات الأربع التي مر بها الرحالة الألماني هيلفريتس في إثراء حوار الحضارات بين الشرق والغرب باعتبار الثقافة والفن تراث أصيل، خاص منشئه، عالمي طابعه. يذكر تاريخياً أنه قد سبق الرحالة الألماني هيلفريتس ولحقه عدد من الرحالة الألمان، منهم الرحالة الألماني المشهور / كارستين نيبور/ الذي يعد أول الزائرين الأوربيين لليمن خلال الفترة 1761 - 1767، والذي استطاع مع غيره من الرحالة والباحثين أمثال / أولريش ياسبر زيتسن، وأودلف فون فريده، وهاينريش فون مالتزان، وليو هيريش، وهيرمن بورشاردت، وإيفا هوك/ من زرع بذرة الاهتمام بعادات وتقاليد اليمن في ألمانيا، والغرب، على المستويين العلمي والثقافي..