يمنحك موقع حصن جعر الأثري، المكتشف حديثا، في منطقة ريمة حُميد بأمانة العاصمة، فرصة لتفوز برحلة غير مسبوقة إلى عصر اليمن البرونزي، لتطلع عن قرب على آخر اكتشافات المستوطنات اليمنية البرونزية التي قد ترتقي في تاريخها إلى أكثر من ثلاثة الاف عام قبل الميلاد. على الرغم من ان ثمة اكتشافات سابقة في منطقة حوض صنعاء لمواقع تاريخية من العصر البرونزي ، إلا أن تلك المواقع للأسف الشديد اندثرت مع عملية التوسع العمراني ، و هو ما يعزز من أهمية هذا الموقع بالإضافة إلى احتوائه على عدد كبير من النقوش و المخربشات و الرسوم تكشف عن حقبة تاريخية ربما ستدفع المؤرخين إلى إعادة النظر في تأريخ هذه المنطقة. تم الكشف عن هذا الموقع مؤخراً بواسطة قوات الحرس الخاص التي عملت على إبلاغ وزارة الثقافة ممثلة في هيئة الآثار والمتاحف، التي بدورها أنزلت فريقاً اثرياً أنجز تقريراً أوليا عن الموقع. وزير الثقافة الدكتور محمد ابو بكر المفلحي زار الموقع اليوم ومعه قائد قوات الحرس الخاص العميد طارق محمد عبدالله صالح واطلعا على مكونات الموقع واستمعا من المختصين الاثاريين إلى شروح عن تفاصيل خصوصيته التاريخية وأهميته الحضارية و الخطوات التي قامت بها هيئة الآثار في تقييم الموقع والخطوات اللاحقة لمسحه و توثيقه علميا . وفي تصريح لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) قال وزير الثقافة الدكتور محمد ابوبكر المفلحي: هو موقع تاريخي هام و ربما يعود إلى العصر البرونزي ،و من ميزة هذا الموقع انه يحتوي على مئات النقوش الممتدة إلى تلك الفترة من التاريخ اليمني كوننا لا نستطيع أن نجزم بهذه الفترة التاريخية ولذلك علينا وعلى الهيئة العامة الآثار والمتاحف ان تنزل فريق متخصص من أجل دراسة هذا الموقع و المواقع الأثرية المجاورة التي على ما يبدو أنها تمثل جميعا منطقة أثرية هامة وستكشف الدراسات والتنقيبات الأثرية عن كثير من الحقائق الهامة ذات الصلة بتأريخ اليمن القديم. وأعرب عن الشكر لقوات الحرس الخاص على ما بذلته من جهود في الحفاظ على الموقع وإبلاغ وزارة الثقافة به و تعاونها مع فريق الآثار في تقييم الموقع. من جانبه أوضح قائد الحرس الخاص العميد طارق محمد عبدالله صالح انه " تم اكتشاف هذا الموقع عندما قمنا بعملية شق الطرقات لتجهيز مبنى تابع لمركز تدريبي للحرس الخاص و عندما بدأ الجنود بالصعود إلى الجبل وجدوا بعض النقوش الأثرية و ابلغونا بذلك و نحن نشكرهم على حرصهم واهتمامهم بالآثار والحفاظ عليها و بدورنا حينها قمنا بإبلاغ وزارة الثقافة وتم إنزال فريق ميداني من الهيئة العامة للآثار وتم تقييم الموقع ونحن الآن بصدد التعاون معهم في تشكيل فريق خاص لدراسة ومسح الموقع بأكمله خاصة وأن الموقع بدأ يتسع و يظهر لدينا بشكل واضح في الجبل الأول وبعضها بدأنا نلاحظها في الجبل الآخر. وأضاف: نتمنى أن يتم الحفاظ على هذه الآثار ؛ لأنها ثروة وطنية وقومية كما أتمنى ان يصدر قانون لمعاقبة الذين يقومون بسرقة و تهريب الآثار و بيعها ؛ لأنهم يسرقون حضارة شعب وأمة . الموقع يقع حصن الجعر في أعلى قمة جبل يسمى جبل الجعر بالقرب من مركز تدريب الحرس الخاص بارتفاع ألفين و563 م على مستوى سطح البحر وتعد إحدى ثلاث قمم تطل على أودية زراعية خصبة من أربع جهات تتبع جغرافيا ريمة حُميد ومديرية سنحان إلى الجنوب الشرقي من العاصمة صنعاء. في ذلك الموقع تم الكشف عن موقع أثري ربما يعود إلى العصر البرونزي وهو عبارة عن مستوطنات ذات أشكال بيضاوية شبه دائرية على الجانب الغربي و الشرقي والجنوبي الشرقي و تتركز على الحافة المكشوفة لطبقة الصخور الجيرية، وتتألف من منازل سكنية لم يتبق منها سوى صف من الحجارة الكبيرة نسبيا وبها جدران ومداميك حجرية مكونة من عدة صفوف تطل على المنحدر الغربي من الموقع عبارة عن سور يحيط بالمدينة ... ووفق اختصاصيي الآثار عبدالكريم البركاني و محمد الحلبي توحي هذه المساكن بان المنطقة كانت موطن لتجمع بشري واسع ربما يمتد إلى القمم الاخرى من نفس الموقع. اللقى الأثرية وحسب تقرير الفريق الأثري الذي أنزلته هيئة الآثار والمتاحف إلى الموقع - فقد تم العثور على بعض الملتقطات السطحية من الموقع والمتمثلة في بعض الكسر الفخارية الملتقطة من السطح متوسطة الحجم تخلو من الزخرفة و قد تعرضت سطوح هذه الكسر للعوامل الطبيعية لفترات طويلة تهشمت و فقدت صلابتها... كما تم العثور على بعض الكسر اقل تماسكا و درجة حرق عالية ذات لون اسود و يلاحظ في مادة صنعها استخدام حبات الرمل الخشن. ووفق التقرير فتدلل هذه الكسر الفخارية القليلة المجمعة على ارتباطها بنفس مجموعة فخاريات العصر البرونزي التي درستها البعثة الايطالية عندما قامت بعمل مسح لمواقع العصر البرونزي على خط صنعاء جحانة خولان الطيال إلى صرواح في مأرب من العام 1982-1985م وهذه المواقع تقع على امتداد او قريبة من الخط الرئيسي . وقد كشفت هذه المسوحات على العديد من المواقع الأثرية والمستوطنات السكنية الدائرية ... و من خلال تحليل الفخاريات التي قام بتجميعها الفريق بكربون سي 14 فانها - حسب التقرير - تعود إلى الالف الثالث والثاني قبل الميلاد. كما تم العثور على أداة حجرية عبارة عن نصل غير مكتمل الصنع تدل على بداية تطور ثقافي في صناعة الأسلحة من الأدوات الحجرية التي استخدمت للصيد والأغراض المعيشية الأخرى. الرسوم والنقوش وبخصوص الرسوم والنقوش الصخرية في الموقع فهي كثيرة وقد يصل عددها إلى عشرات النقوش و اللوحات و المخربشات ضمت بعضها نقوشا بخط المسند و بعضها بخط الزبور وبعضها الأخر بالخط الصفوي وهذا الأخير يمثل اكتشافا غير مسبوق بحاجة إلى فك طلاسمه وقراءته. تنوعت الرسوم والنقوش ما بين رسم الغزلان في أشكال توحي بحركاتها باتخاذها أسلوب الحز الخفيف على الصخر وبخطوط متعرجة تبرز تفاصيل الحيوان المراد رسمه في حالة فريدة من نوعها عن بقية الحيوانات الأخرى و كذا مناظر الصيد ومناظر أخرى لرسم حيوانات كالوعل ذي القرون الكبيرة و بعض المناظر التي تجمع عدد من الحيوانات المختلفة في لوحة حركة دائرية جسدت الدقة والإتقان في الأسلوب الرائع الذي اختاره الرسام في رسمها على الصخر. أما النقوش فقد كُتبت بخط المسند وجاءت أحيانا منفردة في لوحات والبعض الأخر ممتزجة برسوم وقد كتبت بأسلوب الحز الخفيف وأسلوب الحفر الغائر. ما يلفت النظر حسب الفريق الاثاري هو وجود النقش عند أعلى واجهة الصخر مكتوبا بالخط ربما الصفوي او الحبشي لتقارب وتشابه الحروف وقد يكون له دلالة على التطور والتعاقب الثقافي في المنطقة حيث جاء النقش مكون مع أربعة إلى خمسة اسطر. أما النقوش المسندية فهي منتشرة على الكثير من الصخور وبأساليب متنوعة المضمون وأسلوب الكتابة، وحسب اختصاصي هيئة الآثار فقد تم عمل خطة لدراسة النقوش وفك محتوياتها لاحقا وتوثيقها في بيئتها. وقد شدد الفريق الأثري على أهمية توثيق هذا الموقع بكل محتوياته توثيقا علميا دقيقا لكي يتسنى إعداده وتهيئته وإعلانه موقعا اثريا مفتوحا وهو ما يقتضي المحافظة عليه وعدم المساس به لأي أمر كان.