كشفت دراسة نشر ملخصا لها في ابوظبي عن أن 20 عاما من الصراع كلفت منطقة الشرق الأوسط نحو 12 تريليون دولار. وقالت الدراسة التي أجرتها مجموعة بحثية هندية، بدعم من حكومات دول عدة، ونشر مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية عرضا لها إنه إذا لم يتم حل الصراعات في المنطقة، فان التكاليف ستستمر في الارتفاع. وتشير الدراسة إلى أن الفشل في التوصل إلى السلام بعد مؤتمر مدريد عام 1991، قد أبطل تأثير العديد من المزايا النسبية للمنطقة، من حيث الموقع والموارد الطبيعية والبشرية والتعليم وغير ذلك. والدراسة التي ركزت على مختلف الصراعات التي عانتها منطقة الشرق الأوسط، وضمنها الصراع بين إسرائيل والعرب، والحرب في العراق، والتوترات الناجمة عن التهديدات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، وتداعيات الأنشطة الإرهابية- تؤكد أن الصراعات قد كلفت دول المنطقة غاليا، ليس على صعيد الاقتصادات الوطنية فقط، حيث حرمت معظم الدول معدلات نمو عالية، فيما سلبت ميزانيات بعضها الآخر نسبا لا بأس بها من الناتج المحلي الإجمالي جراء التوترات والنزاعات، ولكن جاءت الخسائر على المستوى الفردي لشعوب العديد من دول المنطقة أيضا، إذ حالت هذه التوترات والحروب دون ارتفاع الدخل الفردي في العديد من المناطق المحتلة. كما طالت هذه الخسائر شعوب أطراف معتدية مثل إسرائيل، التي قالت الدراسة إن متوسط دخل الفرد فيها خلال العام المقبل كان سيبلغ 44241 دولارا في حال تحقيق سلام، مقارنة مع المتوسط المحتمل أن يبلغ 23304 دولارات. أما على الصعيد الفلسطيني فتشير إحصاءات وتقارير عدة إلى وضع إنساني واقتصادي مزر في قطاع غزة، حيث تراجع متوسط دخل الفرد إلى أدنى مستوياته منذ عام 2000، حيث كان يبلغ 1800 دولار، وبات أكثر من ثلثي المجتمع الفلسطيني في القطاع يعيش تحت خط الفقر، بعد أن ارتفعت نسبة الإعالة مع ازدياد نسبة البطالة وتجاوزها 75%. وفي العراق يتوقع أن يبلغ دخل الفرد في العام المقبل، بحسب الدراسة، نحو 2375 دولاراً فقط، في حين كان يفترض وصول هذا الرقم إلى 9681 دولارا، لو لم تحدث حروب في العقدين الأخيرين، أي أن المواطن العراقي حرم نحو ثلاثة أرباع دخله الفردي بسبب الحروب والصراعات خلال عقدين من الزمن. وفي أحد جوانبها تشير الدراسة إلى التكلفة غير المباشرة للصراعات مثل هدر كرامة الإنسان، وضياع حقوق أساسية مثل التعليم والصحة، وغير ذلك من مظاهر بؤس ومعاناة تتجلى معالمها في تقارير التنمية البشرية السنوية الصادرة عن منظمات متخصصة. واقع التنمية البشرية في معظم دول منطقة الشرق الأوسط يوحي بحجم الخسائر الباهظة التي دفعتها المنطقة، ولا تزال، جراء الصراعات والحروب التي شهدتها خلال العقدين الماضيين فقط، فهناك معدلات بطالة بين الشباب العربي تدور في فلك ال(14%)، بحسب ما هو معلن رسميا، وهناك أزمات اقتصادية ومعيشية وتعليمية وتخلف عن ركب ثورة التقنية والاتصالات التي اجتاحت العالم خلال هذه الحقبة، كما حرمت معظم دول المنطقة مواكبة الطفرة الحاصلة في التعليم والأبحاث العلمية. الإحصاءات قد لا تكون الشاهد الوحيد على ما دفعته المنطقة ودولها وشعوبها من تكلفة باهظة للصراعات والحروب والتوترات، بل إن هناك أوجه معاناة و"توابع" أخرى عديدة ربما يصعب حصرها كاملة، ما يستوجب وقفة مع الذات، وتحركات فاعلة ودافعة باتجاه تحقيق الأمن والاستقرار لشعوب ودول يفترض أن تشارك في ركب التنمية بدلا من الغرق في بحار الصراعات المزمنة التي تخيم على المنطقة.