فقدت اليمن اليوم علماً من أعلامها الرواد في الفنون التشكيلية ...وخسرت برحيل الفنان الكبير هاشم علي رمزاً من رموز حركتها الثقافية الذين أسسوا لحضور مختلف و متميز للوحة تشكيلية يمنية حفرت بأضواء اللون اسمها في فضاء التشكيلي العربي و العالمي ... رحل الفنان هاشم علي عن عمر ناهز 64 سنة أمضى معظمه في محراب الفن ريشة أحيت اللون نبضا سيظل نبعا متدفقا في جداول اللوحات الخالدة ...لتنعي اليمن برحيله اليوم أحد أبنائها الذين مثلوا إضافة عبقرية إلىرصيد منجزها الحضاري . لن ينسى اليمنيون هذا اليوم (7 نوفمبر) ففيه غادرهم - بعد صراع مرير مع المرض- أحد فنانينهم العظماء ،وفيه فقدت اليمن ريشة على قدر عال من التميز والخصوصية نسجت عبقريتها منذ وقت مبكر ...فشغف بالفن وعمره قبل ان يتجاوز الثامنة من عمره ،في تلك السنة من عمره بدأ بتعلم النحت على يد أستاذه علي علوي الجفري وفق كتاب " هاشم علي ... حياة في اللون" الذي أصدرته وزارة الثقافة في العام 2004م كأرفع تكريم رسمي ناله الفنان هاشم علي علاوة على إطلاق اسمه على قاعة عرش تشكيلي بالمركز الثقافي بصنعاء ... و إن كانت تجربة هذا الفنان العظيم اكبر من أي تكريم ... تنقل الفنان بعد أن قضى جزء من طفولته في اندونيسيا بين حضرموت وأبين وفي عدن التقى عددا من الفنانين الموجودين فيها إبان الاحتلال البريطاني ،واستطاع حينها بلورة ملامح لوحته التشكيلية منطلقا في آفاق الاحتراف في خمسينيات القرن الماضي ...محققا عقب قيام الثورة السبتمبرية حضورا متميزا في شمال اليمن حيث استقر به المقام في تعزالمدينة الحالمة بمكونها الفريد طبيعة وتراثا وإنسان ،وهي المنظومة التي كان لها عظيم الأثر في نفسه ومن ثم في لوحته ،التي خرج بها إلينا وأعلن من خلالها عن تجربته بقوة وبخاصة في معرضه الأول في عام 1967م حيث انطلق اسمه لأول مره رسميا في عالم الفن ... وهنا لا بد أن نشير إلى أن معرضه ذاك كان أول معرض تشكيلي يشهده اليمن الشمالي ...أي أن هذا الفنان وجد في مرحلة تجشم فيها معاناة كبيرة في سبيل تعزيز حضور الفن التشكيلي ،وقبل هذا حمل على عاتقه مسؤولية تعليم نفسه وتطوير تجربته،متمكنا من اكتساب القدرات والمعارف والخصائص اللازمة للارتقاء بلوحته ...وصولا إلى مرحلة بات فيها مرسمه في تعز مدرسة يقصدها العديد من الهواة والراغبين في تعلم الفن التشكيلي . على الرغم من تعدد المدارس الفنية التي أطلت من خلالها أعمال الفنان على مختلف مراحل تجربته إلا أن أعماله الواقعية الانطباعية تحديداً تبقى نصوصا بصرية أكثر خصوصية وعبقرية في آن ،من فرط نبض ألوانها بالحياة .... وهنا تتجلى براعة ريشة هذا الفنان في قدرتها على استنطاق الجوهر الجمالي للمشهد و مخاطبة روح الأشكال وسكب مشاعره وأحاسيسه على تعبيرا حيويا على شاشتها الانطباعية ،ما يجعل المشاهد يقف متسمرا أمام لوحته مندهشا من تلك الرؤية الجمالية الرفيعة التي يحملها الفنان بين ضلوعه ويقرا من خلالها المناظر ويعيد رسم المشاهد على سطوح نابضة بكل هذه الحياة اللونية... ولهذا فهو ريشة حياة اللون ....ريشة استوعبت تحولات ومتغيرات الحياة في المجتمع والعالم وواكبت الجديد قراءة و تجريبا ملتزما خط تطويريا لم يتوقف حتى في أيامه الأخيرة بعيدا عن الأضواء زاهدا بالشهرة ملتزما قيما فينة رفيعة منعته من المتاجرة بفنه و تجربته بل انه لم يدخل بورصة اللوحة التشكيلية التي بات لها سوقا عربيا رائجا في الوقت الراهن... انه أستاذ وتلك صفات الكبار وعلاماتهم التي لا يرتديها هاشم علي كما يفعل كثيرون غيره بل عاشها واقعا ،ولعل من حاوره من الصحفيين يعرفون مدى سمو هذا الفنان الإنسان والتجربة واللوحة ... بدون برواز هو لوحة نابضة بالصدق والجمال ... دون رتوش . أين أنت؟ لعلنا هنا ونحن نشعر بفراق حقيقي أن نتذكر تلك الكلمة قالها فيه عضو مجلس الشورى ووزير الثقافة السابق خالد الرويشان عند افتتاح معرضه الأخير في بيت الثقافة على هامش صنعاء عاصمة للثقافة العربية في العام 2004م ... كان الاديب المبدع خالد الرويشان يقولها فيه اليوم : "أيها اللحن الهارب! والقصيدة الشاردة ..أين أنت؟ أين نحن ّ إذا لم تكن هنا ؟...أنت ال"هنا"! الطريق إلى قريتنا مرت عبر سنا أصابعك،...من فضلك – دلني عليك !وحدك من يعرف تجاعيد أشجارها ،وشحوب أحجارها .امواه أحلامنا سالت من بين أناملك ! غيمات أحزاننا تقطرت فكنت أنت دمعتها الكبيرة المضيئة ...فدعنا – إذن- نتملى ضحكة الدمعة تمشي بيننا... كي نبكي علنيا ! نتجلى بهاء الوحشة كي نقوى على الصعود إليك. كنت ريشة اشتعالاتنا ،خفقة التمرد في أجفاننا ، كنت لون بهجاتنا، ضوء انطفاءآتنا،...أخاديد انتظارنا ،برواز أيامنا ... وإذن ...فمن غيرك يدلنا علينا ؟..أعرف ...ما تزال ضحكتك تجلجل بين حنايا"صبر" ...أيها الزاهد الساهد ..ما أصبرك علينا!ما أحلمك."