احتفلت اليمن مؤخرا بيوم الاستقلال الوطني المجيد ال30 نوفمبر 1967، اليوم الذي أعلن فيه الاستقلال من المستعمر بعد نضال مرير ومضنٍ سالت من أجل تحقيقه الدماء الزكية، دماء الوطنيين الأبطال، الذين ضحوا من أجل أن يعيش الشعب في حرية ووطن شامخ ذي سيادة بدون وصاية. في هذا اليوم المجيد عايش الحدث الكثير من الوطنيين الذين أسهموا في تحقيقه.. "السياسية" التقت بعضا ممن ساهموا في صنع الحدث المجيد، وفيما يلي حصيلة اللقاءات: أحداث هامة الرائد علوي عبد القوي حسين أوجز لنا ذكرياته عن ذلك اليوم الأغر قائلاً: "في ذلك اليوم المجيد كنت متواجداً في قيادة الجيش بخور مكسر، وكنت ضمن الضباط القادة المكلفين بتجهيز الاحتفال الذي تقرر أن تكون إقامته في مدينة الاتحاد، والتي سميت منذ ذلك اليوم بمدينة الشعب، وهو الاسم الذي ما زالت تحمله حتى اللحظة، وتم تكليفي؛ باعتباري قائد وحدات النقل على مستوى الجيش، وكنت إلى جانب بعض الضباط القياديين مكلفين بتنظيم وتأمين قيام الحفل، حيث كنت مسؤولاً عن تأمين الاحتفال بالإمكانيات اللازمة من وسائل النقل وغيرها؛ كون أجهزة الدولة الأخرى في ذلك اليوم كانت منهارة، أو معطلة. وأضاف: "ولعله من المفيد الإشارة إلى أنه خلال هذا الشهر، نوفمبر 1967، حدثت أحداث على جانب من الأهميّة، وتعتبر تاريخية -بكل ما للكلمة من معنى- نظراً لأهمية هذه الأحداث. ونشير هنا إلى أهم هذه الأحداث في بداية شهر نوفمبر حدثت الحرب الأهلية المؤسفة بين فصيلي الثورة، وإعلان الجيش في 6 نوفمبر انحيازه إلى جانب الجبهة القوميّة، ورفض قيادة الجيش استلام السلطة عند ما طلب المحتل استلامها، واعتراف بريطانيا بالجبهة القوميّة واعتزامه تسليمها السلطة وموافقته على إجراء محادثات الاستقلال في جنيف". وتابع قائلا: "لقد وضعتنا تلك الأحداث في اختبار صعب ومعقّد، فقد تم استلام القواعد البريطانية خلال بضعة أيام، ولكن بفضل الإرادة الوطنية الشجاعة والكفاءة اللامتناهية للصف القيادي في الجيش، كل ذلك قد مكّن القيادة من التغلّب على الكثير من الصعوبات، ونتذكر ذلك الاحتفال الذي رفع فيه لأول مرة علم جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية (سابقاً)، وتلك القرارات التاريخية التي أصدرتها القيادة العامة للجبهة القومية بقيادة المناضل الوطني قحطان الشعبي، نتذكر الأناشيد والأهازيج التي كانت ترددها جماهير الشعب طوال ليلة الثلاثين من نوفمبر، وحتى صباح اليوم التالي، إنها ذكرى غالية صنعناها بدماء الشهداء الزكية". يوم مجدنا وفخرنا من جهته، قال الدكتور حسين عمر: "أتذكر ذلك الحدث التاريخي المجيد كيوم تاريخي لا يُنسى، ولن يُنسى، وسيظل يوم مجدنا وفخرنا إلى ما شاء الله، لقد أتيت ليلة الحدث من الحبيلين، حيث كنت أعمل في قيادة المنطقة الغربية برتبة صف ضابط، ورئيس قلم المنطقة، بعد أن عرَّبت المنطقة يونيو 67، وقد مشيت سيراً على الأقدام من منطقة الشيخ عثمان إلى مدينة اتحاد الجنوب الغربي، والذي سميت منذ ذلك الوقت ب"مدينة الشعب"، وحتى اللحظة الراهنة، نتذكر قادة الثورة: قحطان فيصل عبد اللطيف الشعبي، سالم ربيّع علي، محمد علي هيثم، البيشي، عنتر، فتاح، علي ناصر، الشاعر، العولقي، والقائمة طويلة، الرحمة والمغفرة للأموات منهم والعُمر المديد للأحياء منهم، نتذكر أناشيد العطروش: يا لحج يا ضالع يا عوذلي يا حُر. ونتذكر المرشدي: هنا ردفان. نتذكر أهازيج الجماهير طوال ليلة الثلاثين من نوفمبر المجيد. إنه حدث تاريخي مجيد سيظل مسكوناً في قلوبنا وقلوب الأجيال من بعدنا كرمز للبطولة والشهادة والبذل والعطاء". يوم تحتفل به الأجيال أما المناضل علي صالح علي الصيلع، فقال: "أنا أعتبره يوما مجيدا في تاريخنا المعاصر، وأنا واحد ممّن عايشوا وساهموا في تحقيق هذا اليوم الأغر بكل تواضع، في ذلك اليوم المجيد كُلّفت في إطار وحدات النقل وبعض سرايا دبابات (الفيرت) بمرافقة سرية من دبابات الفيرت وصلاح الدين، عند ما أمرت بالتحرّك مع هذه السريّة من معسكر صلاح الدين إلى مدينة الشعب، وكنت حينها برتبة صف ضابط في النقل العام". وأضاف: "أتذكر قحطان الشعبي وفيصل عبد اللطيف، ومحمد صالح مطيع، والأبطال الذين اعتلوا منصة الاحتفال في مدينة الشعب، وأتذكر حماس الجماهير وهي تردد الأهازيج طوال ليلة 30 نوفمبر 67، إنه يوم مجيد وسيظل كذلك تتوارثه وتحتفل به الأجيال من بعدنا". الشخصية الاجتماعية والضابط السابق في الجيش إبراهيم العيلي من جهته يقول: "استطيع القول جازما إنه منذ اللحظات الأولى التي تم فيها موعد الاستقلال الوطني من قبل المستعمر البريطاني لعدن والمحميّات الشرقية والغربية أصبح الحلم حقيقة ملموسة، وبدأت آمال الناس تتحقق على أرض الواقع، وذلك بقرب قيام الدولة الوطنية المستقلة المعبّرة عن طموحات الشعب في الحريّة وبناء المستقبل المنشود، والذي تم تحديد قيامها يوم الثلاثين من نوفمبر 67، فجر أول يوم للاستقلال الوطني المجيد". وتابع قائلا: "لقد تلقفت جماهير الشعب نبأ يوم الاستقلال الوطني بأفراح غير مسبوقة، وبمعنويات عالية لم يشهد لها مثيل، خاصة وأن الإعلان قد جاء بعد أسابيع من حدوث الحرب الأهلية المؤسفة التي نشبت بين تنظيمي الثورة، والتي سببت وألحقت آلاماً وأحزاناً ما كان يفترض أن تكون، لكن الجماهير سرعان ما تناست هذه الأحداث المؤلمة عند سماعها النبأ اليقين بيوم الاستقلال الوطني، حيث تدفقت إلى الشوارع في كل المدن تاركة خلفها كل صراعات الماضي، وكان تدفق الجماهير في ذلك اليوم لم يسبق له مثيل، وقد أطلق أجواء يمكن القول إنها مهيبة لا يمكن نسيانها، وخاصة عند ما وصل الوفد المفاوض من جنيف إلى مطار عدن الدولي، حيث كانت الحشود الهائلة المعبِّرة عن هذا الحدث التاريخي". وأضاف: "وما إن أطل موكب الوفد، الذي تتقدمه سيارة مكشوفة، وقد جلس فيها الرئيس المرتقب قحطان محمد الشعبي، وبجواره العقيد بن موقع، قائد الجيش، والذي كان له دور بارز في إخماد الفتنة داخل الجيش، وكانت لحظة تاريخية لا تُنسى بظهور أول رئيس لجمهورية اليمن الجنوبية (سابقا)، وفي الوقت الراهن، وحين استعيد هذه الذكريات في مخيّلتي وأنظر إلى ما تحقق من تلك التي كنّا نتأمل تحقيقها، وأنظر إلى ما تحقق على أرض الواقع، أقول بيني وبين نفسي مهما كانت الصعاب والإخفاقات التي مررنا بها، وهي موجودة، لكن نوفمبر سيظل حدثاً تاريخياً لا ينسى، وسنتذكر الأغنية الوطنية: والله بلدنا نوّرت... في عيد ثورتنا المجيد". السياسية