الجيش الوطني يدك مواقع المليشيات الحوثية بالسلاح الثقيل    صاعقة رعدية تنهي حياة شاب يمني    محمد المساح..وداعا يا صاحبنا الجميل!    صورة ..الحوثيون يهدّون الناشط السعودي حصان الرئيس الراحل "صالح" في الحديدة    آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    على الجنوب طرق كل أبواب التعاون بما فيها روسيا وايران    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    صور الاقمار الصناعية تكشف حجم الاضرار بعد ضربة إسرائيل على إيران "شاهد"    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    شبوة.. جنود محتجون يمنعون مرور ناقلات المشتقات النفطية إلى محافظة مأرب    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    تظاهرات يمنية حاشدة تضامنا مع غزة وتنديدا بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    اليمن تأسف لفشل مجلس الأمن في منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة مميز    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    لحظة بلحظة.. إسرائيل «تضرب» بقلب إيران وطهران: النووي آمن    اقتحام موانئ الحديدة بالقوة .. كارثة وشيكة تضرب قطاع النقل    العثور على جثة شاب مرمية على قارعة الطريق بعد استلامه حوالة مالية جنوب غربي اليمن    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمى الضنك.. قصة 15 عاماً من الاستيطان في تعز
نشر في سبأنت يوم 23 - 12 - 2009

صنعاء – سبأنت: عبدالحميد المقطري - إشراف وتحرير: عبد السلام محمد
منذ العام 1994م حل بعوض صامت، لا طنين له، وليس لهذا الضيف الثقيل مهمة سوى نقل فيروس حمى الضنك بين الناس. عندها بدأت الجائحة تنتشر في محافظة تعز، التي اختار أن يعيش حياة استقرار فيها لا ضيافة.‏
لم يكن يعرف الصحفي نجيب الشرعبي حين نزل إلى قريته في تعز لقضاء إجازة العيد أنه سيتنفس هواء الريف العليل ومعه الموت.
‏ يقول البعض إنه أصيب بأعراض مشابهة لتلك الأعراض التي أصابت الكثيرين من أبناء تعز. وقال الأطباء إنها ناجمة عن فيروس حمى الضنك.‏
ترك (نجيب) زملاءه الصحفيين ومشاهدي برامجه التحقيقية على قناة "السعيدة" مصدومين. الصحفي زكريا الكمالي وحده لم يفاجأ بوفاة زميله؛ وهو مازال يعيش صدمة سلب حمى الضنك أغلى ما يملك: لقد قتل هذا المرض زوجته (ربى) التي تدرس القانون في جامعة تعز، ووضع حدا لحياة لم يستمر عسلها سوى ثمانية أشهر. إذا كان "نجيب" و"ربى" وهما القريبان من الصحافة ضحيتين متتاليتين ل"حمى الضنك" فكم قتل وأصاب هذا المرض من بقية الأسر في تعز التي لا تعرف الصحافة بيوتهم وقراهم؟
هذه زوجة المواطن عبد الرزاق ضحت من أجل زوجها الذي أصيب بأعراض الحمى. يقول أحد أقرباء الأسرة: "لم تكن تعرف أن المرض يتصيدها، فكانت قلقة على زوجها المصاب، وجلست إلى جواره تمارضه، وهي خائفة عليه، لكن الأجل اختارها ضحية لحمى الضنك، فمرضت وماتت، فيما شفي زوجها".‏
‏"الشقيري" مواطن آخر أصابه فيروس حمى الضنك قبل زفافه بيومين، فاضطر يوم الزفاف أن يذهب لصالة الأعراس التي كان قد حجزها قبل أشهر، ولم يصطحب عروسه إلى البيت، بل إلى سرير المستشفى ليكمل العلاج.
‏ منذ العام 1994م حل بعوض صامت، لا طنين له، وليس لهذا الضيف الثقيل مهمة سوى نقل فيروس حمى الضنك بين الناس. عندها بدأت الجائحة تنتشر في محافظة تعز التي اختار أن يعيش حياة استقرار لا ضيافة فيها.‏
أثار المرض وضحاياه الرعب والفزع في أوساط الناس، ومنذ ذلك التأريخ لم تكن هناك استراتيجية لمكافحة المرض أو البعوض الناقل له، أو حتى توعية بطرق السلامة من العدوى.
** عناء وألم لم يستثن الأطباء‏
اليوم، برغم الخلاف حول حجم الإصابات والوفيات، إلا أن الجميع متفق أن المرض استوطن تعز واستباحها في غفلة من الجهات المعنية وأن خطره يتعاظم مع مرور الأيام.
يقول أحد أبناء تعز: "لو أن الجهات المعنية تدخلت مبكرا لكان الأمر أهون علينا مما نحن فيه، فنحن نجهل المرض وأسبابه والبيئة التي يتكاثر فيها ناقله والوقاية منه ولم نعرف أنه حمى الضنك إلا في وقت متأخر".‏
يؤكد المواطن سعيد محمد أن ثلاثة من أبنائه أصيبوا ب"حمى الضنك"، ولم يكن أحد يعرف عن المرض: ‏"عانيت من تكاليف الفحوصات الطبية التي كان يطلبها مني الأطباء، فكان أحدهم يقول بداية حمى الضنك والآخر يقول لا وجود لها، وصرف الأطباء مضادات حيوية ومسكنات فاقمت من عدم ظهور الفيروس في نتائج الفحوصات".‏
يشير سعيد إلى أن المدينة تعج بالمستنقعات، وأن المجاري قد طفحت. ويقول: "لم تأتينا حملة الرش إلا بعد استفحال المرض".
‏ المواطن محمد أحمد، هو الآخر أصيب مع أحد أبنائه بحمى الضنك، يقول: "كان المرض علي شديد الوطأة، وكنت أشعر بآلام كبيرة في الرأس، حتى تخيلت أنه سينفجر، وشعرت بحمى لم أشعر بها من قبل".
يضيف: "هناك إهمال من قبل وزارة الصحة وبعض الجهات ذات العلاقة بالبيئة، ولا توجد نظافة في تعز وهو ما أدى إلى انتشار البعوض والمرض".
‏ "علي ناصر" طبيب مخبري أصيب بالعدوى، يتذكر هنا معاناته مع المرض وكيف تضاعفت تلك المعاناة بعد معاناته من الأطباء والمستشفيات.
‏ يقول: "أصبت بحمى شديدة، وألم في الرأس، وبعد أن لازمت الفراش نقلت إلى أحد المستشفيات، ومنه إلى مستشفى ثاني وثالث، وكل منهم يطلب مني فحوصات، حتى أدى ذلك إلى هبوط حاد في عدد الصفائح الدموية، ولم تستقر حالتي إلا بعد نقل صفائح دموية إضافية".
‏ ويدعو هذا الطبيب زملائه الأطباء والقائمين على المستشفيات إلى "الرفق بالمريض وألا يزيدوا أعبائه فوق أعباء المرض وأن يتفهموا حالته الصحية والاقتصادية".‏
** بين التستر والتهويل‏
يكشف هنا الدكتور سمير سفيان، مدير مستشفى الروضة عن حجم الكارثة، ويؤكد استقبال المستشفيات العامة والخاصة لمعظم الحالات المصابة بحمى الضنك.
‏ يقول: "نحن كغيرنا من المستشفيات العامة والخاصة قمنا بواجبنا واستقبلنا العديد من الحالات سواء المصابة بحمى الضنك أو الحالات التي تعاني من أمراض مصاحبة لهذا لمرض، وقد كنا نستقبل أكثر من مائة حالة يوميا، وقد لا تكون كلها مصابة بحمى الضنك وإنما هناك حالات مشتبهة، ولم ترقد سوى 72 حالة ممن تم التأكد بإصابتها وأعطيناهم صفائح دموية، خاصة وأن المصاب تنزل عدد الصفائح الدموية لديه إلى أقل من 60 ألف وحدة، وكل تلك الحالات تماثلت للشفاء".
‏ وحول الإمكانيات يعترف الدكتور سفيان أنه لا توجد أجهزة متطورة للفحص، لكنه يقول: "نقوم بالفحوصات من خلال الشرائح الخاصة مثل (إن. تي. جي"، و"إن. تي. بودي"، ومن خلالها يتم التأكد من حمى الضنك في الأيام الأولى، وكنا نقدم فحوصات "الدانجو" وكانت كل حالة تتابع إلى أن توصل إلى آخر مرحلة فيتم التأكد من أنها مصابة بحمى الضنك".
‏ وحول الوفيات يشير مدير مستشفى الروضة إلى أنها حصلت مع انتشار المرض، لكنه يستدرك قائلا: ‏"الوفاة قد تكون نتيجة لأمراض مصاحبة".
‏ ويقدر عدد الوفيات، التي كما يقول إنها تماشت أمراضها مع حالة انتشار حمى الضنك ووصلت المستشفى بسبع حالات فقط، وهناك حالات وفاة مشابهة في المستشفيات الأخرى.
‏ وينتقد الدكتور سفيان محاولات التستر على ضحايا المرض، وكذلك المكايدات بهؤلاء المرضى. ويقول: "لا أفهم سبب التستر، فحالات الوفاة واردة في هذا المرض كبقية الأمراض وهو قضاء وقدر".
‏ ويشير إلى أن هناك قاعدة علمية تؤكد أن نسبة الوفيات في حمى الضنك بين الواحد أو الاثنين في الألف، "وهذا يعني أنه إذا كان لدينا ألف حالة على الأقل تكون الوفيات حالة أو حالتين".
‏ ويضيف: "كلنا مسؤولون عن المجتمع بكل شرائحه وليس مكتب الصحة وحده المسؤول في التصدي لهذه الظاهرة أو لهذا المرض، فالهم هم الجميع، فليس من مصلحتنا التقليل من حجم الإصابات والوفيات وليس من مصلحتنا التهويل في حجم الإصابات والوفيات".
‏ أما المدير الفني لمستشفى الصفوة، الدكتور عبد الرحمن سعيد، فهو الآخر يؤكد استقبال المستشفى لمئات الحالات خلال الشهرين الماضيين، لكنه يشير إلى أن حالات الإصابة أصبحت نادرة في الشهر الأخير.‏
ويتوقع أن يكون ضحايا المرض الذين توفوا في محافظة تعز بالعشرات فقط ، ويقول: "عندنا في المستشفى مثلا وصلت الوفيات إلى ثلاث حالات".‏
ويوضح أن فيروس حمى الضنك يسبب مضاعفات تعمل على تحلل الصفائح الدموية، وتختلف من شخص لآخر على حسب المناعة. ويقول: "قد يسبب نزيفا أو فشلا في الجهاز التنفسي، ولذلك فالأعراض قد تكون شديدة أو خفيفة، وقد تؤدي للوفاة، وقد يشفى المريض".
‏ وحول تشخيص الحالات المرضية يقول المدير الفني لمستشفى الصفوة: "يتم عن طريق الفحوصات المختبرية وهناك أجهزة "الاليزا" وهناك ما يسمى ‏"اللاتكس"، وهذه عبارة عن شرائح حساسيتها تصل إلى 98 بالمائة مجربة دوليا ومعمول بها من قبل منظمة الصحة العالمية، وهي من إنتاج شركات أوربية وأميركية، فإما أن نعترف بها، وإما ألا نستوردها إذا كان هناك شك في نتائجها".‏
** محافظة منكوبة
يقول أمين عام نقابة المهن الصحية، عبد الجليل الزريقي: "المرض لم يكن جديدا، ولو كان التدخل مبكرا في العام 1994 لكان الوضع غير ما هو عليه اليوم، فالمرض الآن منتشر بشكل مخيف، وهناك قصور في جهود المكافحة".
‏ وعن الضحايا يقول: "عدد الإصابات تجاوز 100 ألف حالة، توفي منهم ما يقارب 50 حالة، وهناك سبعة أطباء أصيبوا توفي واحد منهم".
وعن التصريحات الرسمية المعلنة التي تقول إن حالات الإصابة لا تتجاوز 950 إصابة ولا توجد سوى حالة وفاة واحدة، يقول: "في محافظة تعز ‏45 مستشفى عاما وخاصا و400 عيادة خاصة و122 مركزا صحيا والسلطات المحلية والجهات الرسمية لم تعتمد أية إحصائيات من قبل تلك المستشفيات والعيادات، بل تعتمد الحالات التي تأتي إلى المختبر المركزي بالمستشفى الجمهوري، وهي قليلة جدا ونحن استقينا معلوماتنا من الزملاء في تلك المستشفيات والعيادات والمراكز".
ويتهم الزريقي السلطة المحلية بالتعتيم، ويقول: ‏"خلافا للواقع فالمحافظة منكوبة بالمرض، ولا توجد مكافحة بالشكل الصحيح، وهناك حملة رش لكنها جاءت متأخرة، ولم تغط حتى كل البيئة الموبوءة".‏
** منظمات المجتمع.. دور قاصر
معروف أن منظمات المجتمع المدني هي الشريك والمكمل للجهد الرسمي في كل القضايا التي تهم المجتمع، وكون وباء حمى الضنك من أكثر القضايا التي تهم شريحة واسعة من أبناء اليمن، فإن بعض منظمات المجتمع المدني حاولت الحضور في هذا الجانب، لكن المسؤولين يقولون إنها غائبة، وقاصرة في رسالتها.‏
ومن مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، يقول حميد خالد: "لم نكن غائبين ولم يطلب منا أحد المساهمة، ويفترض أن يكون هناك تنسيق بين مختلف منظمات المجتمع المدني بعيدا عن العشوائية، ومع ذلك نحن على استعداد للقيام بما يطلب منا في المساعدة لمكافحة هذا المرض والتعاون مع أية جهة، خاصة وأن المرض استوطن المدينة وأثار الخوف والهلع في أوساط الناس".
ويضيف: "نحن بصدد عمل دورة توعوية بالمرض ونستهدف من خلالها طلاب الجامعات كونهم الأقدر في توصيل الرسالة إلى أكبر قدر من الناس، إضافة إلى أن هناك لجنة شعبية مدعومة من المركز ستقوم بجمع مائة ألف توقيع من أجل الضغط على السلطات المحلية للقيام بواجبها في التصدي لهذا المرض وتنظيف البيئة بشكل يؤدي للقضاء على كل أسباب استيطان المرض ومن بينها حل أزمة مياه تعز، التي أعتبرها السبب الرئيسي في تجمع البعوض الناقل لحمى الضنك".
‏ أما مدير فرع جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية بتعز الدكتور علي عبد الرب فيقول: "إن دور منظمات المجتمع المدني ليس غائبا عن مواجهة احتياجات المجتمع ومعالجة إشكالاته المختلفة، ونحن في جمعية الإصلاح نعيش فكرة مكافحة حمى الضنك منذ وقت مبكر، العام 2006، حيث قمنا بتجهيز حملة متكاملة للرش والمعالجة وصرف الأدوية، وإحراق إطارات السيارات المتجمعة فوق أسطح المنازل والأزقة بمدينة الراهدة إضافة إلى حملة توعوية متكاملة استهدفنا المساجد والمدارس من خلالها، واستطعنا بفضل متطوعين أن نساهم بجزء متواضع في التوعية في عدد من المديريات في إطار حملات الجمعية التوعوية المختلفة في الرعاية الصحية الأولية، وحاليا قمنا بتجهيز حملة توعوية استهدفنا من خلالها مختلف المساجد والمدارس والأندية بمديريات القاهرة والمظفر وصالة، داخل المدينة، بالتنسيق مع مكتب الصحة والسكان بالمحافظة".
‏ ويقول رئيس جمعية الحكمة اليمانية الخيرية في تعز، نصر بن سالم المقطري، عن أداء الجمعية: ‏"قمنا بجهد متواضع في التوعية بمخاطر هذا المرض على مستوى المساجد التابعة للجمعية، فقد عملنا تعميما لكل الخطباء في التوعية بأهمية تضافر الجهود في المكافحة والوقاية من المرض، وهو بدافع ذاتي دون التنسيق مع الجهات المختصة؛ لأنه لم يتم التواصل معنا بهذا الشأن، ولو كان هناك تواصل وتنسيق بين الجهات ذات العلاقة ومنظمات المجتمع المدني لكان التأثير أكبر من هذا والفائدة أعم وأشمل".
‏ ويضيف: "نحن على استعداد تام للقيام بكل ما يطلب منا في هذا الشأن الذي نعتبره واجبا علينا المساهمة فيه، ونحن مستمرون في التوعية من خلال المحاضرات الدينية في المساجد وفي حلقات الدروس والندوات التي ننظمها بين الحين والآخر في المساجد التابعة للجمعية".‏
** استراتيجية للقضاء على المرض
حول آلية عمل وزارة الصحة في التصدي لمرض حمى الضنك، في ظل فقر المستشفيات الحكومية لأجهزة حديثة قادرة على الفحص والتشخيص، يقول وكيل وزارة الصحة لقطاع التخطيط والتنمية الصحية الدكتور جمال ثابت ناشر: "الوزارة تعمل بالمشاركة مع مكتب الصحة بالمحافظة في الحد من انتشار المرض، وبمعالجة أية حالات، بالإضافة إلى مساعدة المكتب لإيجاد الوسائل التشخيصية المناسبة لمعرفة مرض حمى الضنك".
‏ ويضيف: "إن شاء الله سيتم خلال الأيام القادمة توفير تلك الأجهزة من قبل الحكومة".
‏ من جهته يشير وكيل المحافظة للشؤون الفنية والبيئة، المهندس عبد القادر حاتم، إلى أن المحافظة تبنت إستراتيجية خاصة لمكافحة حمى الضنك. ويقول: "القضية استنفرت كل الجهود للجهات ذات العلاقة في عملية المكافحة التي تبناها مكتب الصحة، ونحن بدورنا قمنا مع مكتب الصحة بإعداد استراتيجية خاصة استوعبت مهام كل الجهات ذات العلاقة، لأن المكافحة ليست من مهام مكتب الصحة لوحده فهناك الكثير من الجهات لها علاقة بالموضوع".
‏ وعن الاستراتيجية يقول: "الاستراتيجية تهدف للقضاء على بيئة تواجد البعوض الناقل لحمى الضنك، وذلك بالقضاء على الأسباب التي أدت إلى استيطان البعوض وهي كثيرة في مقدمتها السلوك الشخصي للمواطنين عند تخزين المياه الناتج عن أزمة المياه التي تعاني منها المدينة، الأمر الذي جعل الناس يخزنون المياه في مختلف الأواني دون مراعاة الإغلاق المحكم لتلك الأواني، حيث أن البعوض يجدها بيئة مناسبة للتكاثر، إلى جانب ما تزخر به المدينة والمنازل من مخلفات الورش وهياكل السيارات وإطارات السيارات الموجودة في كل مكان بما فيها أسطح المنازل".
‏ ويضيف: "ولذلك فالاستراتيجية تنقسم إلى شقين: الأول خاص بحل أزمة المياه، والثاني خاص بتنظيف البيئة من كل المخلفات التي تشكل بؤر لتجمع البعوض الناقل لحمى الضنك مع حملات التوعية بمخاطر المرض وأماكن تواجده وكيفية الوقاية منه".
‏ وحول التنفيذ يقول: "بفضل جهود الأخ المحافظ في توصيل القضية إلى مجلس الوزراء والى مجلس النواب وتبنيهما للقضية الأمر الذي مكننا من البدء بتنفيذها حيث بدأنا بالفعل بعملية التنظيف للبيئة بالتخلص من إطارات وهياكل السيارات ومخلفات ورش إصلاح الغسالات والثلاجات، إضافة إلى القمامة، وهناك حملات رش رذاذي وضبابي على مستوى المنازل والعمل جار بحيث لن يأتي موسم الأمطار إلا والبيئة نظيفة من كل تلك المخلفات".
وعن التوعية يؤكد أن هناك العديد من اللقاءات التوعوية التي قام بتنفيذها مكتب الصحة وشملت مختلف الجهات ذات العلاقة وبخاصة الأوقاف والصحافة والإعلام والتربية والتعليم والمجالس المحلية وعقال الحارات".‏
أما عن أزمة المياه المستفحلة فيقول المهندس حاتم: ‏"هناك توجيهات من قبل الأخ الرئيس علي عبد الله صالح قد صدرت باعتماد مبلغ 300 مليون دولار لمشروع تحلية مياه البحر والبدء بمد الأنبوب الناقل للمياه من المخاء إلى تعز، وسوف تعلن المناقصة لهذا المشروع في القريب العاجل وهذا سيشكل نقلة نوعية كبيرة في القضاء على حمى الضنك وتطهير تعز من هذا الوباء".‏
** الكباب: حمى الضنك استوطن تعز وأزمة المياه السبب الرئيسي
هنا يوضح مدير عام مكتب الصحة والسكان، الدكتور عبد الناصر الكباب، صورة محافظة تعز وهي تعيش المخاوف مع فيروس حمى الضنك.‏
‏* متى بدأ مرض حمى الضنك في الظهور بتعز؟
‏- أول ظهور للمرض كان في العام 1994 بإصابة واحدة مؤكدة، وتزامن مع ظهوره بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، ثم عاد في العام 2007 وسجلت 220 إصابة مؤكدة وفي العام 2008 كان عدد الإصابات المؤكدة 360 حالة، وفي العام ‏2009 ظهرت بشراسة وأثارت الهلع بالفعل ووصل عدد الإصابات المؤكدة حتى الآن إلى 906 حالات.‏
‏* هل فعلا وصل عدد الوفيات إلى خمسين حالة؟
‏- فيما يتعلق بالوفيات هناك تهويل من قبل بعض الصحف، وأنا أؤكد أنه لا توجد حالة وفاة واحدة بسبب حمى الضنك، وهذا ليس معناه أنه لا توجد وفيات بل قد تكون هناك وفيات حدثت سواء في المنازل أو في مستشفيات خاصة وقد تكون بسبب المرض أو بسبب أمراض مصاحبة.‏
‏* ما هي الإجراءات التي تتبعونها لمعرفة الإحصائيات الحقيقية؟‏
‏- قمنا بتوزيع استمارتين على كل مستشفى عام أو خاص واحدة مخصصة للتبليغ عن أي إصابة وصلت إلى المستشفى وأخرى خاصة بالتبليغ عن أي حالة وفاة حدثت سواء بسبب الضنك أو بسبب أمراض مصاحبة، كما حدث للدكتور الدميني قبل عامين تقريبا، وعلى ضوء ذلك لم نتلق أي بلاغ أو شهادة وفاة من أي مستشفى عام أو خاص بأي حالة وفاة حدثت بسبب الضنك أو بسبب أمراض مصاحبة، ونحن لا نخفي وليس من مصلحتنا ذلك، بل على العكس، عند حدوث وفيات سيكون هناك استنفار وتدخل سريع من مختلف الجهات.
‏* كيف يتم معرف الحالة المصابة؟
‏- لا يوجد في تعز سوى ثلاثة أجهزة "اليزا" لفحص الضنك واحد في المختبر المركزي والآخرين لدى مختبرين أهليين، ونحن لا نعتمد أية نتائج تأتينا من جهة لا تمتلك هذه الأجهزة، وبالتالي فالمستشفيات الخاصة لا تستطيع التبليغ عن وفيات وهي لا تملك الأجهزة الخاصة بالفحص.‏
‏* باعتقادك ما هي الأسباب التي أدت إلى استيطان المرض وانتشاره؟
‏- هناك الكثير من الأسباب، ولكن السبب الرئيسي بالدرجة الأولى أزمة المياه التي تعاني منها مدينة تعز، ذلك أن الأزمة أدت إلى أن الناس يقومون بتخزين المياه في مختلف الأواني المتوفرة لديهم ومعظمها مكشوفة أو غير جيدة الإغلاق والبعوض الناقل لهذا المرض يعيش في المياه النظيفة الراكدة وليس في المستنقعات كما يعتقد الكثيرون، وهذا يعني أن البيئة الأولى له هي المنزل بسبب التخزين الخاطئ للمياه. أما البيئة الثانية له خارج المنازل أينما وجدت المياه، إضافة إلى العديد من الأسباب مثل إطارات السيارات الموجودة في كل مكان وحتى في أسطح المنازل والتي وصل عددها إلى أكثر من نصف مليون إطار حسب بعض الدراسات وهي بحد ذاتها تشكل بؤرة لإنتاج البعوض الناقل نتيجة وجود المياه فيها سواء مياه الأمطار أو غيرها، وكذلك هناك مخلفات ورش السيارات وورش الغسالات والتكييف والتبريد، وكذا السواق الحراج الخاصة بالخردوات المعدنية والبلاستيكية والصفائح والقوارير الموجودة في مختلف القمامات وكلها بيئة صالحة لتجمع البعوض الناقل.‏
‏* ما هي الإجراءات التي اتخذتموها في المكتب لمواجهة هذه الجائحة؟
‏- قمنا بتشكيل غرفة عمليات لمتابعة كل جديد والتواصل مع مختلف الجهات ذات العلاقة، وركزنا أولا على التوعية، باعتبار أن الوقاية تعتمد على التوعية بأسباب انتقال العدوى والبيئة التي يعيش فيها، ومن ثم تغيير السلوك الشخصي في التعامل مع تخزين المياه، وفي هذا الإطار قمنا بتوزيع البروشورات التوعوية على مختلف المدارس والمساجد وكذا عقدنا الكثير من اللقاءات مع مختلف الشرائح الاجتماعية في الأوقاف والمجالس المحلية ومدراء المدارس وعقال الحارات وغيرها، وهذا هو الأساس في المكافحة إضافة إلى قيامنا بحملات رش رذاذي وضبابي من منزل إلى منزل على مستوى مديريات المدينة الثلاث، وهذه لا تقضي إلا على البعوض الطائر بينما البيض تبقى وتفقس وتتحول إلى بعوض أي أن الرش لا يتعدى 10 بالمائة من عملية المكافحة.‏
‏* يعتقد الكثيرون أن تحرككم الوقائي جاء متأخرا بعد 15 عاما من ظهور أول حالة؟
‏- في البداية لم يتم التحرك بالشكل المطلوب، وكان هناك تراخٍ من قبل الجميع حتى وصل الحال إلى ما هو عليه اليوم، وكون عملية المكافحة ليست خاصة بالمكتب، بل مرتبطة بالعديد من الجهات ذات العلاقة ابتداء من الجهات ذات العلاقة بأزمة المياه والأشغال والنظافة والتحسين ومن ثم ذات العلاقة بالتوعية مثل الصحافة والإعلام والأوقاف والتربية والتعليم والمجالس المحلية، ويجب أن تؤدي كل جهة دورها، ما لم فالمشكلة ستظل قائمة.‏
‏* هل نستطيع أن نقول إن تعز موبوءة بمرض حمى الضنك؟ وأين الإمكانيات التي تتلاءم مع محافظة ذات كثافة سكانية مثل هذه المحافظة؟
‏- تعز ليست موبوءة، والصحيح أن المرض مستوطن فيها وعدم وجود الأجهزة أمر مؤسف بالفعل وهي ضرورية جدا، ونحن ليست لدينا الإمكانيات الكافية لتوفيرها كونها غالية جدا، وبعد أن وصلت القضية إلى مجلس النواب ومجلس الوزراء صدرت توجيهات الأخ الرئيس بتوفير تلك الأجهزة وبصفة مستعجلة حيث سيتم خلال هذا الشهر شراء تلك الأجهزة ودون المرور بالإجراءات المتبعة نظرا للحاجة الماسة إليها حيث سيتم شراء أربعة أجهزة "اليزا" خاصة بالتعرف على حمى الضنك وأربعة أجهزة خاصة بفصل صفائح الدم وجهاز آخر خاص بالتعرف على نوعية الفيروس المسبب للمرض وهذا سيكون له دور كبير جدا.‏
‏* لماذا لا تتواصلون مع منظمات المجتمع المدني؟
‏- الحقيقة فإن دور منظمات المجتمع المدني غائب جدا وليس له حضور ماعدا القليل، فبرغم دعوتنا المتكررة لهم على اعتبار أن القضية تهم الجميع والمسؤولية تكاملية، لكن للأسف لا توجد أية إسهامات.
‏* هل هناك استراتيجية تجعل هناك تأريخ لإعلان تعز خالية من هذا المرض؟
‏- لن يتم هذا الإعلان إلا بعمل جاد وتضافر كل الجهود في القضاء على بؤر تواجد البعوض الناقل والقضاء على البيئة التي يتواجد فيها، والبداية تبدأ من البيئة الداخلية وهي المنزل وهذا طبعا مرتبط بحل أزمة مياه تعز بدرجة أساسية.‏
** حمى الضنك.. حقائق وأرقام عالمية
*الحقائق الرئيسية
حمى الضنك من أنواع العدوى المنقولة بالبعوض وهي تتسبّب في مرض وخيم يشبه الإنفلونزا وتتسبّب، أحياناً، في حدوث مضاعفة قد تؤدي إلى الوفاة تُدعى حمى الضنك النزفية.
لقد شهدت معدلات وقوع حمى الضنك زيادة هائلة في العقود الأخيرة، و أصبح خُمسا سكان العالم معرّضين لمخاطر الإصابة بهذا المرض.
تنتشر حمى الضنك في المناخات المدارية وشبه المدارية في شتى أنحاء العالم، وفي المناطق الحضرية وشبه الحضرية بالدرجة الأولى.
حمى الضنك النزفية من أهمّ الأسباب الكامنة وراء إصابة الأطفال بحالات مرضية وخيمة ووفاتهم في بعض البلدان الآسيوية.
لا يوجد علاج محدّد ضدّ حمى الضنك، غير أنّ خدمات الرعاية الطبية المناسبة كفيلة، في غالب الأحيان، بإنقاذ أرواح المصابين بالنوع النزفي الوخيم. السبيل الوحيد إلى توقي سراية فيروس حمى الضنك هو مكافحة البعوض الحامل للمرض.
تعد حمى الضنك من أنواع العدوى المنقولة بالبعوض والتي أصبحت تشكّل، في العقود الأخيرة، قلقاً كبيراً من زاوية الصحة العمومية على الصعيد الدولي. وتنتشر حمى الضنك في المناخات المدارية وشبه المدارية في شتى أنحاء العالم، وفي المناطق الحضرية وشبه الحضرية بالدرجة الأولى.
تم الكشف، لأوّل مرّة، عن حمى الضنك النزفية، وهي مضاعفة قد تؤدي إلى وفاة من يتعرّض لها، في الخمسينات خلال أوبئة هذا المرض التي ألمّت بالفلبين وتايلاند. أمّا اليوم فقد بات المرض منتشراً في معظم البلدان الآسيوية وأصبح من أهمّ أسباب دخول أطفال تلك البلدان إلى المستشفى ووفاتهم.
تنجم حمى الضنك عن أربعة فيروسات منفصلة يوجد بينها ترابط وثيق. والشفاء من العدوى التي يسبّبها أحد تلك الفيروسات يوفّر مناعة ضدّ ذلك الفيروس تدوم مدى الحياة، غير أنّه لا يوفّر إلاّ حماية جزئية وعابرة ضدّ العدوى التي قد تظهر لاحقاً بسبب الفيروسات الثلاثة الأخرى، وهناك بيّنات دامغة على أنّ التعرّض لعدوى حمى الضنك بشكل متكرّر يزيد من خطر الإصابة بحمى الضنك النزفية.
** عبء حمى الضنك العالمي
لقد شهدت معدلات وقوع حمى الضنك زيادة هائلة في شتى ربوع العالم في العقود الأخيرة. فقد أصبح ‏5ر2 مليار نسمة -خمسا سكان العالم تقريباً- معرّضين لمخاطر الإصابة بهذا المرض. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية، حالياً، إلى احتمال وقوع 50 مليون من إصابات حمى الضنك كل عام في جميع أنحاء العالم.
وقد شهد عام 2007 وحده وقوع 890 ألف حالة أُبلغ عنها في إقليم الأميركيتين، علماً بأنّ 26 ألف حالة منها كانت من حالات حمى الضنك النزفية.
لقد أصبح المرض متوطناً في أكثر من 100 بلد في أفريقيا والأميركتين وشرق المتوسط وجنوب شرق آسيا وغرب المحيط الهادئ، علماً بأنّ إقليمي جنوب شرق آسيا وغرب المحيط الهادئ هما أشدّ الأقاليم تضرّراً من المرض.
ولم تشهد إلاّ تسعة بلدان، قبل عام 1970، وقوع أوبئة حمى الضنك النزفية، وقد ارتفع ذلك العدد بأكثر من أربعة أضعاف بحلول عام 1995.
وانتشار المرض في مناطق جديدة لا يرافقه ارتفاع في عدد الحالات فحسب، بل كذلك حدوث فاشيات مدمّرة. فقد أبلغت فنزويلا، في عام 2007، عن وقوع أكثر من 80 ألف حالة منها ما يزيد على 6 ألف حالة من حمى الضنك النزفية.
فخلال وقوع أوبئة حمى الضنك كثيراً ما تبلغ معدلات الإصابة بعدوى حمى الضنك بين أولئك الذين لم يتعرّضوا للفيروس من قبل 40 بالمائة إلى ‏50 بالمائة، ولكنّها قد تبلغ 80 بالمائة إلى 90 بالمائة في بعض الأحيان.
ينبغي إحالة نحو 500 ألف من المصابين بحمى الضنك النزفية إلى المستشفيات كل عام، علماً بأنّ عدداً كبيراً من أولئك المرضى هم من الأطفال.
بالملاحظة فإن 2.5 بالمائة من المصابين يقضون نحبهم في آخر المطاف، ويمكن أن تتجاوز معدلات إماتة حالات حمى الضنك النزفية 20 بالمائة إذا لم يتلق المصابون العلاج المناسب. وتوسيع فرص الحصول على خدمات الرعاية الطبية من قبل العاملين الصحيين ممّن لهم دراية بذلك المرض -‏الأطباء والممرضون القادرون على التفطّن لأعراضه وعلاج آثاره- من الأمور التي تسهم في تخفيض معدلات الوفيات إلى أقلّ من 1 بالمائة.
يُعزى انتشار حمى الضنك إلى اتسّاع النطاق الجغرافي للفيروسات الأربعة المسبّبة للمرض ونواقلها من البعوض، علماً بأنّ الزاعجة المصرية التي تنتشر في المناطق الحضرية تمثّل أهمّ أنواع تلك النواقل.
ويؤدي ارتفاع عدد أسراب البعوض في المناطق الحضرية إلى زيادة أعداد الناس الذين يتعرّضون لتلك النواقل، لاسيما في الأماكن الملائمة لتكاثرها، مثل الأماكن التي يكثر فيها تخزين المياه وتنقصها خدمات التخلّص من النفايات الصلبة.
** سراية المرض
تنتقل فيروسات حمى الضنك إلى الإنسان عن طريق لدغة بعوضة من جنس الزاعجة تحمل تلك الفيروسات. ويكتسب البعوض الفيروس، عادة، عندما يمتصّ دم أحد المصابين بالعدوى.‏
وبعد مرور فترة الحضانة التي تدوم 8 إلى 10 أيام يصبح الفيروس قادراً، أثناء لدغ الناس وامتصاص دمائهم، على نقل الفيروس طيلة حياته.
وقد تنقل البعوضة الفيروس أيضاً إلى نسلها عن طريق (البيض)، غير أنّ الدور الذي يؤديه هذا النمط من أنماط سراية الفيروس في استمرار سراية العدوى من البعوض إلى البشر ما زال من الأمور التي لم تُحدّد بعد.
ويمثّل البشر الفئة الرئيسية التي تحمل الفيروس وتسهم في تكاثره، إذ تؤدي دور مصدر الفيروس بالنسبة للبعوض غير الحامل له.
‏ ويدور الفيروس في دم المصابين به طيلة يومين إلى سبعة أيام، وذلك يوافق، تقريباً، ظهور أعراض الحمى عليهم؛ وقد يكتسب البعوض من جنس الزاعجة الفيروس عندما يمتصّ دم أحد المصابين به خلال تلك الفترة.
وقد بيّنت بعض الدراسات أنّ النسانيس تؤدي، في بعض المناطق من العالم، دوراً مماثلاً في سراية الفيروس.
** خصائص المرض
حمى الضنك مرض وخيم يشبه الإنفلونزا ويصيب الرضّع وصغار الأطفال والبالغين، ولكنّه قلّما يؤدي إلى الوفاة.
وتختلف السمات السريرية لحمى الضنك وفق عمر المريض، فقد يُصاب الرضّع وصغار الأطفال بالحمى والطفح.
أمّا الأطفال الأكبر سنّاً والبالغين فقد يُصابون بحمى خفيفة أو بالمرض الموهن المألوف الذي يظهر بشكل مفاجئ ويتسبّب في حمى شديدة وصداع حاد وألم وراء العينين وألم في العضل والمفاصل وطفح.
أما حمى الضنك النزفية فهي مضاعفة قد تؤدي إلى الوفاة ومن خصائصها الحمى الشديدة، مع تضخّم الكبد في كثير من الأحيان، وقصور دوراني في الحالات الوخيمة.
يبدأ المرض، في غالب الأحيان، بارتفاع مفاجئ في حرارة الجسم مصحوب ببيغ وجهي وغير ذلك من الأعراض المشابهة لأعراض الإنفلونزا، وتستمر الحمى، عادة، يومين إلى سبعة أيام ويمكنها بلوغ ‏41 درجة سلسيوز، مع احتمال ظهور حالات اختلاج ومضاعفات أخرى.
وفي الحالات المعتدلة تخفّ جميع العلامات والأعراض بعد اختفاء الحمى. أمّا في الحالات الوخيمة فإنّ حالة المريض قد تتدهور فجأة بعد تعرّضه للحمى طيلة بضعة أيام؛ ويُلاحظ هبوط في درجة حرارة الجسم تتبعه علامات القصور الدوراني ممّا قد يؤدي، بسرعة، إلى إصابة المريض بصدمة حرجة ووفاته في غضون 12 إلى ‏24 ساعة، أو إلى شفائه بسرعة بعد إعطائه العلاج الطبي الملائم.
** العلاج .. لا يوجد علاج محدّد ضدّ حمى الضنك.‏
تمكّن خدمات الرعاية الطبية التي يقدمها الأطباء والممرضون من ذوي الخبرة في التفطّن لآثار مضاعفات حمى الضنك النزفية وتطوّرها من إنقاذ الأرواح في غالب الأحيان- فهي تمكّن من خفض معدلات الوفيات من نسبة تزيد على 20 بالمائة إلى أقلّ من 1 بالمائة. ومن الأمور الأساسية لعلاج المصابين بحمى الضنك النزفية الحفاظ على حجم الدم الذي يدور في أجسامهم.
ولا يوجد بعد أيّ لقاح مرخّص لمكافحة حمى الضنك. واستحداث لقاحات ضدّ حمى الضنك ‏(الأشكال الخفيفة والوخيمة من المرض على حد سواء) من الأمور الصعبة، ذلك أنّ أيّا من فيروسات حمى الضنك الأربعة قادر على إحداث المرض، وبالتالي يجب على اللقاح ضمان الحماية من كل الفيروسات الأربعة، وذلك يعني أنّه لا بد أن يكون رباعي التكافؤ.
كما أنّ انعدام النماذج الحيوانية المناسبة ونقص المعلومات عن باثولوجيا المرض وأنواع الاستجابة المناعية المسؤولة عن الحماية من الأمور التي تزيد من صعوبة استحداث لقاح ضد هذا المرض وتقييم لقاحاته المرشّحة سريرياً.
غير أنّ هناك تقدماً يُحرز في استحداث لقاحات قد تضمن الحماية ضد جميع الفيروسات الأربعة المسبّبة للمرض. فقد تم المضي قدماً بلقاحين مرشّحين والوصول بهما إلى مرحلة التقييم في البلدان التي يتوطنها المرض، وهناك عدة لقاحات مرشّحة أخرى هي الآن في مراحل الاستحداث الأولى. وتسهم مبادرة منظمة الصحة العالمية لبحوث اللقاحات في دعم استحداث لقاحات حمى الضنك وتقييمها من خلال توفير ما يلزم من مشورة تقنية وتوجيهات، مثل قياس المناعة التي تتيحها اللقاحات واختبار اللقاحات في الأماكن التي يتوطنها المرض.
** توقي المرض ومكافحته
تتمثّل الوسيلة الوحيدة لمكافحة أو توقي سراية فيروس حمى الضنك، حالياً، في مكافحة البعوض الحامل للمرض.
وفي آسيا والأميركتين تتكاثر الزاعجة المصرية، أساساً، في الحاويات الاصطناعية، مثل الأوعية الفخارية والبراميل المعدنية والصهاريج الإسمنتية التي تُستخدم لتخزين المياه في البيوت، فضلاً عن الأكياس البلاستيكية التي تحتوي على الفضلات الغذائية وأُطر العجلات المُستعملة وغيرها من المواد التي تحتفظ بمياه الأمطار.‏
‏ كما يتكاثر البعوض، على نطاق واسع في أفريقيا، في الموائل الطبيعية مثل ثقوب الأشجار والأوراق المتداخلة على شكل "أكواب" تتراكم فيها المياه.
وقد شهدت الأعوام الأخيرة استقرار الزاعجة المنقّطة بالأبيض، وهي نوع آخر من أنواع البعوض الحامل لحمى الضنك في آسيا، في الولايات المتحدة الأميركية وعدة بلدان من بلدان أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وبعض المناطق من أفريقيا وأوربا.
ويُعزى انتشار هذا النوع بسرعة، إلى حد كبير، إلى المتاجرة بأُطر العجلات المُستعملة على الصعيد الدولي، علماً بأنّ تلك الأُطر تمثّل أحد موائل تكاثر البعوض. وتجري مكافحة النواقل باستخدام أساليب الإدارة البيئية وأساليب كيميائية. ومن الأساليب التي تشجّع البرامج المجتمعية على اتّباعها التخلّص من النفايات الصلبة بطرق مناسبة وتحسين ممارسات تخزين المياه، بما في ذلك تغطية الحاويات للحيلولة دون إلقاء البعوض ببيضه فيها.
وتسهم عملية رشّ مبيدات الحشرات المناسبة في موائل اليرقات، لاسيما الموائل المفيدة بالنسبة لسكان البيت، مثل أواني تخزين المياه، في الوقاية من تكاثر البعوض لعدة أسابيع، ولكن يجب تكرار هذه العملية بشكل دوري. وقد تم أيضاً استخدام بعض آكلات البعوض من السمكات الصغيرة ومجدافيات الأرجل (نوع من القشريات) بنجاح نسبي.
ويمكن، خلال الفاشيات، أن تشمل التدابير الطارئة لمكافحة النواقل رشّ مبيدات الحشرات على نطاق واسع باستخدام أجهزة محمولة أو موضوعة على شاحنات أو حتى على طائرات. غير أنّ الآثار مؤقتة ومتباينة الفعالية لأنّ قطيرات الضبائب المُستخدمة قد لا تتمكّن من الدخول إلى المباني وبلوغ الموائل الصغيرة التي تحتجز البعوض البالغ، كما أنّ العملية مكلّفة وصعبة من الناحية العملية.‏
‏ ولاختيار مبيدات الحشرات المناسبة لا بد من العمل، بانتظام، على رصد تأثّر النواقل من المبيدات المُستخدمة على نطاق واسع. كما يجب، إلى جانب جهود المكافحة، رصد أسراب البعوض الطبيعية وترصدها بغرض تحديد فعالية البرامج. ‏* عن ( منظمة الصحة العالمية)‏‎
إدارة التحقيقات الصحفية
[email protected]
صحيفة السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.