مع ارتفاع عدد الضحايا في القاهرة والعديد من المدن المصرية، إثر عملية فض اعتصام مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي في ميداني رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس الجاري، واستمرار اعمال العنف في مختلف المدن والتي تطورت في شبة جزيرة سيناء الى مقتل العشرات من افراد الجيش المصري، يجمع العديد من المراقبين ان مصر دخلت منعطفاً خطيرا، وانه اصبح جلياً بأن المصالحة والحوار، يمثلان الحل الامثل. وعلى الرغم من أن الأمن المصري قد إتخذ العديد من الإجراءات لإيقاف تدفق أنصار الرئيس المعزول، خاصة من اعضاء جماعة الاخوان المسلمين إلى القاهرة، إلا انهم ما زالوا مصرين على ما يبدو، على تنفيذ الاعتصامات والاحتشاد واقامة مسيرات في القاهرة والمحافظات حتى عودة الرئيس المعزول محمد مرسي الى رئاسة البلاد. وسط هذه التطورات يحذر العديد من المراقبين والمتابعين للشأن المصري من ان يتدهور الموقف الى المزيد من اعمال العنف وظهور جماعات متشددة في مناطق مختلفه في مصر كتلك التي ظهرت في سيناء، ما قد يقود إلى حرب داخلية أشبه بالحرب التي شهدتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي . ويؤكدون إن العملية الأمنية والتي لم تقابل سوى بالنقد من المجتمع الدولي الذي تتزايد شكوكه إزاء قدرة الحكومة الانتقالية على تهدئة الأوضاع في البلاد، لن تفضى الا إلى تعزيز شعور العداء وتعميق حالة الانقسام والاستقطاب التي يشهدها الشارع المصري. ويشددون على ان المصالحة الوطنية القائمة على التسامح، تمثل الحل الأمثل والوحيد لوقف إراقة دماء المصريين، وتصب في صميم مصلحة الأمة المصرية واستقرار المنطقة برمتها. ويرون ان المصالحة الوطنية والتي نادت بها مختلف الاطراف في الحكومة والمعارضة وعدد من الجهات، من بينها الازهر الشريف، لا يمكن أن تتحقق بمشاركة جانب واحد فقط، وانه ينبغي على جميع التيارات السياسية المصرية تجنب أخطاء الماضي والعودة إلى المسار السياسي السليم . ويشيرون إلى ان الطرفين المتصارعين، النظام الحاكم من ناحية وجماعة الإخوان المسلمين من ناحية أخرى، لم يبقى امامهم سوى الجلوس على طاولة الحوار، دون تصلب في الرأي أو الرؤى، وبدون وضع شروط تعجيزية لتحقيق المصالحة، بل بهدف تحقيق مصلحة البلد والذي اصبح أمنه الداخلي والخارجي يتعرض للخطر. كما يؤكدون ان جماعة الإخوان والتي وصلت إلى السلطة بعد نضال دام 80 عاماً وخسرت بعض الشعبية بعد عام من الحكم، لم يترك الوضع الجديد أمامها خياراً، سوى وقف المواجهة مع الحكومة والمشاركة في مصالحة وطنية لتفادي المزيد من التهميش على الساحة السياسية المصرية وتجنب وصفها مرة أخرى بالجماعة المحظورة. ويجمع العديد من المتابعين على ان ليس من مصلحة مصر نفى أو إقصاء أو تجاهل فصيل لصالح آخر، وان لا يظن أحد أن أحدهم سيوجه ضربة قاضية الى الآخر أو سيحقق عليه نصراً ساحقاً، باعتبار أن الخاسر في هذه الحالة، هي البلد وأمنه وسلمه الاجتماعي. ويشددون على انه على جميع المصريين ان يصب اهتمامهم الان على تحقيق مصالحة سياسية شاملة بكل ما في الكلمة من معنى، إنطلاقاً من حقيقة أن العنف والتصعيد لن يساعدا مصر في التغلب على تحديات المرحلة الراهنة التي تستلزم تضافر جهود جميع أطياف هذا الشعب العريق. كما يرون ضرورة ان يدرك الجميع في مصر بان الحل للازمة، اصبح مصرياً، خاصة بعد ان اصبحت محور اهتمام العالم أجمع من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أفريقيا والدول العربية، والذي تأكد من خلال محاولة بعض هذه الأطراف التدخل للخروج من خلال جهود باءت بالفشل. ويلفتون الى ان التوجه نحو المصالحة الحقيقة والحوار، سيكون ترجمة للثقة التي تحدو الجميع في قدرة مصر على الخروج من دائرة العنف الدخيلة عليها، والامل الكبير في أن تشهد أروقة الساحة السياسية فيها حواراً بين جميع الأحزاب والتيارات في أقرب وقت ممكن. كما يؤكدون على ضرورة ان تجعل مختلف الاطراف الاختلاف في الفكر والتوجه، امر حاصل في معظم دول العالم، وان من الطبيعي أن يظهر اختلاف في وجهات نظر التيارات السياسية، ولا سيما التيارين الإسلامي والليبرالى، حول كيفية توجيه قطار التنمية في مصر. ويشيرون الى ان مصر والتي تذخر بحضارة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، تحمل من قديم الزمان أيضاً سمة التنوع والاختلاف. كما يرى عدد من المراقبين ضرورة دعم المجتمع الدولي في هذا الاتجاه، وذلك من منطلق إن مصر تمثل حجر زاوية الاستقرار في الشرق الأوسط باعتبارها أكبر دولة في المنطقة، وإن قوة مصر واستقرارها ونجاح تحولها الديمقراطي، لايصب في صالحها فحسب، وإنما في صالح منطقة الشرق الأوسط بأسرها. ويرون ضرورة مواصلة المجتمع الدولي جهوده الحثيثة لمساعدة مصر على التوصل إلى توافق وطني ومصالحة وطنية تنطلق من خلالها إلى الأمام وتستنشق من خلالها عبير الاستقرار الاجتماعي في أقرب وقت ممكن. يأتي ذلك فيما يدلل الكثير من المؤرخين بحقائق تاريخية تؤكد أن العنف لم يستطع حل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها العديد من الدول في القرن ال 21، وان الطريق الوحيد، كان طريق الحوار السياسي والمصالحة الوطنية.