فيما لا يزال الموقف اكثر اشتعالاً على الأرض في مصر، مع استمرار المواجهات بين الشرطة والجيش من جانب، ومؤيدي الرئيس المصري المعزول محمد مرسي المصرين على مواصلة الاعتصام لليوم ال 20 على التوالي في مختلف ميادين مصر، لاستعادة "الرئيس الشرعي" المنتخَب لسلطته، ادى أعضاء الحكومة الانتقالية التي شكلها رئيس الوزراء المكلّف الدكتور حازم الببلاوي، اليمين الدستورية امس امام الرئيس الانتقالي عدلي منصور . وجاء تشكيل الحكومة المصرية الجديدة في ظل غياب كامل للأحزاب والقوى الإسلامية، التي رفضت المشاركة، في الوقت الذي تواجه هذه الحكومة التي يقودها الدكتور الببلاوي الاقتصادي الشهير في مصر، 4 تحديات جسام تتمثل في الأمن والمصالحة الوطنية والاقتصاد، فضلاً عن الإعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية . ويأتي على رأس تلك التحديات، اعادة الهدوء الى الشارع المصري، في الوقت الذي ما تزال المظاهرات لم تضعف مع مواصلة جماعة الإخوان المسلمين والقوى الاسلامية الاخرى في تنظيم المسيرات والمظاهرات والاعتصامات، وهو ما يؤدي الى تصعيد العنف في مصر. ولعل تكرر اعمال العنف خلال المظاهرات، سيكون امر وارد بكل تأكيد، خاصة بعد الاشتباكات التي وقعت في مدينة الاسكندرية وميدان رمسيس بالقاهرة واسفرت عن وقوع اصابات، هذا اذا ما وقعت احداث عنف رهيبة كتلك التي شهدتها منطقة دار الحرس الجمهوري والتي سقط خلالها 51 قتيلاً، وهو ما سيضع الحكومة الجديدة امام تحدي صعب. وبعيداً عن التظاهرات، فما زال الشارع المصري يفتقد الامن، وذلك مع الكم الهائل من الجرائم اليومية المتنوعة في مختلف انحاء البلاد والتي تطورت بشكل غير مسبوق لدرجة، وصلت فيه إلى تكوين عصابات للقتل والسرقة والخطف وغيرها من الجرائم التي اصبحت تهدد المجتمع المصري . فضلاً عن ذلك، انتشار ظاهرة العقاب الجماعي في المحافظات وقيام الأهالي في القرى والأحياء الفقيرة بأخذ حقهم من السارق أو مرتكب الجريمة، عن طريق تعذيبه أمام كافة أهالي القرية، وهو ما ادخل البلاد في فوضى عارمة . كما يتعقد ملف الأمن، بالانتشار الكبير لكميات الأسلحة بين المصريين وانتقال تجارة السلاح من الخفاء إلى العلن بكافة مناطق مصر، وتوافر أنواع مختلفة من السلاح، اضافة الى العمليات التي تقوم بها المجموعات المسلحة بين الحين والاخر في شبه جزيرة سيناء، والتي استهدفت عناصر الشرطة والجيش واوقعت بينهم قتلى وجرحى، لتصبح المنطقة خارج السيطرة الامنية . وهناك التحدي الثاني امام الحكومة الجديدة والمتمثل في المصالحة الوطنية، والذي يتطلب بذل جهود غير عادية لإجراء مصالحة وطنية بين كافة طوائف الشعب، وتحديداً بين جماعة الإخوان المسلمين كفصيل قوي في التيار الإسلامي وبين باقي الشعب . ويؤكد المراقبون ان ذلك سيكون من اهم الخطوات التي يجب ان تخطوها الحكومة الجديدة، خاصة بعد "ثورة 30 يونيو" وما نتج عنها من عزل الرئيس محمد مرسي، ورفض حركة الاخوان المسلمين لهذا العزل واعتباره انقلاباً على الشرعية . ويرون في ذلك ضرورة دعم مشيخة الأزهر والذي سيزيد من استقرار الحكومة وظهور نتائج جهدها أولاً بأول على المواطن المصري، خاصة وان كل التجارب السابقة تؤكد أن أي عمل تنفيذي على الأرض بدون توافق بين كل القوى السياسية، كان يترتب عليه تهديد دائم للحكومة بالفشل . ويأتي التحدي الاقتصادي والذي يؤكد خبراء الاقتصاد على انه ابرز التحديات التي تواجه حكومة الدكتور حازم الببلاوي المؤقتة، وذلك مع ارتفاع الاسعار وأزمة الوقود وتراجع السياحة وزيادة معدلات البطالة . ويحدد الخبراء الاقتصاديون الأولويات التي يجب على الحكومة الجديدة معالجتها، للحد من الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مصر على المدى القريب . ويوضحون ان حل المشكلات الاقتصادية تتطلب حلين على المدى القريب والبعيد، يتمثل الحل الاقتصادي على المدى القريب في زيادة الانتاج بكل صورة الزراعي والصناعي والخدمي، حتى يمكن ضخ أموال تساعد على سد عجز الميزانية الكبير في الحكومة. وعن الحل الاقتصادي على المدى البعيد، يؤكد الخبراء بانه لابد من وجود مشروع وطني قومي يستمر تنفيذة على مدار سنوات وهو تطوير تكنولوجيا وطنية يمكن ان تعتمد على نفسها، خاصة وأن معظم المشكلات التي تشهدها مصر، يرجع الى استيراد تكنولوجيا المعلومات من الخارج وهو ما ادى الى زيادة وتفاقم الديون الخارجية لمصر . الا ان بعض المراقبين يرون ان أي نجاح للحكومة المصرية الجديدة، سيكون مؤقتاً، كون الاقتصاد المصري يعاني من مشاكِل مزمنة، ابرزها ارتفاع معدّلات البطالة والتضخّم، وارتفاع حجم المديونيات الداخلية والخارجية، وهو ما سيصعب على الحكومة المصرية ايجاد حلول سحرية لهذه المشاكل . ويضيفون ان تحقيق الحكومة الجديدة أي نجاح اقتصادي، لن يكون الا نجاحاً مؤقتاً .. مؤكدين أنه لن يحلّ المشكلات التي تعاني منها مصر، والتي اصبحت منهكة اقتصادياً ومرهقة أمنياً وممزّقة اجتماعياً . فيما يذهب البعض الاخر الى القول بان الحكومة المصرية الجديدة، لن تقدم شيئاً للمصريين .. مستشهدين بقول رئيسها الدكتور حازم الببلاوي في أول تصريح له، عندما اكد إنه سيخفِّض المَبالِغ التي تنفق على الدعم، واشارته إلى ضرورة تخفيض العلاوة الاجتماعية من 15 في المائة إلى 10 في المائة، وهو عكس ما فعله الرئيس المعزول محمد مرسي الذي استهلّ أول قراراته برفع مرتّبات العاملين والمعاشات . ويأتي الاعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية، كأحد التحديات التي تواجه الحكومة المصرية الجديدة، حيث سيكون أمام الحكومة تطبيق أجندة المرحلة الانتقالية التي رسمها الإعلان الدستوري الصادر من الرئيس المؤقت والذي تضمن وضع الدستور أولاً، ثم إجراء الانتخابات البرلمانية ثم الدعوة لانتخابات رئاسية . وبموجب تلك الأجندة، فإن الحكومة ستكون المشرفة على كل العمليات الانتخابية التي ستجرى، سواء استفتاء على الدستور أو انتخابات برلمانية ورئاسية . ويرى العديد من المراقبين ان ذلك يعني ضرورة تمسك الحكومة بمبدأ الشفافية والنزاهة في تلك المرحلة، وان نجاح المرحلة الانتقالية سيترتب عليه مزيداً من الثقة فى الحكومة ومزيداً من الطمأنينة ويزيد من تدفق الاستثمارات إلى مصر .