احتفلت جنوب أفريقيا هذا الأسبوع بالذكرى العشرين لأول انتخابات ديمقراطية أجريت فيها في 27 من أبريل 1974م وأنهت / 46 عاما/ من التمييز العنصري الرسمي في ظل نظام الفصل العنصري. ويأتي الاحتفال بالذكرى ال20 للديمقراطية في جنوب أفريقيا في ظل أجواء من الإحباط والتوتر بعد حوادث عنف عديدة بين أنصار المؤتمر الوطني الإفريقي والمعارضة،فيما تشهد البلاد صعوبات جمة وحياة بالنسبة إلى الكثير من السود صعبة ولا تزال بعيدة عن مبدأ "حياة أفضل للجميع" الذي وعد بها الرئيس الراحل نيلسون مانديلا في 1994. وأقيم في الاحتفال هذا العام مهرجانات وخطابات من أجل استذكار الساعات الأولى لاقتراع 27 أبريل 1994 الذي يعد اليوم الأول لإرساء الديموقراطية الحالية في جنوب أفريقيا. و27 أبريل أو "يوم الحرية"، عيد وطني في جنوب أفريقيا، وبما أنه صادف نهار أحد هذه السنة فقد استعيض عنه بالإثنين بدلا عن الأحد. وتحدث الرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما أمام حشد كبير مقابل مقر الحكومة، عن "الدم والعرق والدموع" التي بذلت من أجل "حق التصويت الثمين". ودعا مواطنيه إلى المشاركة ب"الملايين" في الانتخابات التشريعية في السابع من (مايو). وقال "صوتوا لتعزيز الديموقراطية وكل نجاحات" البلاد. ولم يشكر زوما حزبه المؤتمر الوطني الإفريقي فقط ولكن كل من شارك في الكفاح ضد نظام العنصرية من صحافيين تحدوا الرقابة ودول إفريقية جارة ورياضيين وفنانين وغيرهم. وانتخابات 1994 التي كللت مفاوضات صعبة بين المؤتمر الوطني الإفريقي بزعامة الراحل مانديلا وسلطات نظام الفصل العنصري، سمحت لجنوب إفريقيا بالخروج من الفوضى وحرب أهلية كان كثيرون يتوقعونها في حينها وصياغة دستور جديد بين الأكثر تقدمية في العالم. وبقيت صورتان لهذا الاقتراع راسختين في الذاكرة صورة مانديلا المبتسم وهو يدلي بصوته بعد أن خرج قبل ذلك بأربع سنوات من السجن حيث أمضى 27 عاماً. وصورة لطوابير طويلة من الناخبين الذين ينتظرون بهدوء دورهم للتصويت أمام مراكز الاقتراع بعد سنوات من العنف والعنصرية. وللمرة الأولى تمكن السود الذين يشكلون غالبية من التصويت. وفي ذلك اليوم قال مانديلا الذي أصبح في سن ال75، أول رئيس أسود في تاريخ جنوب أفريقيا وبدعم من الأقلية البيضاء "هذا يوم ليس كأي يوم سواه. أن أول انتخابات حرة وعادلة قد بدأت. اليوم فجر حريتنا". وأضاف "فلنقف معا لنبعث هذه الرسالة بصوت عال وواضح: لن نسمح لمجموعة من القتلة أن يسلبوا منا ديموقراطيتنا" في حين اتخذت تدابير أمنية غير مسبوقة خشية وقوع اعتداءات. ولخص الأسقف ديسموند توتو الشعور الوطني بالقول "إنه أمر مذهل وكأننا نعشق أو نمشي وسط السحاب". وتواجه جنوب أفريقيا نقصاً في الوظائف وفي الأساتذة المؤهلين وغياب قوات شرطة يمكن الاعتماد عليها ونظاماً صحياً قديماً يمكن لأي امرأة أن تلقى حتفها كل يوم أثناء الولادة في حين تنتشر في البلاد عيادات خاصة حديثة يقصدها المرضى من كل أنحاء القارة لتلقي العلاج. فقد انتقلنا من التمييز بسبب لون البشرة إلى التمييز بسبب المال. وتبقى جنوب إفريقيا بين الدول الأقل مساواة في العالم وبعد ثلاث سنوات من الازدهار في ظل السنوات الأولى من رئاسة مانديلا (1994-1999) بدأت الغيوم تتلبد مجدداً. ومنذ 10 سنوات، تضاعف العنف الشعبي الذي يذكر بالنضال ضد الفصل العنصري في مدن الصفيح للتنديد بفساد النواب وقلة الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء، والبطالة. لكن تطورات الأحداث جزئياً أيدت المتفائلين. فدولة جنوب إفريقيا التي كانت منبوذة، عادت إلى محفل الأمم وزاد إجمالي الناتج الداخلي فيها إلى الضعف خلال 20 عاماً وتراجع الفقر وبرزت طبقة ميسورة من السود وفي الانتخابات التشريعية في السابع من مايو المقبل فرص هزيمة الحزب الحاكم ورئيسه جاكوب زوما الذي ترشح لولاية ثانية، ضئيلة. لكن حق التصويت الذي تم انتزاعه في 1994 لم يعد كافياً. وثلثا الشباب الذين ولدوا منذ انتخاب مانديلا غير مسجلين على اللوائح الانتخابية. وكان ديسموند توتو أحدث مفاجأة هذا الأسبوع بإعلانه أنه لن يصوت للمؤتمر الوطني الإفريقي، وهو الذي كان أقرب صديق لمانديلا. وقال "لم أعتقد أن الخداع قد يحصل بهذه السرعة"، مضيفاً أنه "فرح" لأن مانديلا "ليس قادراً على رؤية ما يحصل". ودعا وزراء سابقون في عهد مانديلا مثل روني كاسريلز إلى مقاطعة اقتراع السابع من مايو في بلد تم انتزاع حق التصويت فيه بالدم والدموع.