تتفاعل بداخل الأوساط السياسية والثقافية أصداء المبادرة التاريخية التي أعلنها فخامة الرئيس على عبدالله صالح رئيس الجمهورية قبل حوالي عام بدعوته مختلف رموز الحركة الوطنية و الفعاليات والسياسية ولنخب الثقافية والاجتماعية لتوثيق تاريخ الحركة الوطنية ، وبخاصة ما يتعلق بمجريات ثورتي سبتمبر وأكتوبر . وتعيد بعض الأوساط السياسية والثقافية الاهتمام بالمبادرة الرئاسية التي تعتبر الأولى من نوعها في تاريخ اليمن السياسي ، إلى كونها ( أي الدعوة ) اقتربت من الآليات الصحيحة للتعامل مع التاريخ وجسدت إلى حد كبير وعي القيادة السياسية بإشكاليات التعامل مع التاريخ سيما منه السياسي . ويأتي ذلك من كون أن الأوضاع غير المستقرة التي أعقبت قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين أبقت تاريخ الحركة الوطنية اليمنية حبيس الذاكرة والكتابات الشخصية التي لم تكن سوى وجهات نظر ، خصوصا وأن الأطراف المعنية بتقديم معلومات وشهادات حول هذا التاريخ ظلت أسيرة حسابات خاصة حالت دون توثيق ما تعرفه عن مجريات تاريخ الحركة الوطنية بثورتيه ضد الإمامة والاستعمار . ولأن المصادر الشحيحة المتاحة لتوثيق تاريخ الحركة الوطنية ، والمتمثلة بالشخصيات التي عاصرت تلك الأحداث اختارت التكتم علي ما لديها من معلومات وأحداث ، أحيانا لأسباب شخصية وفي أحيان أخرى لتجنب المتاعب ، كانت القضية على ما يبدوا بحاجة إلى قرار سياسي جريء يمكن أن يكون مظلة تستوعب جميع الأطراف في معادلة توثيق التاريخ . وحتى مطلع الثمانينات من القرن الماضي كان مجرد التفكير بتدوين وتوثيق تاريخ الحركة الوطنية وبالذات ما يتعلق بثورتي سبتمبر وأكتوبر ، مسألة في غاية الخطورة كونها تضب الزيت على النار وستفتح الباب لصراعات بين مراكز القوى سواء تلك المسئولة عن قيام الثورة أم القوى التي وقفت ضد الثورة وأهدافها. وقد مثلت دعوة الرئيس علي عبدالله صالح عنصرا فاعلا في إحياء المحاولات التي كانت ظهرت في سنوات سابقة لتوثيق تاريخ الحركة الوطنية اليمنية ( سبتمبر وأكتوبر ) والتي واجهت آنذاك عقبات كثيرة حالت دون تحقيق أهدافها في إماطة اللثام عن جزء مهم للغاية من التاريخ السياسي اليمني الذي لا يزال بإجماع مجهولا في كثير من جوانبه . ويؤكد العديد من الباحثين أن تفاصيل كثيرة من التاريخ السياسي اليمني ومحطات التحول الثوري التي عاشتها اليمن منذ أربعينيات القرن الماضي ظل ولا يزال يفتقد إلى المصادر المتعددة و الموثوقة التي يمكن الرجوع إليها لتدوينه.. لكن ما هي الأهمية التي تشكلها دعوة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية لتوثيق تاريخ الحركة الوطنية اليمنية .. وما هي الأهمية التي يشكلها هذا الجانب في عملية التعامل مع التاريخ ..ثم ما هي المصادر التي ينبغي التركيز عليها في عملية التوثيق هذه ؟ أسئلة طرحناها على عدد من الباحثين والمثقفين والسياسيين في محاولة لتسليط الضوء على المبادرة وأهميتها من الناحيتين السياسية والتاريخية . الكاتب والصحفي احمد الحبيشي يرى أن الطريق الصحيح للتعامل مع التاريخ السياسي هو توثيق وقائعه بطريقة منهجية وعلمية وليس كتابة التاريخ لأن الأخيرة يمكن أن تكون وجهة نظر حتى وإن جاءت من مراكز أبحاث أو جهات أكاديمية معتمدة . ويقول الكاتب الحبيشي أن دعوة رئيس الجمهورية الفعاليات السياسية والنخب الثقافية والاجتماعية في البلاد للمساهمة في توثيق تاريخ الحركة الوطنية ، اقتربت من الآلية الصحيحة للتعامل مع التاريخ " عها تجسد وعي الأخ رئيس الجمهورية تجاه إشكاليات التعامل مع التاريخ .. كما جسدت خبرته في هذا الجانب من حيث انفتاحه على مختلف وجهات النظر والمواقف المتباينة تجاه التاريخ السياسي للبلد ". ويشير الحبيشي إلى أن مراكز الأبحاث والمنظمات العاملة في المجال الثقافي والإبداعي معنية بان تلعب دورا مهما في تجسيد الدعوة الكريمة لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح ، خصوصا وأن كثير من وقائع تاريخنا ترتبط بدرجة أساسية برموز مراحل معينة ، ربما يدركها الموت وبوثائق ربما تكون ضائعة أو غير مأمونة أو أنها غير معروفة .. ولا بد من البحث عنها وتحقيقها وتوثيقها . ويؤكد أن المبادرة الرئاسية لن تميط اللثام عن بعض الغموض في التاريخ السياسي لليمن ، بل أنها قد تكشف الكثير من الحقائق المغيبة وغير المعروفة عن هذا التاريخ . فيما يرى الباحث والكاتب سعيد الجناحي ، إن الإحساس بالهوة التي تفصل الأجيال عن بعضها في ظل غياب المعارف التاريخية الحقيقية ظلت ولا تزال عائقا إمام معرفة الماضي وإدراك ما عليه الحاضر والاتجاه نحو بناء المستقبل . ويشير الجناحي إلى أن مبادرة فخامة رئيس الجمهورية بدعوته إلى توثيق تاريخ الحركة الوطنية ، تشكل بداية سليمة وجادة وعملية لكتابة التاريخ السياسي لليمن ..وأنها جاءت استجابة للدعوات الكثيرة من المثقفين والتي ظلت تطرح على مدار السنوات الماضية ، منادية بأهمية كتابة تاريخ الثورة اليمنية . "والأهم أن مبادرة رئيس الجمهورية تركزت على التوثيق كأساس لكتابة التاريخ ، وخاصة بعد مرور 55 عاما على انطلاقة الشرارة الأولى عام 1948 ، وأربعة عقود على انطلاقة الثورة اليمنية عامي 62 و 1963 م ". ويؤكد الباحث الجناحي أنه من النادر أن تأتي مبادرة من رئيس دولة تتعلق بقضايا ذات مدلول ثقافي وفكرى ، لكن ميزة الرئيس علي عبدالله صالح أنه استشعر المسئولية من خلال قدرته على استنباط المبادرات كتلك التي قدمها العام الماضي بمناسبة للثورة اليمنية بهدف التوثيق . و بشأن موضوع المصادر التاريخية التي يمكن الاعتماد عليها في توثيق تاريخ الحركة الوطنية يؤكد العديد من الباحثين والمهتمين أن هناك حاجة ملحة لتنويع مصادر توثيق التاريخ السياسي للثورة ليمنية سبتمبر وأكتوبر ، بحيث تشمل المصادر الداخلية المتمثلة برموز الحركة الوطنية ، وكذا الأطراف الخارجية التي وثقت التاريخ السياسي وأحداث الثورة سوءا المكتبات والارشيفات الدولية أو ممثلي السفارات والقنصليات التي كانت موجودة أثناء قيام الثورة أو حتى الصحفيين والكتاب الذين نشروا كتابات ومذكرات يمكن أن تكون مفيدة لمعرفة المزيد من المعلومات حول التاريخ النضالي للحركة الوطنية . وفي ذلك يقول الأستاذ المناضل أحمد قاسم دماج رئيس إتحاد الادباء والكتاب اليمنيين " إذا كان للنخب السياسية والثقافية في البلاد من مهمة ، فهي جمع ما كتبه صناع الحدث وما دونه المراقبون والمؤرخون العرب والأجانب واحتفظت به دور التوثيق في العالم والتي يأتي على رأسها مكتبات الكونجرس الامريكي ، الخارجية البريطانية ومكتبة لينين في موسكو لم اعد اعرف اسمها الجديد وهذه أكثر الجهات التي أعلم أنها وثقت للثورة اليمنية وما تلا قيامها من أحداث ساعة بساعة ويوم بيوم .. وأول بأول . ويستطرد المناضل دماج بالقول : أنا ضد التوثيق المحلي الذي يتم عن طريق تنظيم الندوات أو في الاحتفالات العابرة التي لا تكتسب من القيمة العلمية والدقة والأمانة أي قدر ..وعلي الجهات الوطنية وأقصد الأحزاب التي كانت موجودة في الوطن قبل الثورة والتي تشكلت بعدها أن تقوم بنشر أدبياتها ووثائقها التي لم تنشرها بعد . ويتفق الكاتب الحبيشي مع هذا الرأي حيث يؤكد أن هناك مصادر داخلية وخارجية يمكن البحث عنها في مسألة توثيق تاريخ الحركة الوطنية إلى جانب المصادر الداخلية. ويوضح الحبيشي ، أن هناك مصادر عديدة يمكن البحث عنها ..فبالنسبة لثورة ال 26 من سبتمبر حيث هناك الكثير من الوثائق التي يمكن أن تكون موجودة في مصر أوفي تركيا ، وهما دولتان معنيتان بالتاريخ السياسي لحقب مهمة في التاريخ الوطني . وبالنسبة لثورة ال 14 من أكتوبر لا بد أن نعترف أن بريطانيا تعتبر مصدر مهم من مصادر المعلومات التي تتناول حقب مهمة خلال فترة احتلالها للجزء الجنوبي من الوطن ، فهناك مثلا في بريطانيا الكثير من الوثائق موجودة في مراكز تتعلق بالمخابرات ووزارة الخارجية ، وهناك أشخاص تعاملوا مع الحركات الوطنية اليمنية ، ولهم كتب ومؤلفات تاريخية كبيرة ولا بد من التعامل معها وتوثيقها وترجمتها أو حتى شرائها إن دعت الضرورة لذلك . ويشير الحبيشي إلى أن الدول الكبرى لديها بلا شك بعض الوثائق المهمة المتعلقة بالتاريخ السياسي اليمني وبخاصة ثورتي سبتمبر وأكتوبر ، وكلها مصادر ينبغي علينا البحث عنها والتعامل معها لمعرفة تاريخنا النضالي . ويقول الباحث والكاتب سعيد الجناحي ، أن كتابة التاريخ تفترض استيعاب كل المصادر الممكنة والمتاحة حتى تكون كتابة التاريخ صحيحة ، .. فعلى سبيل المثال كانت عدن تحكم من الهند .." وكثير من الوثائق بما فيها أصول الاتفاقيات التي كانت تعقد مع المشائخ والسلاطين موجودة هناك" . واعتقد أن هناك الكثير من الوثائق الأساسية التي يمكن أن تفيد في توثيق مسار التاريخ السياسي والنضالي للثورة اليمنية لأنها تتحدث عن مراحل حساسة للغاية من مراحل التاريخ النضالي لليمن .. والحال نفسه مع تركيا ومصر التي لا شك أن فيهما الكثير من الوثائق المتعلقة بثورة سبتمبر . ويؤكد الكاتب الجناحي أن هناك إشكاليات لا تزال قائمة في شأن موضوع توثيق تاريخ الحركة الوطنية والتي منها الحيرة التي تكتنف البعض بشأن الجهة التي يمكنها القيام بهذه المهمة سيما في ظل غياب مراكز الأبحاث المعنية والموثوق بها . وخلص الاستاذ سعيد الجناحي إلى القول ، إن هذه المهمة بحاجة أولا إلى دعم كبير كما تحتاج إلى وجود مراكز أبحاث متخصصة وإمكانيات كبيرة حتى يتسنى توثيق التاريخ السياسي بشكل منهجي ..وهو ما يتوقع أن يبادر إليه رئيس الجمهورية لإنجاز هذا المشروع . وكالة الانباء اليمنية (سبأ)