يسيطر الهاجس الامني على عقول العراقيين الذين سيتوجهون يوم غد الأحد إلى صناديق الاقتراع في اول انتخابات بعد سقوط النظام السابق لانتخاب ممثليهم في المجلس الوطني الانتقالي، بالإضافة إلى ممثلي مجالس المحافظات الثمانية عشر إلى جانب اختيار الأكراد برلمانهم الذي يتمتع بالحكم الذاتي . وسيكون من أكبر التحديات خلال هذه الانتخابات كيفية حماية تجمعات كبيرة من البشر أثناء إدلائهم بالأصوات داخل مراكز الاقتراع وأثناء تجمعهم خارجها. ويرى المراقبون أن المحصلة النهائية ستكون مفصلا حقيقيا في حياة العراق لأنها وفي مجمل الأحوال ستسفر إما عن استتباب الأمن بما يفتحه من آفاق إعادة الإعمار أو عن انتشار الفوضى وما يستتبعه من غموض المستقبل. وتثير الهجمات التي تشنها جماعة ابو مصعب الزرقاوي بشكل شبه يومي مخاوف من وقوع حمام دم انتخابي ، واستهدفت الجماعة سياسيين وقتلت رهائن أجانب أثناء فترة الاستعداد للانتخابات ، كما صعّد المقاتلون حملتهم لتخويف الناخبين في الأيام القليلة التي تسبق الانتخابات، والتي من المتوقع أن تعزز سلطة الأغلبية الشيعية وهي القوة الجديدة على الساحة العراقية والتي تمثل 60 في المائة من عدد السكان. وقالت الحكومة العراقية المؤقتة انها أعدت خطة أمنية تأمل في تأمين الانتخابات حيث تنص الخطة على قيام وحدات من رجال الشرطة والجنود بحراسة أكثر من خمسة آلاف مركز اقتراع، بينما تقف القوات التي تقودها الولاياتالمتحدة بعيدا لتجنب خلق انطباع بأن العراقيين يدلون بأصواتهم تحت فوهات مدافع الاحتلال ،غير أن معظم العراقيين ليست لديهم ثقة تذكر في قواتهم الأمنية التي لا تستطيع حماية نفسها. وحسب الخطط الأمنية المعلنة فإن الحكومة تعتزم إغلاق حدود العراق والمطارات وفرض حالة الطوارئ وحظر مرور السيارات في يوم الانتخابات في محاولة لمنع وقوع تفجيرات أو إطلاق نار وهي العمليات التي أسفرت عن مقتل الآلاف في الأشهر القليلة الماضية. وكان رئيس الوزراء العراقي المؤقت إياد علاوي قد صرح في وقت سابق بأن التدهور الأمني في البلاد قد يمنع سكان بعض المناطق من الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات ،غير أنه تعهد بأن حكومته، التي تحظى بدعم الولاياتالمتحدة، ستبذل كل ما في وسعها لتأمين مراكز الاقتراع ضد من سماهم "قوى الشر التي تصر على الإضرار بالعراق". وقال وزير الدولة لشؤون المحافظات وائل عبد اللطيف إن الحكومة ستعلن عطلة مدتها ثلاثة أيام استعدادا للانتخابات، مؤكدا أنه تم وضع الخطط الأمنية الخاصة بكل حي من أحياء بغداد وكذلك لكل محافظة من محافظات البلاد. وألمح عبد اللطيف إلى أنه من المحتمل منع السكان من الخروج من مدنهم أو حتى من أحيائهم يوم الانتخابات كما أنه سيتم تفتيش المارة في المناطق المحيطة بمراكز الاقتراع. وتتوقع الحكومة نسبة مشاركة مرتفعة، كما أنها تجري محادثات مع زعماء العشائر والأحزاب السياسية وشخصيات محلية من أجل الحصول على أفضل نسبة ممكنة من المشاركة. ومن المتوقع أن تدفع قوات الاحتلال بحوالي 30 ألف جندي أمريكي إلى شوارع بغداد لتأمين الاقتراع. وقال السفير الأمريكي في بغداد جون نيغروبونتي إنّ القوات متعددة الجنسيات في العراق والقوات المسلحة العراقية والشرطة "أحكمت الخطط الأمنية التي تغطي كل المستويات، حتى مستوى المناطق هنا في هذا البلد". وتوقع نيغروبونتي أن تكون مشاركة الناخبين العراقيين قوية في الأجزاء الشمالية والجنوبية من البلاد غير أنه أشار إلى أنه ستكون هناك صعوبة في بعض المناطق وبخاصة في الوسط والمثلث السني. ورفض الانتقادات القائلة بأن إجراء الانتخابات في هذه الظروف التي تطغى عليها أعمال العنف قد يؤدي إلى حرب أهلية، مشددا على أن "هذه الانتخابات نظمت استنادا إلى الدستور العراقي المؤقت، وبطلب من مجلس الأمن الدولي، وطبقا للجدول السياسي الذي وافقت عليه كافة الأطراف العراقية قبل عام ". ويشير المراقبون إلى أن كلّ تلك التصريحات مازالت بعيدة عن الواقع وبالتالي يصعب ان تزيل المخاوف. وفي البصرة ثاني اكبر مدن العراق التي يقطنها غالبية من الشيعة وتتمتع باستقرار أكبر مما تتمتع به مناطق السّنة في شمال وغرب بغداد فإن الخوف مازال يتملك الناخبين على نطاق واسع لان المسؤولين يعتقدون أن المدينة ستكون غير آمنة يوم الانتخابات بسبب تهديدات الزرقاوي . وفي المعقل السني الفلوجة يرى المراقبون ارتفاع نسبة الإقبال على الانتخابات يعزز من مصداقية الانتخابات ويدعم تأكيد الحكومة العراقية المؤقتة على أن الديمقراطية ستهزم المقاتلين وذلك بعد أن أعلنت الولاياتالمتحدة أنّها قضت على تمرد قاده الزرقاوي هناك ، غير ان الديمقراطية بضاعة يصعب الترويج لها في المدينة التي تسود فيها المشاعر المناهضة للأمريكيين، والتي يركز فيها أغلب السكان على إعادة بناء المنازل التي تعرضت للقصف والمنازل المحترقة، لا على القوائم الانتخابية. سبا