يحيى العالم اليوم الذكرى ال60 لنهاية الحرب العالمية الثانية المشئومة التى تعد من الحروب الشموليةً وأكثرها كُلفة في تاريخ البشريةً لاتّساع بقعة الحرب وتعدد مسارح المعركة التى كانت اكثر من دولة طرف من أطراف النزاع . ففي مثل هذا اليوم وقّع الجنرالات الألمان وثيقة الاستسلام الألماني دون قيد أو شرط لينتهى بذلك صراع شرس استمر ست سنوات حصد ارواح 55 مليون نفس بشرية بين عسكري ومدني أي ما يعادل 2% من تعداد سكان العالم في تلك الفترة. و كانت شرارة تلك الحرب هى النزاع /الألماني – البولندي/ حول ممر وميناء دانتزج، الا أن الأسباب الحقيقية لتلك الحرب كانت أبعد من ذلك إذ يرجع بعضها إلى تسويات ما بعد الحرب العالمية الأولى والتي أدت إلى تغيير في رسم خريطة العالم وبخاصة أوروبا فأبرمت معاهدات عقابية أخذت طابع الانتقام ضد ألمانيا، ودفعت بأحد أعضاء الوفد الألماني في مؤتمر الصلح في "فرساي" سنة 1919م إلى القول للحلفاء: "سنراكم مرة ثانية بعد عشرين عامًا" وصدقت نبوءة الرجل؛ فكانت الحرب العالمية الثانية التي طالت أغلب دول العالم، وكانت الأعنف في حروب البشر وصراعاتهم . وبموجب معاهدة فرساي خسرت ألمانيا 5ر12 % من مساحتها و12% من سكانها، وحوالي 15% من إنتاجها الزراعي و10% من صناعتها و74% من إنتاجها من خام الحديد وتركت في الألمان شعورا بالإهانة و النقمة إذ شتّتت القوميات الألمانية على ألا يزيد الجيش الألماني على مائة ألف جندي ودفع تعويضات كبيرة للحلفاء. وعجز الاقتصاد الألماني على تجاوز مخلّفات الحرب الأولى وتسديد تعويضات الحرب لفرنسا و انجلترا فيما لم تنل إيطاليا الترضيات التي وعدت بها في الحرب الأولى وتجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية في الثلاثينات . في المقابل تمكنت فرنسا و انجلترا من إعادة بناء اقتصادها و الحد من التبعية للولايات المتحدةالأمريكية و استرجاع مكانتها العالمية . في تلك الاثناء كان الاقتصاد الالماني يتلقى ضربات متلاحقة تسببت في عدم استقرار سياسي ثم تعمقت هذه الأزمات سنة 1929م عندما تعرض العالم لأزمة اقتصادية طاحنة بدأت في الولاياتالمتحدة وانتقلت منها إلى جميع دول العالم، إلا أن ألمانيا كانت معاناتها أشد إذ توقفت أغلب مصانعها وزاد عدد العاطلين بها عن ستة ملايين عامل، وانتشرت روح القلق والسخط في نفوس العمال، وخرجت المظاهرات ترفع الأعلام الحمراء "التي كانت تعبر عن الشيوعية" فتطلعت الأنظار إلى حزب العمال الاشتراكي الوطني الذي يرأسه أودلف هتلر، وانضم إليه الجنود القدامى، وكثير من أرباب المهن، وأُعجب هؤلاء بالنازية التي تنادي بتوحيد الألمان في دولة واحدة تتساوى مع الدول الكبرى، وإلغاء معاهدات الصلح المهينة وإبعاد اليهود والأجانب من الحياة الاقتصادية والاجتماعية في ألمانيا، واتخذ هذا الحزب من شارة الصليب المعقوف رمزًا له . وتولِّي النازيين بزعامة هتلر الحكم في ألمانيا وكانت سياسة هتلر الخارجية تهدف في البداية إلى إزالة عار الهزيمة وتبعاتها عن ألمانيا لكي تحتل مكان الصدارة بين الأمم، وتقوم بتصفية حسابها مع من أذلُّوها –خاصة فرنسا-، ويتم توحيد وضم الشعوب الألمانية في دولة واحدة، وكانت خطواته لتحقيق ذلك تحطيم معاهدة فرساي، والقضاء على بنودها، ثم بسط السيطرة الألمانية على أوروبا سواء بالوسائل السلمية أم الحرب . وجاء تكوين دول المحور بسبب فساد العلاقات بين إيطاليا وكل من بريطانيا وفرنسا بسبب احتلال إيطاليا للحبشة، بالإضافة إلى عوامل أخرى, منها التشابه الأيديولوجي بين النازية والفاشية، وحاجة الدولتين إلى التوسع الخارجي لامتصاص الزيادة السكانية، وجاءت الحرب الأسبانية لتوحد جهودهما وفي نفس الشهر وقَّعت إيطاليا واليابانوألمانيا معاهدة ضد الشيوعية، ثم تطورت عام 1939م إلى تحالف سياسي وعسكري كامل عُرف باسم "محور روما- برلين"، ويقضي بتوسع إيطاليا في البحر المتوسط وتوسع ألمانيا في وسط وشرقي أوروبا . ثم بدأت عملية استقطاب دولي سريع في تلك الفترة بين المعسكرين الكبيرين "المحور والحلفاء" فانضمت اليابان ثم المجر وبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا وكرواتيا إلى المحور، أما الحلفاء فكان يأتي في مقدمتهم بريطانيا وفرنسا. وكان احتلال هتلر للنمسا في مارس 1938 ثم تشيكوسلوفاكيا في العام الموالي وبولندا في سبتمبر 1939 ثم تهديد إيطاليا بغزو ألبانيا، سببا مباشرا في إعلان بريطانيا وفرنسا الحرب على دول المحور . واشتعلت شرارة الحرب العالمية الثانية، وبدا واضحًا أن بريطانيا وفرنسا هما الخاسرتان من الحرب مهما كانت نتائجها، واضطُّرت الدولتان إلى توجيه إنذار نهائي لألمانيا في اليوم الثالث لدخولها بولندا، وبدأت الحرب تستعر، واستطاع الجيش الألماني دخول الدانمارك والنرويج وهولندا وبلجيكا وفرنسا والبلقان، لكنه فشل في احتلال بريطانيا، بعد المعارك الجوية الرهيبة بين الألمان والإنجليز، وفشلت الغواصات الألمانية في قطع طرق مواصلات الإمبراطورية البريطانية فيما وراء البحار، وارتكب هتلر خطأ كبيرًا حين تحول لمهاجمة الاتحاد السوفيتي في يونيو 1941م تاركًا بريطانيا خلف ظهره، وهي القاعدة الإستراتيجية التي يمكن أن توجه منها الهجمات إليه . وقبل نهاية عام 1942م كانت الصورة قد تغيرت؛ حيث هُزم الأسطول الياباني في معركة (ميداوي)، ثم هُزم القائد الألماني رومل في العلمين، وبعد بضعة أشهر كانت القوات الألمانية تستسلم في ستالنجراد بالاتحاد السوفيتي مسجلة بذلك نقطة تحول في الحرب الألمانية السوفيتية، وبدأ الحلفاء في غزو ألمانيا؛ حيث عبر الروس في ديسمبر 1944م الحدود الألمانية لأول مرة، واستمر الحلفاء في التقدم رغم بسالة الألمان في الدفاع عن دولتهم وخسارتهم مئات الآلاف من القتلى، وأصبح قلب ألمانيا مفتوحًا، فتدفق داخله السوفيت والأمريكان، كذلك نجح الحلفاء في دخول روما، أما هتلر فقد انتحر في 30 إبريل 1945م، ووقَّع ممثلو ألمانيا وثيقة الاستسلام بلا قيد أو شرط. وانتهت الحرب العالمية الثانية بعد سنوات من القتال الشرس الذى خلف خسائر بشرية جسيمة بلغت 55 مليون قتيل و 35 مليون جريح و 3 مليون في عداد المفقودين , وأكثر الدول تضرّرا بولونيا, الاتحاد السوفياتي , اليابان , ألمانيا و يوغزلافيا . وتضرر اقتصاد الدول المشاركة في الحرب و خاصة الدول التي كانت أراضيها مسرحا للعماليات العسكرية كالدول الأوروبية خاصة فرنسا و بريطانيا و ألمانيا و اليابان من أسيا . وادت تلك الحرب الى تراجع القوى الاستعمارية القديمة (فرنسا و بريطانيا) نتيجة الانهيار الاقتصادي مقابل تدعم اقتصاد الولاياتالمتحدةالأمريكية و برز الاتحاد السوفياتي كثاني قوة اقتصادية في العالم . فيما جرّدت ألمانيا من مستعمراتها و قسمت أراضيها بين المعسكرين الغربي و الشرقي و فقدت إيطاليا و اليابان المستعمرات و قضي نهائيا على النظام الفاشي و النازي . ولعل ابرز نتائج الحرب العالمية الثانية تشكيل كل من عصبة الأمم ومن بعدها الأممالمتحدة ، فالعصبة أنشئت برأي من الرئيس الأميركي الثاني والعشرين توماس ويلسون، بينما كانت الثانية بمبادرة من الرئيس الثالث والثلاثين للولايات المتحدة هاري ترومان . وبذلك انطوى ملف الحرب العالمية الثانية ليصبح ذكرى لحربا كانت كارثة بشرية واقتصادية تولّد عنها وضع عالمي جديد تميز بالتنافس بين المعسكرين الشرقي و الغربي .