قد يتسرع البعض في الحكم على الواقع بما يشبه التململ من إمكانية محاربة الفساد، والمضي دون توقف لمعالجة بقية السلبيات واجتثاث الفاسدين؛ لأن المصلحة الوطنية تقتضي الاصطفاف بمفهومه الذي رأينا نماذج منه في عدة أقطار خرج بعضها من كوارث الحروب حطاماً وأشلاءً. فكان المفكرون والمحبون لأوطانهم الغارقون في البحث التاريخي الذي يرفع من معنوياتهم ويوحد صفوفهم وبدأوا بالحرب للقضاء على اليأس وحشد الجماهير التي هي بالنسبة لها القدوة والمثل الأعلى، فلم ترتفع أصوات تخالف الدعوات إلى التمسك بالوحدة الوطنية ونشر المحبة ونبذ الكراهية، وكان ذلك هو المدخل لصناعة مستقبل جديد لا مكان فيه إلا لمن يعمل على بناء الوطن من كافة الجوانب، واستمروا في عملهم الوطني حتى أعيد البناء، وتسارعت التحولات العملاقة التي جعلت اليابانوألمانيا والصين وأيضاً بريطانيا وفرنسا وكل الحلفاء دولاً عظمى؛ منها ما هو عضو دائم في مجلس الأمن والأخرى احتلت المرتبة التي تؤهلها لأن تكون كذلك ولكن فضلت البقاء حيث هي تعمل من أجل أن تكون لها مكانة الدولة العظمى في الصناعة والتعليم والتكنولوجيا والتجارة مثل ايطاليا واسبانيا وسويسرا والنمسا والسويد وكندا رغم أنها كلها لعبت أدواراً بارزة في الحرب العالمية الثانية مما أدى إلى هزيمة النازية وانتحار زعيمها هتلر ولتحتل الولاياتالمتحدة المرتبة الأولى في الحرب بما أرسلت من أسلحة وأموال وغيرت مجرى التاريخ بضرب نجازاكي وهيروشيما اليابانيتين في عام 45م بالقنابل الذرية لأول مرة في التاريخ لبسط نفوذها على الجميع رغم أن اليابانيين كانوا على وشك الاستسلام وشعروا ألا ملجأ من القوة الضاربة التي وجهها الأمريكيون بعد ضرب قاعدة هاربر البحرية في المحيط الهادي من قبل الطائرات اليابانية في نفس العام إلا الاعتراف بتغير اللعبة وأخذ العبرة من تطور التكنولوجيا العسكرية والمدنية لدى أمريكا وأوروبا. ومنذ ذلك الوقت انصرفوا إلى اقتفاء أسلوب أمريكا وأوروبا في إعادة البناء، ولم يشغلهم عن ذلك وجود خمسين ألف جندي أمريكي بأسلحتهم الضخمة البحرية والجوية في جزيرة أوكيناو حتى اليوم بحسب وثيقة الاستسلام والتي يتم مراجعة بقائها في كل عشرين سنة خاصة عندما يحدث من الجنود الأمريكيين هناك تصرفات تثير غضب الشارع الياباني كاغتصاب الفتيات. قلنا إن تلك الدول التي سحقتها الحربان العالميتان الأولى 1914 1918م والثانية 1939 1945م نهضت من جديد من بين الركام بوحدة صفوف أبنائها وكلمتهم وأسلوب معالجة الأخطاء ابتداءً بمحاكمة المخطئين بما فيهم العملاء السريون أو القادة الذين تسببوا في تعريض ألمانيا مثلاً للتقسيم بين دول الغرب الحلفاء ودول المحور أي الاتحاد السوفيتي وبولندا والمجر واليابانوايطاليا الفاشية. وأعيدت وحدة ألمانيا عام90م وكل ذلك بفضل الوعي الوطني الذي لا يسمح بالتشرذم والخروج عن الثوابت الوطنية وإن اختلفت الآراء والأيديولوجيات، إنهم وحدويون مخلصون متحدون ضد أي تهديد لوحدتهم. فمتى يعي البعض منا مسئولياتهم الوطنية والتاريخية؟!.