غداً السبت التاسع من يوليو عام 2011 تاريخ سيذكره التاريخ، ليروي قصة شعب عجز عن أن يجعل التعايش ممكناً والوحدة خياراً جاذباً، في إطار القبول بالآخر واحترام التنوع وجعل التباين الثقافي والعرقي والديني إثراءً لواقع المجتمع، أهملنا منذ خمسينيات القرن الذي مضى كل ما هو ممكن والتجأنا في كل المحطات إلى السلاح من خلال فهم قاصر كان يهدف إلى تطويع الآخر وجعله تابعاً عوضاً عن شراكة كان من الممكن أن تثري الوطن، إلى أن جاء عهد الإنقاذ فأعلن الجهاد ضد المواطنة وحول ساحات الفداء إلى ميادين للتباعد والكراهية، وهيأ التربة إلى خيار الانفصال الذي نواجهه اليوم بالحزن والأسى ليفضح عجزنا وعدم قدرتنا على الاستثمار في الحاضر لبناء المستقبل. غداً يولد واقع جديد، وتولد دولة جديدة هي اقتطاع من وطن كان يسمى السودان ويعرف بأنه الأكبر في القارة الإفريقية،وطن يولد بطموحات كبيرة في أن يكون نموذجاً للتعايش وصون حقوق الإنسان والبناء من نقطة الصفر للانطلاق نحو آفاق رحبة بلا أوهام وبلا قناعات مسبقة وبلا كراهية، وطن سيحظى بدعم العالم ورعايته والمساهمة في بنائه حتى يقف نموذجاً في مواجهة الدولة الدينية التي يبشر بها الشمال والتي لم تورث أهل السودان لا العدل ولا الكفاية وإنما حولت حياتهم إلى ظلامات متداخلة وإلى عتمة يبحث أهلها عن نور الخلاص. عندما كنا في المرحلة الابتدائية كان يسهل علينا رسم خريطة السودان بيسر وسهولة، وكانت سهوله الممدودة وغاباته وصحاريه وأنهاره العديدة سهلة التلوين، فيما يقف النيل شامخاً يشهد التزاوج بين الغابة والصحراء.. الآن ذهبت الغابة وأصبحنا امتداداً لصحراء لا تعدنا بشيء سوى العدم، صحراء ممتدة في عقول الناس وفي قلوبهم، صحراء تورثنا التباعد والكراهية عوضاً عن المحبة والإخاء.. صحراء لا أفق لها في المستقبل المنظور ليس بسبب تقلص المساحة ولكن بسبب ضيق الأفق وعجز السياسات وفوضى التوجهات. هل نملك في هذا اليوم – التاسع من يوليو- أن نفرح أم نحزن؟ الإجابة عن هذا السؤال صعبة وشائكة.. صعبة لأن اقتطاع جزء غالٍ من الوطن كارثة قومية ونفسية لأجيال عايشت السودان الموحد منذ فجر الاستقلال.. وشائكة لأن من حق أهلنا في الجنوب أن يفرحوا بالاستقلال وتقرير المصير بعد أن عجزنا عن أن نقدم لهم أي شيء على صعيد التنمية والبناء والاستثمار في الإنسان الأغلى بعيداً عن العنصرية والدونية وعدم التقدير وغياب المساواة. لن نقول إننا أمة عاجزة عن ترجمة طموحاتها فوق الأرض، واعتماد سياسات ومفاهيم وطرق تجعل منا أمة حضارية ومطورة تواكب التحديث وتستثمر في الواقع ولكن يمكن القول إننا أمة مُنحت فرصة تاريخية أن تجعل من السودان بلداً يمثل نموذجاً في التعايش والتنوع والثراء ولكنها أضاعت الفرصة لتتحول إلى دويلات متباعدة وكانتونات عاجزة. الراية*