إن ممارسة الحاضر بنفس عقلية الحزبيين الشمولية والمناطقية المدّمِرة الذين توزعت أدوارهم هنا وهناك بين موظفي النظام واللقاء المشترك وفك الإرتباط والفدرالية وأمراء الحرب المسيطرين على الحراك بالداخل (بواسطة الأموال التي تُرسل لهم من الرِفَاق في بلدان الشتات)، تُعيدُنا إلى مربع 1967 من الحروب الأهلية وقبول الإستقلال الناقص بشتى الطرق تحت شعار الغاية تبرر الوسيلة والوصول إلى السلطة ورفض الآخر تحت شعار كل الشعب قومية. لقد إلتقت مصالح النظام المتهالك والقوى الإنتهازية على الإتفاق لإفشال الحراك الجنوبي السلمي وإفراغه من محتواه النضالي الثوري وتشتيته بين الجبال والوديان وإبعاده من المدن الرئيسية وعن عدن بالذات صاحبة التاريخ والريّادة في العمل الوطني السلمي والعسكري، ومن ثمّ تجميده، أي الحراك وإبعاده عن الساحة، مما أعطى الفرصة لجحافل الدجل والإرهاب بأن تُعيثَ في الأرض فساداً. لقد كان دافع الخوف المناطقي والحزبي والحسابات الضيقة لإسترجاع السلطة عند البعض هي من ضمن الأسباب الرئيسية لتجميد الحراك. وقد كانت اليد الطُولى لجنوبيي الخارج المشغولون بجمع المال ويعتبرون العمل الوطني هواية لتغطية أوقات الفراغ وذلك بتعميق الخلافات والبحث عن الوجاهة. وأما عن السياسيين الجنوبيين، فإنهم قد فقدوا جميعاً حرية إتخاذ القرار السياسي وأصبح القرار السياسي مرهوناً بيد القوى الإقليمية والدولية. وهذه هي النتيجة الطبيعية لإستبدال النضال الشعبي الثوري للحراك الجنوبي السلمي بالمناورات والمداهنة والترهل والتعود على حياة خمسة نجوم التي تدفع فواتيرها تلك القوى المعروفة بالعدو التاريخي لشعبنا. وأما من إستولى على أموال الجنوب ويستثمرها لحسابه هو وأولاده دون حياء بدلاً من أن يُكّفِر عن خطيئته ويضع تلك الأموال لخدمة قضية إسترجاع وطن فماذا نتوقع منه؟ بعد أن هرول وباع وطناً بحسابات ضيقة الأفق تدل على الجهل والجنون الذي أوصل شعبنا إلى ما هو عليه وهو مُطالب بإعادة هذه الأموال لتساعد شعبنا لأجل التحرير وإستعادة قراره السياسي. إننا نحذر قبل أن يصل الأمر بالمطالبة القانونية لإسترجاع تلك الأموال لمصلحة شعبنا وقضيته. كما أننا نطالب ما يسمون أنفسهم بقوى الإستقلال (مجرد يافطة ولا تمتلك أي رؤية). ومن في دائرتهم الحضور لمؤتمر القاهرة والتفاهم والحوار مع الآخرين والخروج حتى بأدنى القواسم المشتركة حفاظاً على مصلحة وإنتصار الجنوب. وإن الهروب والإعتكاف والخروج بمشاريع تؤدي إلى إنقسام الشارع الجنوبي فهي للأسف حالة مرضية مستعصية وصلت إلى حد الجنون لأنها ستدفع بشعبنا نحو التناحر والفوضى وسيطرة قوى التخلف والفيد وإستباحة ما تبقى من الجنوب. لهذا فإننا نطالب هذه القوى جميعها بالكف عن العبث بمصير شعبنا بنفس عقلية 1967- 1990 والتي تخلت عن قضايا الوطن الأساسية وتفرغت لصراعات الجاهلية للوصول إلى السلطة. الإخوة والأخوات: رغم كل شيء فأنتم إخواننا وأبناء وطننا ولا نستطيع أن ننكر ذلك حتى اللحظة ! ! لقد كان الحراك الجنوبي السلمي أثناء قمة عنفوانه وزخمه الفرصة واللحظة التاريخية النادرة والتي لا تتكرر بإعادة تشكيل الجنوب على قاعدة تصالح وتسامح حقيقي لكل أبناء الجنوب منذ عام 1963 بعيداً عن الحزبية الفاشلة والمناطقية المدمرة. ولكنكم وبغبائكم أضعتموها وها هو التاريخ يعيدكم مجدداً للوقوف أمامه بعد كل سنوات الفشل متحدياً لكم ليعطيكم الفرصة الأخيرة لتغتسلوا من أخطائكم وذنبوبكم وتضعوا نصب أعينكم كل التضحيات لشعبنا وما وصل إليه الحال. ما زال التاريخ يعطيكم الفرصة الأخيرة لإعادة كتابته بكل تجرد ونكران الذات لمصلحة الوطن كل الوطن. وعليه، فإننا نطالبكم ببعض النقاط التي تعّبر عن فيض من غيض: (1) الإعتراف بتاريخ الحركة الوطنية وليس كما أرِّخَ لها من قبل الحزب الإشتراكي وتجاهل كل نضالات شعبنا وتضحياته. لذا فإن تاريخ الحركة الوطنية الحديث يبدأ منذ أن وطأت قدم المستعمر أرض عدن ومقاومته من قبل العدنيين مروراً بتأسيس مؤسسات المجتمع المدني من جمعياتٍ ونوادٍ ثقافية وتجمعاتٍ وأحزابٍ سياسية منذ بدايات الأربعينات للقرن الماضي وتأسيس أكبر وأقوى تجمع عُمّالي في الجزيرة العربية بل في العالم العربي – وحركة الإنتفاضات المسلحة في الأرياف والتي كانت تُدعم من مدينة عدن من الأحزاب السياسية والتجار العرب والشخصيات الإجتماعية والسياسية. وقد تمكن نضال هذه القوى الوطنية التي هي الأساس لحركتنا الوطنية من إفشال الكثير من المشاريع الإستعمارية والتي كان على رأسها المشروعان البريطانيان بالكتابين الأبيض والأزرق واللذين أُصدرا في عام 1959 لإقامة إتحاد شبه الجزيرة العربية ومن ثَمّ إتحاد الجنوب العربي والذي أسقطه شعبنا بكل قواه السياسية في 24 سبتمبر 1962 يوم الزحف العظيم على المجلس التشريعي بعدن. (2) الدعوة لكل الجنوبيين دون إستثناء والإستمرار بالتواصل والحوار معهم وإقناعهم بالحضور إلى المؤتمر حتى لا ينقسم الشارع الجنوبي وتعم الفوضى وتذهب الأمور إلى أبعد من ذلك. ومحاولة التنازل من القائمين على المؤتمر والتأكيد أن مؤتمر القاهرة مفتوح لكل جنوبي لِلَم الشمل ومعالجة القضايا المصيرية المشتركة والعمل على حل الخلافات والنزاعات السياسية بالحوار كأسلوب ووسيلة حضارية تساعد على الوصول لقواسم مشتركة تدفع بالأمور لتخطي الكثير من الحواجز والتراكمات النفسية لسنين مضت. (3) الإعتراف بأن التصالح والتسامح يجب أن يكون مع كل الجنوبيين الذين تعرضوا للقتل والإبعاد وإنتهاك حقوقهم وسرقة أموالهم منذ عام 1963 وليس تسامح وتصالح الزمرة والطغمة المتسترين وراء شعارات الكذب والتضليل والمتحفزين والمترقبين لفرصة سانحة للإنقضاض على الآخر. نريد تسامحاً وتصالحاً حقيقياً بين كل أبناء الشعب الجنوبي ليكون صمام الأمان ليفشل كل التطلعات الحزبية والمناطقية الغير مشروعة. (4) عظمة ومكانة عدن التاريخية، المدينة الرائدة في العمل الوطني، لا بد من الدعوة لها للمشاركة بقوة في هذا المؤتمر ممثلة بأبنائها الحقيقيين وليسوا ساكنيها نتيجة لظروف سياسية أو عابري سبيل. وأن تتم الدعوة صريحة للمكونات السياسية الحقيقية لأبناء عدن وخاصة لتجمع أبناء عدن الذي أصبح اليوم التكوين السياسي الواسع الذي يمثل الأغلبية في داخل المدينة ولكل الشخصيات السياسية والاجتماعية. (توفير قيمة التذاكر مثل بقية المدعوين من الأرياف). (5) الإعتراف والإعتذار لكل الأحزاب السياسية والشخصيات الإجتماعية والسياسية والثقافية الذين تعرضوا للتهميش والإقصاء بل القتل والسجن والتشريد وإعتبارهم خونة وثورة مضادة وعلى رأسهم: (لقد كانوا من أشجع وأشرف الرجال الوطنيين وقدموا الكثير من التضحيات): الحركة العمالية وقادتها 1954 – 1967. جبهة التحرير للجنوب اليمني المحتل. التنظيم الشعبي للقوى الثورية. حزب الشعب الإشتراكي. حزب رابطة أبناء الجنوب. المؤتمر الدستوري الشعبي. سلاطين ووزراء ومشايخ عهد ما قبل الإستقلال. هؤلاء جميعاً هم أبناء شعب الجنوب ولم يأتوا من بلاد واق الواق. (6) الإعتراف بمكانة عدن وأبنائها والإعتذار عمّا لحِق بهم من ويلات تمثلت بطردهم من أعمالهم وإعتبارهم ثورة مضادة والإستيلاء على ممتلكاتهم وسرقة أراضيهم ومؤسساتهم المدنية والقتل والسجن والتشريد وإنتهاك حقوق الباقين، منذ عام 1967. التأكيد على أن أبناء عدن هم الجديرون والمستحقون لإدارة شؤون محافظتهم والمطالبة ممَنْ لا زالوا حتى يومنا هذا يمارسون الإنتهاكات لهذه المدينة ومحاولة الوصاية عليها والتحدث بإسمها ممارسين أحقر الأساليب الإرهابية بواسطة السلاح والمال لأجل التهميش والاقصاء لأبناء عدن بالتوقف على ممارساتهم الحقيرة وإحترام المضيفين لهم أبناء هذه المدينة. (7) الإعتراف بقضية حضرموت والإعتذار لأبنائها عمّا لحِقَ بهم من تنكيل وقتل وسحل لعلمائها ورجال الفكر والإقتصاد وسرقة ثرواتها وأراضيها منذ 1967. (8) الإعتراف بقضية العوالق وبيحان والإعتذار لأبنائهم عمّا لحِقَ بهم من ظلم وقتل وسحل لعلمائهم وتهديم منازلهم منذ 1967. (9) الإعتراف والتعهد بقضايا المفقودين والجرائم الأخرى التي أُرْتِكبت بحق المواطنين الأبرياء والوطن، والعمل على تشكيل لجان تحقيق تمتلك قوة القانون لإظهار الحقيقة مستقبلاً. (10) الإعتراف بقضية الأموال والممتلكات المنهوبة قسراً سواء بقوة السلاح والإرهاب أو بإسم التأمين منذ عام 1967 والتعهد بوضع الحلول لها. (11) دعم وتأييد الحراك الجنوبي السلمي بصفته الحامل الرئيسي للقضية الجنوبية والدعوة لتنظيمه في كل المحافظات بحيث تتم في الداخل إختيار لجنة قيادية توافقية لكل محافظة من أبنائها ودون وصاية أو تدخل أطراف من خارج المحافظة في أعمال اللجنة المذكورة، ومن خلال هذه اللجان للمحافظات يتم تشكيل المجلس الأعلى للحراك الجنوبي السلمي. (12) دعم وتأييد ثورة الشباب في شمال الوطن والتمييز بينها وبين القوى الإنتهازية العسكرية والقبلية ومَنْ يتسترون وراء الدين والتي تمثل ثورة مضادة وتحاول سرقة وإختطاف ثورة الشباب الأصلية. (13) نطالبكم بالوقوف والمصارحة بدون خوف أو مداهنة أمام العناصر الإنتهازية والتي تتستر اليوم تحت شعار وحدة الجنوبيين بينما الهدف الحقيقي لمشاركتهم في مؤتمركم هو ترتيب أوضاعهم المستقبلية. (14) إن الصحيح في العمل السياسي عند التعامل مع القوى الأقليمية والدولية هو إنتزاع الضمانات أولاً وليس تقديم التنازلات. والقضية هنا ليس إعتراضاً بشكل مطلق على أي حلول قد تعيد حقوق شعبنا المنهوبة كالفدرالية (تمتلك رؤية على الاقل مهما كانت)، ولكن الإعتراض على الإنبطاح أمام هذه القوى للحصول على دعمها الرخيص على حساب القضية الوطنية. (15) إن تقديم التنازلات المجانية تحت شعار كسب القوى الإقليمية والدولية دون أي ضمانات حقيقية مقدمة من تلك القوى ما هو إلا تكراراً لعملية دخولنا في الوحدة عام 1990 وبنفس الطريقة وما جرَّته على شعبنا من ويلات. (16) إن أي حوار لحل قضيتنا الجنوبية مع إخواننا وأهلنا في شمال الوطن يجب أن تكون على قاعدة الطرفين الشمالي والجنوبي وتحت إشراف دولي. أنتم أمام قضايا مصيرية صنعتها تراكمات 48 عاماً (1963 – 2011). أرجو أن تتسع صدوركم لبعض وأن يستمر عقد المؤتمر لمدة أسبوع حتى يتم النقاش وتتضح الرؤيا بعيداً عن الكَلْفَتة. يومان لا تكفيان يا سادة إلا إذا كانت العملية مطبوخة ومُعدّة سلفاً. نحذر من التقسيمات المناطقية في قيادة ولجان المؤتمر ونتمنى ألا ينصب مجهود مؤتمركم على لجان الوجاهة. نريد لجان عملية وعلمية من متخصصين لإعداد دراسات عن أحوال شعبنا وبلادنا ووضع رؤاهم المستقبلية لبناء الدولة الحديثة دولة العدل والمساواة والعلم والنظام والقانون وتلبية إحتياجات المواطن الحياتية. نسأل الله بأن يهديكم سواء السبيل، ويوفقكم للعمل لإنقاذ شعبكم وإسترجاع الوطن المُستباح. [email protected]