لا أعتقد أن المتابع والمطلع على الأحداث والواقع في وطننا اليمني ، سيندهش أو يستغرب من حادثة الإنقلاب الهادفة للإطاحة بالرئيس هادي عبر تصفيته مباشرة ، فتسليم السلطة الحادث قبل عامين ، بفعل المبادرة الخليجية ، الآتية من واقع ثوري يمني فرض نفسه على الداخل والخارج ، تم من قبل المخلوع علي صالح ، لنائبه عبدربه منصور ، بفعل توافق مراكز القوى والصراع ، التي إعتقدت واهمة أن النائب الرئيس ، سيكون مجرد أداة بيديها ، لتحركه وفق رغباتها وبما يضمن بقاء نفوذها ومصالحها ، بحيث تظل السلطة الفعلية تحت حكمها ، فيم سيكون هادي واجهة شرعية أمام الداخل والخارج. منذ لحظة صدور القرار الرئاسي الأول ، والذي أزاح قيادة القوات الجوية ممثلة في محمد صالح الأحمر ، أدركت مراكز القوى ، أن هادي سيخرج عن النص الذي رسمته ، وهو ما ثبت فعلًا من خلال القرارات المتتالية ، وأهمها إلغاء الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع ، وعليه فإن مراكز القوى والنفوذ ، سعت لإقناع الناس بفشل هادي ، عبر التفجيرات المتتالية ، للبنية التحتية الهشة من الأساس كالكهرباء ، وكذلك تخصيب الفوضى وتعميمها بفلتان أمني ، إكتمل بإغتيالات متتابعة لقادة وضباط الجيش ، ثم انتقلت بوحشية وغباء سياسي نحو تلغيم الحوار الوطني ، لإدراكها أن نجاحه سيمثل مكسبا سياسيا كبيرا للثورة ولهادي شخصيا أمام العالم الراعي له ولمخرجاته ، ولحظة إطلاعها أن ذلك كله ، لم يشكل إعاقة لمسيرة التغيير ، ذهبت نحو إشعال حرب جديدة في صعدة ، لعلها تتوسع وتشمل الوطن ، لتكون حرب سلفية حوثية ، سيتورط فيها الجيش ، مما يؤدي في النهاية إلى سقوط متدرج لهادي وللثورة والتغيير بصورة عامة. في إعتقادي الشخصي ، أن نسبة الوعي المرتفع في صفوف الجماهير ، منع حدوث ذلك كله ، فالصبر والتحمل للأحداث بكل مآسيها ، آت من إدراك الناس لصعوبة المرحلة ، ومعرفتهم أن مراكز القوى في النظام القديم تقف وراء ذلك بالمجمل ، إضافةً إلى فرملة المجتمع الدولي ، لتلك المراكز والتلويح بجرها إلى المحاكم الدولية ، وإن كان ذلك التلويح ، بكل وضوح ، ناقص وغير كاف ، قياسا بأعمالها التخريبية في البلاد ، وهو ما شجعها على المضي قدما ، في الترتيب لإنقلاب شامل ، يستهدف الشرعية الداخلية والخارجية مباشرة ، ممثلة في رئيس الجمهورية بشحمه ولحمه.
يبدوا أن المخطط كان يهدف حال نجاحه ، وهو ما اعتقده الإنقلابيين ، وضع العالم أمام أمر واقع لا مفر من التعاطي معه ، وهكذا سيكون هادي مطوي الملف ، ليبدأ العالم في فتح ملف جديد ، والتعامل مع النظام الجديد القديم ، الذي أعاد ترتيب صفوفه وقام بالإنقلاب ، ثم استلم السلطة .
أمام الأحداث المارة خلال العامين ، وحتى لحظة الإنقلاب ، لا ننسى أن حكومة باسندوة الضعيفة والفاسدة ، مثلت بفشلها ، إضافة مهمة ، لتسويق فشل الثورة والنظام الجديد ، ليس لأنها فاقدة للإمكانيات وعوامل النجاح ، وإنما بسبب كارثة التقاسم والتحاصص الحزبية ، التي جعلت كل وزير يخدم حزبه ، وينفذ أوامر مركز قوته الذي وضعه ، وهو ما جعل الحكومة السندوية ، بعيدة عن مسايرة خطوات هادي والمجتمع الدولي ، فلوحظ من الوهلة الأولى ، عيش الحكومة خارج النص الثوري وهدف التغيير المنشود .
توالت تلك الأحداث خلال العامين بوتيرة متسارعة ، ولا بد هنا من الإعتراف ، أن ردة الفعل من الرئيس والحكومة الفاشلة ، حيال كل الأعمال التخريبية والفوضى الأمنية والإغتيالات ، كانت ضعيفة جدا ، بل ومحبطة لتطلعات الناس ، فتشكيل اللجان ، ومن ثم تمييع القضايا ، وعدم محاكمة أحد ، ترك المجتمع اليمني ، يعيش في دوامة إنتظار ، لدولة النظام والقانون ، التي مثلت أهم هدف للثورة اليمنية ، وهنا لا بد من القول ، أن الشعب واع لفشل الحكومة ويعرف أسباب ذلك ، لكن الكثير وأنا منهم ، نتسائل باستمرار ، عن سر الحركة البطيئة للرئيس هادي ، وكذلك عدم إستغلاله القوي ، للدعم الكبير واللامنتهي من المجتمع الدولي ، الملتزم بتطبيق المبادرة الخليجية وآلية التنفيذ الأممية . يذهب الكثير وأنا منهم أيضًا ، أن هادي يعاني من نقطة ضعف واضحة ، وهي إفتقاره لطاقم رئاسي وطني مخلص ذو كفائات علمية وأخلاقية وتاريخية ، فمن بجانبه للأسف الشديد ، كانوا طاقم للمخلوع علي صالح ، والواضح أنهم لن يفيدوا الرئيس والبلاد في شيئ مهم ، ليس لأنهم فاقدي القدرات ، وهمهم تلخص في توظيف الأقارب والأصدقاء وخدمة مراكز القوى القديمة فحسب ، بل لأنهم يمارسون عملهم بنفس مستوى الأداء في عهد المخلوع ، ولم ولن يرتقوا لروح الثورة والتغيير ، وتكتمل الطامة الكبرى ، في تصادم مشروع هادي لتنفيذ بناء الدولة ، مع عجزهم وفشلهم في إعانته على ذلك ولو بالإستشارة الوطنية الصادقة .
يحتاج هادي اليوم ، لطاقم يعينه على إدارة البلاد ، يكون عينه الصادقة ، ولسانه الأمين ، وخطواته الصحيحة ، وأعتقد أن الرئيس اليوم ، سيدرك بعد حادثة الإنقلاب ، أن هناك من داخل قصره ، من يتعاون مع الإنقلابيين ، عبر تسريب تحركاته ، وخططه الأمنية ، وهنا لا بد من تذكير السيد الرئيس ، أن اقتراب نهاية المرحلة الإنتقالية ، والحديث عن التمديد له ، بفعل الإجماع الدولي ، أصاب ويصيب الإنقلابيين بالجنون ، ولا غرابة أن يعودوا لمحاولة تصفيته مجددا ، فهم الآن في سباق مع الزمن ، ولهذا عليه بإلتقاط المبادرة بسرعة ، والقيام بتشكيل طاقم وطني أمين مخلص ، يعينه على مهامه ، ثم إستغلال الدعم الدولي الكبير ، والذي تجدد بعد الإنقلاب ، ليقدم الأسماء المتورطة في التخريب والتفجير والإغتيالات ، ومحاولة الإنقلاب ، إلى مجلس الأمن الدولي ، ليعمل بسرعة على إحالتهم إلى محكمة الجنايات الدولية ، وسحب وتجميد أموالهم في الداخل والخارج .. [email protected]