ما يميّز الدعوة التي اطلقها الأخ محافظ العاصمة عدن السيد عيدروس الزبيدي يوم السبت التي طالب فيها الجنوبيين بتشكيل كيان سياسي جنوبي جامع, أنها لم تأت من قيادي كبير بالثورة الجنوبية (الحراك الجنوبي) فقط كما درجت العادة أن نسمع مثلها منذ سنوات, بل أتت من مسئول جنوبي يشغل منصبا رسميا أيضاً, أي أنها أتت من قيادي يجمع بين ميزتي الثائر والمسئول. وهنا يكون لهذه الدعوة وقعها وتأثيرها على الجميع, وضرورة التجاوب معها مِن قِبل مَن تعنيهم هذه الدعوة. ولكن, وتحت كلمة(( لكن)) ضع عدد من الخطوط الملونة, هذه الدعوة التي وردت في سياق كلمة مقتضبة للمحافظ الزبيدي كان يتحدث فيها بمعية مسئولين محليين بمؤسسة كهرباء عدن بمؤتمر صحفي عن أوضاع هذه المؤسسة المتعثرة ,لم يدع لهذا المؤتمر إلا القلة من الصحفيين وهذا مبعث للاستغراب.!!, ولم ينشر من هذا المؤتمر الصحفي ومن كلمة المحافظة إلا مقتطفات قليلة, شابها كثير من اللغط وسوء الفهم, وهو ما وددتُ أن اتطرق له بهذه التناولة العابرة, وعلى وجه الخصوص ما ورد بكلمة المحافظ (بحسب ما توافر لدينا من معلومات عن هذه الكلمة). نوردها بالآتي: - يقول المحافظ: (( بالنسبة لنا نحن أبناء المحافظاتالجنوبية نشكل جزء من النسيج الاجتماعي لمجلس التعاون الخليجي بشكل مباشر وفي هذه الحرب الكل يعلم الكثيرون ان ابناء الجنوب والمقاومة الجنوبية هي من قامت بتحرير بنسبة 70% الى 80% وبالنسبة لأبناء الجنوب انا من وجهة نظري أدعو أبناء الجنوب إلى تشكيل كيان سياسي جامع لكل التيارات السياسية، هذا الكيان الجامع يقوم بالتصدي للتمدد الحوثي)).(أنتهى). كنا نتنمى ان تكون الدعوة من الأخ المحافظ لتشكيل هذه الكيان السياسي ليكون كيانا جنوبيا سياسيا وطنيا بحت, ينظر الى المستقبل ولا تختزل بمهمة معينة كمهمة التصدي للحوثيين او غيرهم, يكون كيانا سياسيا يأخذ على عاتقه قيادة دفة السفينة الجنوبية الى بر الأمان ويتصدى لكل المخاطر التي ستجابه الجنوب من أي طرف, يمنينا كان او إقليميا او حتى جنوبياً. قد يقول البعض ان كلام المحافظ كان دبلوماسيا ومنطلق من مراعاة هواجس وتخوفات دول التحالف، و أن كلامه هو رسالة لهذه الدول مفادها ان الجنوب سيكون سندا للأمن الخلجيي مستقبلا. هذا صحيح الى حد ما, ولكن بالأخير هذا كلام مسئول ومحسوب عليه وعلى القضية التي يمثلها ولو بعد حين. ولا اعتقد ان المحافظ كان سيعدم الحيلة والمناسبة بان يبعث بمثل هكذا تطمينات بدون أن يختزل مهمة هذا الكيان السياسي المنتظر بمهمة محددة كمهمة محاربة الحوثيين فقط, فمهمة هذا الكيان السياسي الجنوبي يجب أن تكون أبعد من هذا. -يقول: ((ندعوا قوات التحالف إلى الوقوف مع ابناء الجنوب في تشكيل هذا الكيان، ونعتبرها فرصة ان ندعوا ابناء الجنوب للتماسك . ومن حق هذا الكيان ان انشئ ان يكون له صوت في المفاوضات التي تراعاها الأممالمتحدة اسوه بكيان الحوثيين الذي يعتبر كيان شيعي 100% )).أنتهى. دعوة الأخ المحافظ لدول الخليج للوقوف مع الجنوبيين لإنجاح فكرة الكيان السياسي الجنوبي المنتظر هي دعوة موفقة الى ابعد الحدود وتأتي بوقت حساس جدا, وأن كانت تأخرت بعض الشيء كما يعتقد البعض. ولكن الشيء الذي لم أكن أتمنى من المحافظ ان يقع فيه هو مطالبته أن تكون القضية الجنوبية جنباً الى جنب بقضية صعدة(كيان الحوثيين بالمفاوضات) بطاولة المفاوضات التي تتم برعاية دولية, فالقضية الجنوبية هي قضية شعب ووطن , كان الى قبل سنوات له دولة عضوا بهيئات الأمم الأمم المتحدة والمحافل الدولية المختلفة الأخرى, وليس قضية بحجم محافظة صعدة وحجة والجوف, ناهيك عن انها قضية سياسية ووطنية وليست قضية فكرية كقضية صعدة , وقبل هذا وذاك فالقضية الجنوبية هي نتاج لفشل وحدة بين دولتين, ,وبالتالي فأي مفاوضات يجب ان تنطلق من مبدأ ثنائية الشمال والجنوب, وليس جعل القضية الجنوبية مجرد قضية هامشية من قضايا اليمن كقضية صعدة وقضية العدالة الاجتماعية وقضية المفقودين وغيرها من قضايا اليمن. وما أكثر من قضايا.! كما لم أكن أتمنى على الأخ المحافظ ان يصبغ القضية الجنوبية بصبغة مذهبية. فهي قضية سياسية وطنية بامتياز, ومشكلة الجنوب ليست فقط مع الشمال الشيعي كما ورد آنفاً, بل مع اليمن الشمالي بكل قواه الاحتلالية المختلفة الحزبية والسياسية والقبلية والإسلام السياسي. وإلا لكانت القوى الحزبية والسياسية والقبلية من محافظاتتعز و إب والبيضاء والحديدة ومأرب موجودة بكل اريحية في عدن والمكلا باعتبارها محافظات سُنية. قضية الجنوب قضية متجردة من المذهبية والطائفية ولا ينبغي ان نوظف نقائها الوطنية بملوثات المذهبية العفنة التي تعصف بالأخضر واليابس بالمنطقة. ولا يجدر بنا ان نجعل منها جندياً بيد أحد يقاتل بها بساحة حروبه الطوائفية والمذهبية, لأنها أولا قضية وطن ,ولأنها ثانيا قضية أكبر من طائفة وفكر وجماعة, ولأنها قبل هذا كله قضية شعب الجنوب. فلو كانت القضية هي قضية زيدية وشافعية, وسنية وشيعية لكانت القضية الجنوبية اسمها (القضية الشافعية) وليست القضية الجنوبية. ولكن هذا لم يكن أبدا لأن الحقيقة تقول ان للجنوب قضية وطن, وأن الجنوب فوق المذهبية وأكبر من فكر طائفي منعزل. وفي الأخير نأمل من الكل أن يحتشد وراء هذه الدعوة (دعوة المحافظ الزبيدي) ,واقصد بهذه الدعوة تحديدا عبارة: (تشكيل كيان سياسي جنوب جامع لكل التيارات السياسية),مع تمسكي بملاحظاتي آنفة الذكر لبقية ما ورد بكلامه. فالمرحلة حساسة ومعقدة جدا وتتطلب على أقل تقدير لملمة الشتات الجنوبي بوعاء سياسي كبير وأن بدت فيه التباينات والتجاذبات، فهو على الأقل خير من ,بديل ال( ضياع والتشتت). (وكل عام والجميع بخير )