دائما ما نتحدث عن ظلم المرأة من قبل المجتمع، ونسرد لها المقالات، ونضع لها إطارات من سياج المبالغة الشديدة متعاطفات معها- نحن معشر النساء- ضد ما يدعى “الرجل” وكأن هذا المسكين ظالم؛نكون غير منصفات أحيانا.. غير مدركات أن الظلم يحدث في أحايين كثيرة للجنسين الرجل والمرأة! نتحدث أحيانا من منطق مشوب بالعاطفة، غير مدركات بأن تصرفات بعض النساء قد تسيء أحيانا لتكوينهن البيولوجي ،معترضات على ما وهبته لهن الطبيعة.. وقد تصل المرأة أحيانا إلى ظلم نفسها.. وتغلط غلطة عمرها باختيار رجل متزوج.. وتعتقد أنها هي الأخيرة، وهي الجميلة، وهي الصغيرة.. وستكون هي المدللة، وهي المفضلة لدى الزوج لتكتشف وهم تصوراتها، وسذاجة تفكيرها، وأن الزوج أخذها لمجرد نزوة وسرعان ما تنقشع كل هذه التصورات والأوهام.. وتكتشف أنها الوحيدة الخاسرة. والغريب في الأمر عندما تقبل الزوجة الجديدة بالعيش مع الزوجة الأولى، فتكتشف الفروقات الواسعة والمفاضلة الشاسعة، وأنها مجرد شيء مادي في البيت لاروح فيه، أو شيء لا لزوم له، ولافائدة منه... لتكتشف العشرة الطويلة بين الزوجين.. الألفة.. انتماء الزوج أكثر نحو عائلته الأولى.. لتكتشف أنها الخاسرة الوحيدة في اللعبة التي أرادت الرهان في بدايتها والنجاح لتصطدم بالواقع وتعلم أن الجمال وحده غير كاف لبناء بيت وأسرة، وإن صغر سنها لن يشفع لها عند الزوج، بل هناك إعتبارات أخرى ماعادت تذكر منها غير الثأر لكرامتها... تجد ان الزوج لا يشفع لها أخطاءها ويحاول دائما إيجاد عيوب ونواقص حتى يفاضلها مع زوجته الأولى..اعترتني الحيرة وأنا أرى تلك الفتاة الجميلة البسيطة والذكية والمتعلمة “منى” تقع في براثن زواج فاشل من بدايته لتسألها .. ما دهاك للإقدام على تجربة فاشلة؟ فتجيب: أعيته الحيلة حتى يتزوج بي.. ظل يتردد على بيت أهلي لمدة خمس سنوات حتى أوافق عليه.. وافقت بعدها على أساس أن أقطن بعيداً عن زوجته الأولى، ولكنه حاول إقناع أهلي ببناء بيت لي في حوش بيته، ورضخوا أهلي لطلبه منعاً لخسارته.. أسئلة كثيرة وعلامات استفهام كبيرة: لماذا وافقت الزوجة الأولى، ولم تعترض؟ ولماذا قبلت بوجود الزوجة الأخرى في نفس البيت ولم تعترض أيضا؟ فأتتني الإجابات من “منى”: اكتشفت أن الزوجة الأولى لا ينقصها شيء فهي متعلمة وجميلة وربة بيت ممتازة ولم تستسلم وتنهار وتترك البيت لي.. اكتشفت أنني أنا الخاسرة في هذا الزواج الذي قبلته بمنتهى إرادتي.. فلا أجد إلا الصمت يسور زوجي والهدوء يلفه، وإن سألته لماذا إذاً تزوجت بي، لا يجد إلا كلمة “أحببتك”!! إذاً أين هذا الذي تسميه الحب .. لم أره.. الحب معاملة، وعدل بين الاثنتين لم ألمسه..! فيجيب بمنتهى الهدوء.. اتركي الوظيفة وتفرغي لتربية طفلتك، وستعتدل حياتك وسترين..!ترك لها حرية التصرف والقرار بينما الدموع تتجمد في عينيها تأبى الانهمار.. لا أريد القول لكِ بأن تتركي وظيفتك لأنني لا أعلم ما تخبئه لك الأيام، ولكن خذي إجازة طويلة وجربي الحياة من غير العمل واحكمي بعد ذلك.. ولاانصحك بالطلاق لان “أبغض الحلال عند الله الطلاق”. فتنظر إلي وتقول: لم تفيديني بشيء.. فأزيح نظري عنها واحتار في أمر الجواب، ثم أسترسل: لربما إذا اتيتيني طالبة النصيحة قبل زواجك كنت نصحتك ولكنك فعلتيها دون أن تستشيريني.. كانت الفرحة قد أنستك ما أنتِ سوف تقبلين عليه في الأيام القادمة! فنظرت إلي بعتب الصديقة للصديقة، وكأنني لم افدها ولم أصل معها إلى حل يرضيها ويشفي غليلها بينما أواصل الحديث لها: تسرعت بكل شيء عزيزتي.. بالزواج وبالإنجاب والآن تريدين الحل.. أنا أعطيك الحل: حاولي الانشغال بطفلتك وانس أن هناك زوجة أخرى تنافسك! السؤال الذي ما انفك يطاردني لماذا تزوج بك؟ ولماذا قبلت؟ ولكن تجيب: أحبني. أرد عليها: تعرفين بماذا يذكرني زوجك ياعزيزتي؟ تبتسم بمرارة: بماذا؟ انه يذكرني بالطفل الذي يبكي إذا رأى لعبة غالية ومكلفة ويعلم في سره إن أهله لا يملكون المال حتى يأخذونها له، ولكنه لا يفهم ولا يريد أن يفهم إلا أمراً واحداً هو امتلاكه لهذه اللعبة! وبعد إصراره وتعنته أمام أهله يشترونها له ولا يعلم كيف تدبروا أمر شرائها ولا يريد أن يعلم.. وبمجرد امتلاكها يشعر بالملل منها ويتركها.. مهملة....مرمية! بينما أنت عزيزتي تغيظينني لأنك فكرت بالزواج من رجل متزوج، وتغيظينني أكثر حين قبلت العيش معها في نفس البيت وكأنك إنسانة عاجزة وغير متعلمة مع أن زوجك تزوج بك وأنت في الوظيفة.. لا أدري هل حبك له أفقدك عقلك وتفكيرك ووزنك للأمور.. إذاً تحملي كل تبعات ما سيأتيك من الزوجة الأخرى..! تعرفين؟ ترد علي: لم ألحظ من زوجته أي غيرة ولا أية مشاكل منها بل عاملتني كأخت ولا زالت، وهذا ما يعذبني أكثر فهي عرفت كيف تعيده لها وبمنتهى الهدوء دون إثارة أية مشاكل.. وفعلا عاد إليها.. أما أنا فليس لي وجود ولا لازمة!! تحاول أن تركز كثيرا في عملها ولكن الهم والحيرة من أمر زواجها يشتتها وتقصر في أداء عملها كثيراً.. تعود إلي بين الوقت والآخر حتى ترى آخر ما أقدمه لها من حلول بينما أنا حائرة مثلها وابتسم بمرارة مثلها وألومها أحيانا..ولا أجد لها حلا ولا أريد نصحها بأمر تندم عليه فيما بعد، بل أترك لها حرية التصرف مبدية لها استعداداً للإصغاء لمشكلتها وحتى تنفس عما يعتريها من هم وضيق وحزن..حزينة عليها أنها لم تستقر في زواجها، و«علانة » منها لاختيارها هذا الزواج المتعب..! ومع كل ما تعاني تراها تتمنى رضاه وتتمنى أن يرضيها فلا تجد نفسها إلا اللوحة المنسية وسط أكوام من المهملات في مستودع رث منسي..الإحباط دمر كل طموحها وقتل كل أحلامها.. وأتساءل مثلها حين تسألني: ماذا علي فعله؟ أكرر مثلها السؤال علني أجد لها تبريراً لزواجها هذا، ولا أجد غير الحيرة أمامها، عندما أتأمل حزنها، وضجرها مما هي فيه لأنها- وبمنتهى الصدق- لا تستحق كل هذه الحيرة والدوامة التي وضعت نفسها فيها!!