يبدو الإبحار نحو غزة خطوة شجاعة على طريق رفض الحصار والمطالبة بإنهائه، لكن خطوة كهذه لاتزال في نظر الإعلام الغربي ومؤسسات اتخاذ القرار أشبه ما تكون بتظاهرة سلمية كتلك التي تجوب شوارع لندن وباريس. وفي الثقافة السياسية عند الغرب فسحة لا تمنع المحتجين من التظاهر في البر أو البحر للتعبير عن مواقفهم بطريقة سلمية، وفي النهاية، للجماهير شأنها وللحكومات شأن آخر لا يُلزمها سوى بحماية سلامة المتظاهرين. إلا أن الاعتداء على المحتجين والمتضامنين الذين كانوا على متن السفن التي عرفت بأسطول الحرية كشف أن دول العالم غير قادرة على حماية رعاياها من قرصنة جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي امتد نفوذه إلى المياه الدولية. ما حدث الأسبوع الماضي أعاد غزة إلى الواجهة، لكن التصريحات السياسية في أميركا بدت خجولة ومتناقضة بين الحديث عن أن استمرار الحصار أمر غير معقول، والحديث عن حق القراصنة المحتلين في الدفاع عن كيانهم الذي يتغذى على التنكيل بأصحاب الأرض الحقيقيين وبمن يتجرأ على التضامن معهم. عادت غزة المحاصرة إلى الواجهة حتى في أجندة الجامعة العربية التي ارتأت أخيراً حمل ملف الحصار إلى الأممالمتحدة، والرهان على أن دماء المتضامنين الأتراك الذين سقطوا في عرض البحر كفيلة بدعم تركيا للمجموعة العربية بهذا الشأن. وإذا ما أردنا أن نكون واقعيين فإن مفاتيح كسر الحصار من جهة البر بيد مصر التي ظلت تتلقى اللوم بسبب إغلاق معبر رفح طوال الشهور الماضية، إلا أنها سارعت باتخاذ قرار شجاع بفتح المعبر إلى أجل غير مسمى بالتزامن مع واقعة الاعتداء على سفن المتضامنين، ويبقى الأمل لدى المحاصرين في أن يظل المعبر مفتوحاً ليرفع اللوم عن مصر ويستبدل بالثناء. ويبدو أن إنهاء الحصار على غزة بحاجة إلى أن يستحضر المجتمع الدولي قدراً من العدالة التي يفترض أن تكون الحضارة البشرية قد وصلت إليها خلال القرون الماضية، بما في ذلك العدالة في معاقبة الخصم، لأن الحصار الشامل الذي يطال الغذاء والدواء وحرية التنقل يمثل عقوبة بدائية قاسية وحرباً غير معلنة على شعب بأكمله. وإذا كان الفصيل السياسي الذي يحكم غزة الآن هو الخصم في نظر المتواطئين مع الحصار، فما ذنب أطفال غزة وسكانها المدنيين؟ وما علاقة المرضى الذين يبحثون عن الدواء بتعثر المصالحة بين غزة ورام الله؟ ولماذا لا يكون إنهاء الحصار مدخلاً للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية؟ هاجس من يحاصر طفلاً يحاصر كرّاسة الرسم كي لا تمر وحلم الأصابع كي لا تلوّن بوابة القدس من يحاصر.. يحاصره الخوف - كاللص - من غده وغداً سوف يعرف أن غداً ليس في يده. [email protected]