عمي يلَوح لي بإجازة عيد في القرية وبيدي ثوب جديد ,لم يحسن والدي شراءه ,حملني عمي فوق كتفه ,وذهب بي إلى محل الملابس القريب من حينَا ,وأخذ لي ثوب جميل ,لم يسعدني ,بعد السيل الجارف المتساقط وحتى وهو يربت علي ويداعب وجهي العابس لم يتمكن من رسم معالم الفرح بعد موال العويل والصراخ, وسوس لي عمي بالسفر إلى القرية ,حتى أحضر زواج أبنته الكبرى , أهدى لها عريسها سبعة قصور وبكل قصر من كل شئ سبعة تخيلت ذلك تخيلت كل الأشياء سبعة ثياب ,سبع أساور ذهب , سبع أحذية سبع حقائب ,وسبع....جمح خيالي في كل شيء واحسبه سبعة,وافقت على الفور .. سأرى الأميرة حقيقة ,هكذا حشوت سمية بكل ما تملك في ذاكرتي البيضاء وصوت أمي الحنون يطاردني( يا أبنتي,سمية في عمرك لا تزال طفلة تلعب في الشارع) برغم تحذير والدتي لي وهي تحاول إقناعي بالعدول عن السفر ,يا أبنتي عمك يضحك عليك ,سمية في عمرك لا تزال طفلة تلعب في الشارع ,لم أصدق ذلك .. تجشمت عناء السفر لحضور عرس ابنة عمي أو بالأحرى رؤية القصور السبعة. جهزت حقيبتي ,وحملني عمي ,وذهب بي إلى محطة الركاب ,ويحملني قلبي الصغير على تحمل عناء السفر مفاجآت ماسأرى هناك ,وفي الطريق يقف عمي لشراء حلويات وهدايا ويقف حتى نأكل إلى أن وصلنا القرية,وضعني عند جدتي ولم أره حتى عدنا إلى المدينة , سمية صباح العيد ,ترتدي ثوب أختها الأصغر منها , وتخرج خمس دقائق إلى بيوت القرية حتى تأخذ العيدية , وتعود تلبس ثوبها الجديد ,قلبي الغض الصغير تعتريه الغصة ونكوص الدهشة هرعت نحو جدتي في الليل خوفا من نباح الكلاب والبرد, فيما جدي والد أمي أراد ان أحل ضيفة في بيته ,رفعني في الظلام بعد تشبثي بمعوزه ,بيت جدي جميل مبني من الطين ,مازال لم تتغير معالمه ولم يدخل الاسمنت والخشب بين حيطانه وسقفه,النوافذ الضيقة الصغيرة , الدولاب المستطيل الزجاجي تطل منه الملابس والمقتنيات يوازي سرير خشبي,وبطانيات صوف, يغطي أرض الغرفة الضيقة سجاد مصنوع من سعف النخيل , وعلى النافذة الصغيرة يتعلق وشاح جدتي الأسود المزخرف يحط على الرأس حين تستقبل الضيوف من النساء ,ظلت جدتي تهدهدني كطفلة رضيعة حتى غرقت في نوم ممزوج بعالم من الخيال ,اسقط من السرير الضيق على الأرض,وأحدث ضجة,تتمتم جدتي البسملة تحملني الى السرير وتغادر الغرفة ,تتركني في جب الطين اعيد تشكيله ,تدلف امرأة ريفية , تضع ثلاث بيضات في يد جدتي ,وتقترب وتهمس في اذني هذه البيضات لك.
ركضت مع جدي نحو المزرعة , شجر البرتقال يطل علي وحبات الحبحب المحلى بطعم السكر ,وصوت الحراثة وهدير الماء أنساني بيوت وقصر سمية ,الطماطم والباميا والعمباء والبلح, يحملني جدي على ظهر حمار ويعود بي إلى الأرض الأخرى المتوارية خلف سلسلة من الجبال حيث يزرع السمسم , نتوءات وطريق عسر وساحر في ذات الوقت. سمية مازالت حاضرة وقصورها الوهمية تكسر معاني الحياة في قلبي الصغير وتحتل خيبة الأمل مساحة كبيرة في حياتي ,وأنا أرى الجميع يقهقه أمامي لأني صدقت كذبة عمي . اعتقدت لحظتها ان عمي أنتصر علي ,كلما المح سمية تضرب أختها الصغيرة وتأكل أكلها وتلبس ملابسها , وليس لديها كل شيء لا تملك ماكان يقوله لي عمي في المدينة ,لا تملك المجوهرات والذهب والملابس الفاخرة والقصور السبعة,طفلة شعثاء الشعر ,تقفز هنا وهناك وتفتري على أختها النحيلة الصامتة . هذه سمية يا عمي ,لماذا ؟ لماذا صورتها لي على غير حقيقتها ,حتى تجلب تفكيري لمرافقتك السفر ,وما الفائدة التي جنيتها أنا كنت احًضر حالي لحضور العرس ولرؤية الأميرة والأمير ,والقصور السبعة . لم يهتم بي احد في العيد غير أجدادي ,لم أر عمي إلا ساعة العودة إلى المدينة , ولم تلعب معي سمية كانت تضرب أختها وتأخذ فلوسها فيما أنا صامتة . عدنا,لم أسأله أين؟ وكيف؟ولماذا؟ كنت أفتش عن القصور غير مصدقة ان سمية المعنية بالأمر,وضحكات عائلتي والجميع تحجز مقاعد من خيبات الأمل وعدم الثقة بعدد قهقهات عائلتي الكبيرة وبعدد السنوات كلما تذكروا عودتي بخفي حنين. قصة قصيرة ل آسيا ناصر