قال الكاتب السياسي محمد جميح :" يمكن للقارئ لأحداث دماج أن يلحظ أنه بعد أن تمت للحوثيين السيطرة شبه الكاملة على محافظة صعدة، عقب اندلاع أحداث ‘ثورة الشباب' في اليمن ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وبعد ارتخاء القبضة الأمنية للنظام على المنطقة، مطلع العام 2011، حاول الحوثيون أكثر من مرة التخلص من الوجود السلفي في المحافظة، ليفرضوا حسب تصورهم سياسة أمر واقع مع اتجاه ‘الحوار الوطني' في اليمن نحو نتائجه الختامية، التي ربما يرى الحوثيون أن كثيراً منها لا تصب في مصلحتهم، بعد أن تم التوافق ضمن ‘فريق عمل صعدة' المنبثق عن مؤتمر الحوار على ‘عودة صعدة إلى سلطة الدولة وقيام الحكومة بواجباتها في المحافظة، وعودة مئات آلاف النازحين الذين هجرهم الحوثيون إلى مناطقهم في صعدة، ونزع الأسلحة الثقيلة'، الأمر الذي يعني بالنسبة للحوثيين خضوع ما يرونه ‘الإرث التاريخي لدولة الأئمة الزيديين' من جديد لسلطة الدولة والجمهورية، وضياع مكتسبات سياسية وعسكرية حققوها خلال ست جولات من الحرب التي بدأت عام 2004 مع نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح". وأضاف جميح في سياق مقال له بالقدس العربي : "لوحظ خلال المواجهات بين السلفيين والحوثيين في دماج، أن الحوثيين كانوا يحرصون على إيصال رسالة إعلامية تتضمن شراسة الهجوم الحوثي على المنطقة، على غير عاداتهم في مواجهاتهم مع النظام السابق، حيث كانت رسائلهم الإعلامية تشير إلى أنهم جماعة معتدى عليها، وتقف في موقف الدفاع عن النفس أمام كثافة نيران قوات الجيش اليمني". وتابع جميح تحليله قائلا :"أما في حالة ضرب دماج خلال الأيام الماضية فلم يأبه الحوثيون كثيراً للرسالة الإعلامية التقليدية، بل على العكس، حرصوا على توجيه رسائل إعلامية نارية ، توازي حجم الكثافة النيرانية على دماج. ويرجع حرص الحوثيين على الظهور بمظهر القوي المسيطر في معارك دماج إلى عدة أسباب، يأتي في مقدمتها محاولة إيصال رسالة إلى قبائل محافظة صعدة، التي تشير تقارير إلى تململها من سيطرة الحوثيين على محافظتهم، حيث يخشى الحوثيون من تأثر القبائل المجاورة بصمود قبائل دماج، ومن ثم القيام بعمل مسلح للتمرد على الحوثيين الذين فرضوا أنفسهم بقوة السلاح على قبائل المحافظة" واكد الكاتب" أن الحوثيين في ما يبدو يسعون كذلك، بمحاولة إخلاء الوجود السلفي في المحافظة، إلى إنشاء ‘مربعهم الأمني' الخاص في صعدة أسوة بحزب الله اللبناني، الذي نجحت سياسته في اعتماد ‘المربعات الأمنية' في الحفاظ على كوادره ومؤسساته إلى حد ما في مأمن من الاستهداف الأمني. ويرى الحوثيون في الوجود السلفي في المحافظة عائقاً يحول دون تحقيق هذا الهدف، بعد أن تم في سبيل تحقيقه طرد مئات الآلاف من المحافظة ممن لا يتفقون وسياسة الحوثي وتوجهاته" وأوضح جميح قائلا :"على الجانب السياسي، أراد الحوثيون كذلك، إيصال رسائل إلى المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني، بأن نتائج المؤتمر ينبغي أن تتوافق مع قوة الأطراف المشاركة فيه، على اعتبار أنهم من الأطراف القوية التي يمكن أن تعرقل سير عملية الحوار الذي لا ينبغي لنتائجه أن تتعارض مع توجهاتهم. وهناك أيضاً احتمال أن جماعة الحوثي سعت من خلال تفجير الوضع في دماج إلى جر الدولة إلى جولة سابعة من المعارك لكي يجدوا منفذاً للتخلص من التزاماتهم إزاء الحوار الوطني، ومن ثم الانسحاب منه نهائياً، حسب اتهامات الجانب الرسمي لهم، أو أنهم على الأقل يسعون إلى سرعة حسم المعركة وتصفية الجيب السلفي الموجود في صعدة، لتتشكل في أيديهم ورقة ضغط قوية يلعبون بها قبيل نهاية الحوار الوطني كما ذكر". واختتم مقاله :" لا يمكن إغفال العوامل الخارجية التي تنعكس بدورها على الداخل اليمني، فالصراع الدائر في سورية، وحالة الاستقطاب الطائفي التي يشهدها الشرق الأوسط، والتنافس السعودي الإيراني على قيادة الأمة الإسلامية، كل ذلك في تصوري تم استدعاؤه مع نيران الأسلحة الثقيلة التي قصفت بها دماج خلال الأيام الماضية، والتي مزجت الرسائل المحلية بالخارجية، تماماً كما تشابك في تفسيرها المحلي والخارجي بشكل وثيق".