هل شاهدنا سور صنعاء فعلا؟ قد يبدو السؤال مستفزا بعض الشيء لنا كيمنيين لأن كثيرين منا يمرون بجواره لكنهم ليتأملون عظمة بنائه وتاريخه كما يتأمله سائح غربي أو زائر لمدينة صنعاء من خارج اليمن فيقف بالساعات يدرس وبعناية هذا السور وكيف بني والهدف من بنائه . والحديث عن هذا السور يطول ويطول لأنه يختزل جزءا من تاريخ صنعاء ومن تاريخ اليمن , ولكن سنتحدث عنه من حيث سر عظمته التاريخية إذ تعتبر مادة بنائه سرا من أسرار عظمته لأنه بني من مادة الطين , باعتبار الإنسان في عصر ناطحات السحاب وأبنية الفولاذ والأسمنت المسلح يكاد لايصدق أن مثل هذا الإنتاج العمراني من مادة طبيعية بسيطة يستطيع البقاء الآف السنين, ومعنى ذلك أن المنازل المبنية من الطين تتعمر أكثر,بل أكثر مما يتصور المرء. وفي كثير من دول العالم الثالث لاتزال مادة الطين تستخدم في بناء المساكن وبرجع سبب ذلك إلى الفقر غالبا خاصة وأن الأسمنت وأحجار البازلت غالية القيمة, ولهذا فمادة الطين التي تجفف بالشمس والهواء لتتخذ شكل أحجار بناء هي الأنسب مايمكن البناء به, وهي مادة متوفرة بكثرة في كل مكان من الأرض وتخلط بالرمل والماء والألياف النباتية والأحجار. كما أن لمادة الطين المستخدمة في البناء مزايا أخرى طبيعية ومتنوعة إضافة إلى ميزة الصمود في وجه الزمن,فالحرارة تبقى معتدلة على مدار السنة ومادة البناء هذه تتلاءم بنفسها مع مختلف الظروف والبيئات الجوية والجغرافية, كما يمكن استخدامها بأشكال جذابة وكثير منها يعطي تعبيرا حيا عن نظرة الإنسان للحياة وإحساسه بها في العالم الثالث, وذلك مايجعل أحدنا يسأل :هل نحن مقبلون على عصر جديد قديم؟ والجواب نعم , فالعودة إلى المستخدمات القديمة والعودة إلى الطبيعة تمثل ظاهرة ملفتة للنظر بعد أم مل الإنسان التكنولوجيا المعلبة التي انتزعت منه أهم مايتميز به(الأحاسيس الجميلة والجودة الطبيعية التي تقاوم الزمن وتركعه),ولعل كل ماسبق حول مادة الطين التي بني بها سور صنعاء يفسر لنا لماذا كانت سرا من أسرار عظمة هذا السور العظيم.... ((أثيريات ))