عضو مجلس القيادة الدكتور عبدالله العليمي يعزي في وفاة المناضل الشيخ محسن بن فريد العولقي    رباعية هالاند تحسم لقب هداف الدوري.. وتسكت المنتقدين    "ثورة شعبية ضد الحوثيين"...قيادية مؤتمرية تدعو اليمنيين لهبة رجل واحد    فاجعةٌ تهزّ زنجبار: قتيلٌ مجهول يُثيرُ الرعبَ في قلوبِ الأهالي(صورة)    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    استهداف السامعي محاولة لتعطيل الاداء الرقابي على السلطة التنفيذية    لماذا رفض محافظ حضرموت تزويد عدن بالنفط الخام وماذا اشترط على رئيس الوزراء؟!    الليغا: اشبيلية يزيد متاعب غرناطة والميريا يفاجىء فاليكانو    جريمة مروعة تهز شبام: مسلحون قبليون يردون بائع قات قتيلاً!    "جروح اليمن لا تُداوى إلا بالقوة"...سياسي يمني يدعو لاستخدام القوة لتحقيق السلام المنشود    وفاة مريض بسبب نقص الاكسجين في لحج ...اليك الحقيقة    " تصريحات الزبيدي خاطئة ومضرة وتخدم الحوثي!"..صحفي يحذر من تمسك الزبيدي بفك الارتباط    رصاصاتٌ تُهدد حياة ضابط شرطة في تعز.. نداءٌ لإنقاذ المدينة من براثن الفوضى    ليفربول يعود إلى سكة الانتصارات ويهزم توتنهام    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    أين تذهب أموال إيجارات جامعة عدن التي تدفعها إلى الحزب الاشتراكي اليمني    ورشة في عدن بعنوان "مكافحة غسل الأموال واجب قانوني ومسئولية وطنية"    السلطة المحلية بمارب توجه بتحسين الأوضاع العامة بالمحافظة    الرئيس الزُبيدي ينعي المناضل محسن أبوبكر بن فريد    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    الوكيل الحسني يطلع على سير اعمال مشروع إعادة تاهيل الشارع العام مدخل مدينة الضالع    افتتاح دورة مدربي الجودو بعدن تحت إشراف الخبير الدولي ياسين الايوبي    خصوم المشروع الجنوبي !!!    الحبيب الجفري ناعيا الشيخ بن فريد.. أكثر شيوخ القبائل والساسة نزاهة في بلادنا    لماذا اختفت مأرب تحت سحابة غبار؟ حكاية موجة غبارية قاسية تُهدد حياة السكان    مجلس القضاء الأعلى يقر إنشاء نيابتين نوعيتين في محافظتي تعز وحضرموت مميز    قيادي حوثي يعاود السطو على أراضي مواطنين بالقوة في محافظة إب    تنفيذي الإصلاح بالمهرة يعقد اجتماعه الدوري ويطالب مؤسسات الدولة للقيام بدورها    الإصلاح بحضرموت يستقبل العزاء في وفاة أمين مكتبه بوادي حضرموت    الاحتلال يرتكب مجازر جديدة بغزة وارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و683    بخط النبي محمد وبصمة يده .. وثيقة تثير ضجة بعد العثور عليها في كنيسة سيناء (صور)    غدُ العرب في موتِ أمسهم: الاحتفاء بميلاد العواصم (أربيل/ عدن/ رام الله)    أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    صحيفة بريطانية: نقاط الحوثي والقاعدة العسكرية تتقابل على طريق شبوة البيضاء    ماذا يحدث داخل حرم جامعة صنعاء .. قرار صادم لرئيس الجامعة يثير سخط واسع !    الحكومة تجدد دعمها لجهود ومساعي تحقيق السلام المبني على المرجعيات    نجوم كرة القدم والإعلام في مباراة تضامنية غداً بالكويت    اشتباكات بين مليشيا الحوثي خلال نبش مقبرة أثرية بحثًا عن الكنوز وسط اليمن    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني في صنعاء وعدن    ماذا يحدث في صفوف المليشيات؟؟ مصرع 200 حوثي أغلبهم ضباط    ثعلب يمني ذكي خدع الإمام الشافعي وكبار العلماء بطريقة ماكرة    الحرب القادمة في اليمن: الصين ستدعم الحوثيين لإستنزاف واشنطن    المشرف العام خراز : النجاحات المتواصلة التي تتحقق ليست إلا ثمرة عطاء طبيعية لهذا الدعم والتوجيهات السديدة .    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    أرسنال يفوز من جديد.. الكرة في ملعب مان سيتي    مارب.. تكريم 51 حافظاً مجازاً بالسند المتصل    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كنفيدرالية الجنوب وفيدرالية الشمال ... التفكيك من اجل الوحدة
نشر في سما يوم 28 - 04 - 2015

وقَعَت بالأمس المكونات السياسية في اللجنة المصغرة لفريق القضية الجنوبية على وثيقة حلول وضمانات القضية الجنوبية بغياب أي تمثيل حقيقي للجنوب ، تتجه الضمانات في إطارها العام إلى تقسيم الجنوب إلى إقليمين متجاوزة مطلب الحد الأد التفكيك من اجل الوحدةنى الذي قبلته بعض الإطراف المشاركة في الحوار والمتمثل بإعادة تشكيل الدولة إلى إقليمين في الشمال والجنوب وفقا لمشروع الشمال المقدم قبل الوحدة ، وقبل أيام نشرت العديد من المواقع الالكترونية وثيقة تاريخية تتعلق بمشروع الدولة في الجنوب لإقامة نوع من الاتحاد الكنفدرالي مع الجمهورية العربية اليمنية حينها، وكان واضحا من مضمون وعناصر الوثيقة أنها تتضمن رؤية بعيدة وعميقة لمستقبل العلاقات بين الدولتين بغض النظر عن وجود بعض الجمل والصياغات العاطفية التي فرضتها ظروف وثقافة المرحلة السائدة ، وتبين بأنه حتى يوم 30 نوفمبر 1989 لم تكن الوحدة هدفا أنيا أو مرحليا بالنسبة للدولة والحزب في الجنوب ، ولم تقر أي من الهيئات الرسمية أو الحزبية أي وثيقة تتعلق بالوحدة الاندماجية أو الفيدرالية، وكانت الاتصالات القائمة بين الدولتين تقوم على أساس مشروعين :
مشروع الجنوب الذي يتبنى شكل من إشكال الاتحاد الكنفدرالي، ويقوم على تكوين هيئات اتحادية بينهما بشكل تدريجي سعيا نحو إقامة دولة اتحادية بعد 5 سنوات كحد ادني.
مشروع الدولة في الشمال الذي تبنى الاتحاد الفيدرالي، المتضمن وحدة الدولتين في دولة واحدة ، السياسة الخارجية والدفاع ،والمالية مع بقاء حكومتين في صنعاء وعدن .
خلفية مشروع الجنوب كانت ترتكز على عدد من الأسس أهمها ، صعوبة قيام دولة اتحادية بشكل مباشر في ظل وجود نظامين سياسيين واجتماعيين مختلفين وحالة العداء والمواجهة بينهما ، جغرافيا سياسية وكيانات متعددة مستقلة عن بعضها لما يقارب ثلاثة قرون ،وعدم وجود أي دولة مركزية تم تفككها في العصر الحديث ليجري استعادة وحدتها أسوة بالحالة الألمانية، أو أي وحدة مماثلة .والشروع في عملية إصلاح سياسي واقتصادي كانت ستؤدي باستمرارها إلى إحداث تغيرات جذرية في بنية النظام السياسي والاجتماعي في الجنوب .
إن التأصيل النظري لقضية الوحدة ومقدماتها ، لم يجر تناولها بشكل موضوعي ومحايد حتى اليوم ، ولم تنقل آو تقرءا الإحداث و الحقائق كما حدثت فعلا في الواقع ، وجرى تغييب وتحوير الكثير من الوقائع السياسية والتاريخية لأغراض ودوافع سياسية وأيدلوجية مختلفة ، فهناك من تبنى فكرة هروب الجنوب إلى الوحدة خوفا من سقوط النظام بعد بوادر تفكك وتهاوى النظام الاشتراكي , وراء البعض أن التوقيع على الوحدة الاندماجية بشكل مفاجئ وخلافا للمشاريع المطروحة ، كان يعبر عن وجود أزمة في القيادة الحزبية في الجنوب وهي أزمة ذاتية لا تمثل أزمة جوهرية في النظام والدولة ، فقد كان إمام الجنوب خيار تطبيع وتوسيع العلاقات مع دول الخليج والانفتاح على الغرب ، والاستمرار بعملية الإصلاح السياسي والاقتصادي الذي استهدف تقييم التجربة الماضية و إعادة بناء وتنظيم سلطة الدولة بمضامين جديدة ، وتصحيح الأخطاء التي رافقت تطور هيئات وأجهزة سلطة الدولة في السنوات السابقة ، وغيرها من الممارسات الخاطئة التي أضرت بالوحدة الوطنية ، والإقرار بأهمية مساهمة الرأسمال الخاص في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومراجعة وتوضيح القوانين والأنظمة ذات العلاقة بالقطاع الخاص وبالذات قانون تشجيع الاستثمار وجذب الرأسمال الوطني والعربي والأجنبي للإسهام والمشاركة في النشاط الاقتصادي وتوفير المزايا والإعفاءات والضمانات الكافية و تصحيح قرارات التأميم والإصلاح الزراعي .
كان هناك اتجاه داخل الحزب متحفظ ومعارض للخطوات المتسرعة تجاه الوحدة، ويرى بان اندفاع القيادة في الشمال بالضغط على الجنوب لتحقيقها على أساس خيار الفيدرالية كحد أقصى، هو نتيجة لشعورها بخطورة إقدام الجنوب على انجاز عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي الشامل واستباق أي عملية للمصالحة الوطنية الجنوبية وتزامنه مع الإعلان عن اكتشاف النفط في شبوة وخطوات الانفتاح الذي بدائها الجنوب في مجال السياسة الخارجية، كما إن نجاح الجنوب في عملية الإصلاح ، من شأنه إن يفرض على النظام في الشمال القيام بإصلاحات مماثلة تعزز من مكانة سلطة الدولة وتفسح المجال لإطلاق الحريات السياسية ، وإذا دخل الجنوب في الوحدة على أساس فيدرالي بعد 5 سنوات من الاتفاق على الكنفدرالية فأنه سيدخل إلى الوحدة بنموذج جديد ، قائم على أساس الديمقراطية والتعددية السياسية و بعد إن يكون قد تغلب على اثأر الصراعات الماضية ليدخل الجنوب موحدا وقويا فيما بعد وليس كما كان عليه الحال عام 1990.
وفي خضم الجدل السياسي الدائر اليوم بشأن الوحدة ، فأن في مثل هذه الوثيقة ما يسهم في تبصير الناس بحقائق مغيبة بعد انقضى وقت غير قصير منذ قيام الوحدة ، وتصحيح بعض المفاهيم التي رسخت في الأذهان عن كيفية تحقيق وحدة الصدفة التاريخية بنتيجة التعبئة السياسية الخاطئة وتعمد تغييب وإضاعة وثائق كثيرة بما لها من قيمة تاريخية وسياسية ، وتمثل الوثيقة بمضمونها العام رسالة للقوى التي لم تعتبر من الدروس الماضية ، حيث وضعت اليمن ومصير أبناءه في مزرعة اختبار كلفت الكثير من الخسائر وولدت مصاعب وتصدعات جديدة في مجتمع غير متجانس أصلا في النشأة والتكوين ، ولم تشفع الحضارات القديمة المندثرة للقوم صنع ما يشرفهم في حاضرهم أو ما يعوضهم عن اجترار ماضيهم السحيق ، فَسُحِق الجنوب وقتلت كل أمانيه القومية وأماني البسطاء والمقهورين في الشمال بوحدة تجسد المصالح المشتركة بين الشعبين ، وتسهم في خلق الرخاء والازدهار لهما ومنح الكيان الجديد مكانة معتبرة بين الأمم، وبفشل الوحدة الاندماجية يتأكد اليوم واقعية مشروع الجنوب الذي جرى القفز عليه و كان سيجنب الشعبين الدخول في معركة الوحدة الخاسرة التي تسعى القوى النافذة في صنعاء بنفس العقلية القديمة إعادة فرضها على الجنوب بسياسة جديدة تهدف إلى تفكيكه، مستغلة تبعية بعض أبناء ه من الإتباع المنتفعين بالسلطة ، اعتقادا منها بأن ذلك سيضمن لها استمرار الهيمنة بفعل قدرتها الاقتصادية و ما جنته من ثروات هائلة من خيرات الجنوب وشعبه ، وهي في هذا المسعى بخبرتها التأمرية تسعى الى جعل الجنوبيين يواجهون بعضهم بعضا ، رغم ادراكها وادراك الاتباع انه لا يوجد إي أساس سياسي أو اجتماعي تاريخي لتقسيم الجنوب إلى جزاءين من الناحيتين السياسية والاجتماعية ، حتى قبل قيام الدولة في الجنوب التي قامت كامتداد لأرث اتحاد الجنوب العربي وبقية المحميات المستقلة التي لم تربطها أي وحدة جغرافية او سياسية في العصر الحديث على اقل تقدير.
إن الوحدة بسبب التعبئة الأيدلوجية والسياسية الخاطئة والمد القومي خلال حقبة الخمسينات والستينات من القرن الماضي كانت قضية مقدسة ، ،فهي قدر ومصير الشعب اليمني ، وبني عليها مبدءا أحادية الثورة ووحدة الأداة التي شرع بموجبها للقوى المناوئة لكل دولة المشاركة في الحكم في دولة وممارسة المعارضة للحكم في الدولة الأخرى من اجل استعادة الوحدة المفقودة بسبب التجزئة الاستعمارية وغيرها من الدعاوى الباطلة التي لا يسندها شيء في الجغرافيا أو التاريخ المعاصر في المنطقة ، فالبريطانيون أو الأتراك لم ليأتوا إلى عدن وصنعاء ليقوموا بمهمة التمزيق أو التفكيك للدولة اليمنية العتيدة وتفكيك وحدة الشعب المفكك شعوبا وقبائل منذ قرون خلت، تلك الادعاءات والمسميات والواقع التاريخي للجزيرة العربية والمنطقة العربية بأكملها في ظل الحكم العثماني وحكم التاج البريطاني وما قبلهما ليس لها أي أساس مما يجري تعميمه والتمسك بقدسيته ،ولعل تتبع التطور السياسي والتاريخي لشعوب المنطقة يدلنا على إن حالة اليمن هي حالة شاذة في التأصيل والتفرد للوحدة ، فالروابط القائمة في اليمن جهويا ليست اقوي أو أعمق من تلك الروابط التي كانت قائمة بين دول الشام إلى مطلع القرن العشرين والتي نما وترعرع فيها الفكر القومي وشعارات الوحدة العربية ، ولم تكن بمستوى العلاقات والروابط التي نشأت وتشكلت فيما بعد بين بقية دول شبه الجزيرة العربية التي أقامت لها فيما بعدا طار للتعاون بمسمى جديد لا علاقة له بالتاريخ الوسيط أو القديم ، “مجلس التعاون لدول الخليج العربية ” وليس مجلس شبه دول الجزيرة العربية ، واستطاعت إن تحقق بعقلانيتها وواقعيتها قدر من التكامل والتعاون بين شعوبها والتطور لبلدانها رغم وجود واستمرار الخلافات والتباينات بينها . ونجحت الدول الصغيرة في الاستمرار والتطور والازدهار ليس لنفطها فقط ،بل ولواقعية وبعد نظر قياداتها وبعدها عن الشعارات القومية والثورية وحفاظها على مصالح شعوبها، فاستطاعت دولة حديثة وجديدة كالأمارات بقيادة قائدها الملهم الشيخ زايد بن سلطان ، إن تقدم نموذجا فريدا في أسلوب بناء الدولة من مكونات متعددة في المنطقة ، متبعة الخيار الاتحادي الذي كان قد اقترحه السادة الانجليز كأساس للدولة الجديدة في الجنوب قبل الاستقلال ، وكان الشيخ زايد رحمه الله، قد أوصى قيادتي الدولتين قبل الوحدة بإتباعه.
ويتبين إن حالة اليمن المتمثلة في الصراع من اجل الوحدة ، بعدمية التفكير السياسي وغياب الموضوعية ، وتجاهل حقائق الواقع السياسي والتاريخي ، لن تكون ألا مدخلالمزيد من التفكيك عوضا عن التكامل والاندماج ، فقد تحول النضال من اجل الوحدة إلى صراع بقاء في الحكم والسلطة برداء الوحدة ، فالدولتان في الشمال والجنوب في الماضي، وضعا ووظفا الكثير من قدراتهما ضد بضعهما بالصراع من اجلها ، وعمدت كل دولة إلى التخريب الداخلي والتأمر من اجل إسقاط كل نظام للأخر ، وعوضا عن خلق وبناء التعاون والتكامل بينهما ، وضعا نفسيهما بمشيئتهما ومشيئة الآخرين في معسكرين متضادين على أساس التبعية للغرب والشرق ، دولة حامية للمنطقة من المد الاشتراكي في مواجهة دولة الجنوب ، ودولة تمثل رأس حربة للقوى التقدمية والاشتراكية لإسقاط من أطلق عليها بالأنظمة الرجعية ، وفي مجرى هذا الصراع وعوضا عن التفرغ لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاهتمام بشؤون وتطور الشعبين والتعاون بينهما على أساس عقلاني ينطلق من واقع الاعتراف بوجود دولتين أسوة بدول الجوار الإقليمي، استنزفا الكثير من الطاقات في الحروب والغزوات المتبادلة والصراعات الداخلية في كل دولة منهما، فوصلا إلى مذبح الوحدة المرتجلة كسابقة شاذة في تاريخ المنطقة منتهكتي القوى ، في ظل تمزق وانقسام داخلي وبؤس اقتصادي ، وكمائن واستراتيجيات متبادلة للتأمر ، فالوحدة بينهما لم تكن عمليا ،إلا تهذيبا لعملية الصراع للانتقال نحو صراع اشد فيما بعد ، وهو ما أثبتته الإحداث مباشرة بعد إعلان الوحدة السياسية بين الدولتين ، وكانت هناك توقعات مبكرة بأن الحرب ستقوم في ظل دولة الوحدة ولكنها ستصبح شأن داخلي خلافا لأي حرب قد تقوم بين الدولتين ، وهذه التنبؤات بسير الإحداث قبل الوحدة لم تكن ناتجة عن عبقرية متميزة لأصحابها بل تمثل استقراء وقراءة علمية واقعية لسير وتطور الإحداث والكيفية إلى أدار بها الطرفان صراعهما من اجل الوحدة لأكثر من عقدين تقريبا ،وانطلقت المطالبة حينها من بعض العقلاء شمالا وجنوبا بالتدرج والتأني انطلاقا من الحرص والخوف على مصلحة الجنوب ومصلحة الشمال على السواء ، وعوضا عن التفاعل مع تلك الرؤى والدعوات جوبهت بتسريع الخطى لتحقيق الوحدة ، بدعوى تفويت الفرصة على القوى المتآمرة عليها خوفا من قيام يمن موحد كبير بالجغرافيا والسكان ، و ما سيجتره من أرث وتاريخ حضاري لممالك قديمة بما بقي لها من إطلال لم تسلم هي نفسها من النهب والتدمير ،وتجاهلت القوى والتجمعات السياسية المعرفة بالوطنية حينها، و قوى الحداثة والتغيير فيمابعد التي خسرت معركة وجودها في ظل الوحدة إمام القوى التقليدية التي أصبحت حامية للوحدة المقدسة ومالكة لها ، تحت شعار الوحدة او الموت متنكرة لسلمية وطوعية تحقيقها ، أخطاءات هذه القوى في تقدير قوة ومكانة قوى الدفع العكسي في بنية سلطة الدولة في الشمال ، وبالغت في تقدير قدراتها الذاتية ومكانتها السياسية والمجتمعية في الشمال ، وتناست إن للواقع قانونا أخر، يستلهم فكر الرصاصة والخنجر، وعجزت عن تقييم الواقع بنتيجة قصور في الرؤية السياسية وتبسيط طبيعة عملية الصراع ،بخلفيته وجذوره السياسية والتاريخية والاجتماعية ، فالقوى التي لها مصلحة في إفشال وتدمير ا لوحدة كانت بالقطع تشجع على قيامها بالطريقة التي تمت بها ، لكونها إنشاءات بالنتيجة دولة فاشلة هشة مهللة تتنازعها الصراعات والخلافات ، لتجعلها اضعف من أي دولة صغيرة بسكانها ومساحة أراضيها ، فهي لم تكن لتهتم بشكل الوحدة بل بمضمونها و وبمدى قدرتها على البقاء والتطور . وظلت قوى الحداثة الفئوية تراهن على التغيير بعقلية ثورية مدجنة وسذاجة سياسية نادرة ، وتكتشف في نهاية كل منعطف أنها لازالت تقف عاجزة عن ملاحقة دهاء وإيقاع القبيلة المتفرد في البناء والتكوين عن كل الأحزاب والتنظيمات السياسية .
ومن الواضح إن واقع اليمن يعكس هذه الحقيقة التي تجاهلت دور ومكانة وتركيبة البني الاجتماعية القائمة في الدولتين ، فأنتجت المزيد من التفكك والتنافر الاجتماعي بين طرفي الوحدة ، ومع استمرار حالة الصراع والتجاذب السياسي حول الخيارات المختلفة للمحافظة على كيان الدولة الرخوة ، وإصرار القوى المنتفعة من ثمار الصدفة التاريخية التي ساقت الجنوب إلى مصيدة الوحدة ،على تكرارذات المشهد السياسي الذي سبق حرب 94 وقاد إليها نتيجة رفض خيار العودة إلى الفيدرالية الذي كانت قد اقترحته الجمهورية العربية اليمنية من قبل بحجة أنها تمهد للانفصال ، فهذه القوى نفسها تسوق نفس الحجج والتبريرات اليوم ، ليس بدافع الحرص على مصالح الشمال أو الجنوب ،ولكن للحافظ على المصالح والمكاسب الفئوية التي تحققت بنتائج الحرب مع قليل من التشذيب في المسميات التي اقتضتها ظروف نضال الحراك الجنوبي و الخريف العربي في اليمن، متجاهلة الأسباب الحقيقية لمقتل الوحدة في مهدها ، وحقيقة وجود جيل كافر بها وبقيمها الفيدية والرعوية ، حيث لم يُرى منها إلا البؤس والشقاء والخراب ، ومحاولة التنظير للفصل بين الممارسة السياسية للسلطة وتطبيقاتها عن قضية الوحدة ، يعتبر تبرير مبتسر ومخادع ، فباسم الوحدة وتحت مظلتها ورايتها و قدسيتها ، تم ممارسة كل الشرور والآثام ، واستخدمت كوسيلة لتحقيق الغايات والأهداف السلطوية ، وأداة للقهر والظلم والتسلط والنهب وتدمير القيم والحقوق الإنسانية ، و فق سياسات وخطط منظمة استهدفت بقصد وتصميم مسبق طمس هوية ووجود شعب الجنوب وتزوير تاريخه وحرمان أبناءه من العيش على أرضهم والتمتع بخيراتهم وحريتهم وكرامتهم الإنسانية .

ولاشك ان الضمانات المعلنة للقضية الجنوبية قد جاءات لتؤكد ما تردد من قبل بإقرار خيار إعادة بناء الدولة على أساس أكثر من إقليمين ، وهو خيار لا يستقيم منطقيا مع مقدمات وطبيعة نشؤ الدولة الراهنة ، فالدولة اكتسبت شخصيتها الدولية بنتيجة وحدة دولتين ، وهما الطرفان اللذان قامت على أنقاضهما الجمهورية اليمنية ، لم تكن الوحدات الجغرافية الموجودة في الدولتين السابقتين إطرافا أصلية أو منشئة للوحدة الاندماجية ، وبفشل الوحدة الاندماجية بين الدولتين فان خيار إعادة بناء الدولة إلى شكل اتحادي يجب إن تقوم بين الإطراف المنشئة لها و لا يمكن أن يجعل من الوحدات الجغرافية إطرافا جديدة في تشكيل هذا التكوين ، و الحفاظ على الوحدة لا يعني القيام بمهمة التفكيك للإطراف المكونة للوحدة ذاتها لإعادة بناء الدولة، فكيان الشمال تشكل كوحدة واحدة جغرافية وسكانية وسياسية منذ مئات السنين، وتشكل الجنوب ، امارات ، وسلطنات ومشيخات ، بإرث الاستعمار البريطاني والدولة في الجنوب ، ورغم وجود الكيانات المستقلة ، إلا إن الحماية البريطانية عمقت الروابط بين تلك الكيانات وحدت من الصراعات حتى تمكنت من إدخالها في كيان واحد استمر وتعزز بقيام الدولة في الجنوب بعد الاستقلال ، وبالتالي فان إعادة صياغة شكل وتركيب الدولة يجب إن يقوم على حقيقية العلاقة التعاقدية المنشئة لها وليس بتبني تفكيك إطرافها بغية خلق معادلة وتركيبة جغرافية سياسية جديدة ومغايرة للواقع القائم قبل تشكل الدولة ، كما إن الخروج من مأزق الوحدة الاندماجية التي تعذر تحقيقها في وعي ووجدان من يفترض أنهم قد سعوا إليها وناضلوا من اجلها ، لا يمكن انتاجه بإعادة قولبتها بتخريجات جديدة تعتبر أكثر خطورة وضررا من الوحدة الاندماجية نفسها ، لكونها تتجاهل مرة أخرى الأسباب والاعتبارات والعوامل الموضوعية والذاتية التي أوصلت ارث وتاريخ الدولتين وواقع البلاد الموحدة إلى هذا المصير من التداعي والتفكك ، وإضعاف ما تبقى من روابط وطنية داخلها، وأي تبني لفكرة الأقلمة والتقليم المنافي لحقيقة وجود الدولتين قبل الوحدة ، سيمهد بدوره الأرضية لكل إقليم لمحاولة بناء هوية جديدة في ظل دولة هشة ، وسيطرة النزعة القبلية والجهوية على حساب الهوية الوطنية التي لم تتشكل آو تتجذر بالوعي والممارسة ، ويجعل أمر التحكم والسيطرة على الأقاليم الجديدة من حيث نفقاتها وإدارتها أكثر صعوبة وتعقيدا من إدارة الدولة لإقليمين وبحكومتين يعتبر وجودهما سابقا لوجود الدولة القائمة نفسها، وفكرة التعدد الإقليمي اللاحق هي مسألة تتصل بالتقسيم الإداري الجغرافي لا السياسي ، و هي مع ذلك لا تستند إلى أي معايير واقعية ، لكونها تتجاهل واقع تناسب المساحة والسكان والثروات ، وتغيب البعد الاجتماعي والتاريخي في ابتداع هذا التقسيم ، ناهيك عن ارث الدولتين في الشمال والجنوب ، وهو مطلب يتسم بنزعة كيدية نفعية من الصعب البناء عليه بآي منطق يتعامل مع فكر الدولة وأسلوب إدارتها وبنائها ، ومنطق القبول بخطوتين إلى الوراء تضمن الوحدة وخطوة إلى الإمام تمهد للانفصال أمر يفتقر للموضوعية و يعبر عن مكابرة وعدم اعتراف بفشل الوحدة بصيغتها ألراهنه ، ويرفض في ذات الوقت حقيقية الاعتراف إن الدولة تكونت باندماج دولتين ، ويهدف لتأكيد مقولة أحقية الشمال بالجنوب كفرع عاد إلى الأصل ، ولتأصيل تفكيك الجنوب بوحي من هذا الاعتقاد ، يتجه أصحابه للقبول بتقسيم الشمال في مقايضة عدمية هدفها منع وحدة الجنوب ، فالضامن لبقاء الوحدة هو تفكيك الشمال المفكك قبليا، وتغيير تاريخ الجنوب ورفض الاعتراف بوجوده كدولة سابقة وكيان مستقل.
وربما ان المنطق السياسي والتاريخي ، وخبرة الصراع من اجل الوحدة ورفض التنوع في ظلها ، يضع خيار العودة إلى النظام الاتحادي بإقليمين خيارا للحد الأدنى مؤقتا بعد فشل الوحدة الاندماجية ، وان كان الأفضل للشمال والجنوب العودة إلى وضعهما كدولتين قبل الانهيار المتوقع للدولة بنتيجة الصراع ، وان تصاغ العلاقة بينهما في إطار كنفدرالي بنفس التركيب الذي اقُترح من قبل الجنوب قبل الوحدة ، أو بشكل أكثر تطورا بالاستفادة من الخبرة المكتسبة في ظل الوحدة، .وان يترك للدولتين إعادة صياغة شكل وطبيعة نظام الحكم في كل منهما ارتباطا بظروفها وخصائصها بما في ذلك الشكل الاتحادي ، دون تدخل من الدولة الأخرى ، وان يجري التمهيد لمثل هذا الخيار بدراسة مجموعة من الإجراءات والتدابير والمزايا الضامنة للمواطنين في الدولتين في الدولة الأخرى ، كحرية النشاط الاقتصادي والإقامة والتملك وحق الاحتفاظ بجنسية الدولتين وفق أسس ومقاييس معينة بالنسبة للأعضاء الأسرة الواحدة أو من استقر في الشمال والجنوب قبل الوحدة .
إن أزمة الدولة و ضعف إدارة السلطة ، وتعثر الاستحقاقات السياسية التي وجدت من اجلها حركة التغيير باستمرار صراع وتجاذب القوى المتحكمة بمفاصل السلطة ، وما رافق ذلك من تدافع وتأكل لأجهزة الدولة وانفلات امني وتخريب اقتصادي وضعف للروابط الوطنية وتكفك للنسيج الاجتماعي ، واستمرار تجاهل دوافع وأسباب ثورة الجنوب وتنامي دور ومكانة حركة أنصار الله في الشمال ، و ظهور قوة التنظيمات المتطرفة على مختلف مسمياتها واتجاهاتها، وإدارة الحوار الوطني بمنهج الفكر السياسي الأوربي المحكوم بوعي القبيلة وقوالب بنعمر ، والانغماس في وضع تخريجات نظرية وسياسية لمستقبل الدولة الأفلاطونية والحكم الرشيد والعدالة الانتقالية ، لا يمكن إن يقدم حلولا ناجعة للأوضاع القائمة في وقت لازالت فيه البنية الاجتماعية تؤكد إن وضع اليمن هو اقرب لمجتمع ما قبل الدولة ، وان الدولة ذاتها مجرد مشروع وفكرة لم يتجسد وجودها واقعيا بغض النظر عن وجود الهياكل والمؤسسات والطابع السياسي والحقوقي والكيان الدولي لها، فإيقاع الصراع لازال محكوم بهيمنة القبيلة ، تجملها وتلتف حولها بعض المصالح الفئوية بممسيات لأحزاب وتكتلات فئوية نخبوية وتجارية، و تمارس دورها على هامش القبيلة وثكنات العسكر وبؤر الفساد القديمة والجديدة على السواء ، كان من المؤمل بنتيجة الحوار، إن يتعلم الساسة من أخطاء غيرهم ، باتخاذ خطوات عملية جادة تسهم في وضع حلول واقعية للمشكلات القائمة وأهمها ،إعادة صياغة عقد سياسي جديد بين الشمال والجنوب بعد فشل الدولة والنظام في تحقيق أي روابط وطنية حقيقية ، وللأسف إن كل الدلائل تؤكد إن الرئيس عبد ربه منصور كرئيس توافقي لا يمكنه التوصل إلى نهاية مأمونة ومقبولة لكل الإطراف المتصارعة على الحكم و الموحدة فقط في مواجهة الجنوب ، فقوى الحرب تعيد بناء تحالفاتها بصيغ جديدة، وباستغلال جنوبية الرئيس المنصور وتفكك النخب الجنوبية ومكونات الحراك ونفعية بعض الشخصيات الجنوبية في السلطة ، وتسعى إلى ممارسة الابتزاز وفرض الخيارات المتفقة مع إرادتها ومصالحها، و ستترك ورائها كل الخلافات بدافع حماية الوحدة المقدسة ، فشهية الفيد لازالت قائمة رغم كل ما فعلوه بالجنوب وهي لم تصل بعد إلى نهايتها ، و أن كان على حساب شعبهم في الشمال أيضا .
ومن البين ان اسلوب ادارة الحوار الذي لم يمثل فيه الجنوب تمثيلا حقيقيا بقواه الأساسية على أساس من التكافؤ والندية ، كان يؤشر بوضوح الى وجود قرارات جاهزة ، مشفوعة بدعم ورغبة إقليمية لتقسيم الجنوب والشمال لأسباب معروفة ، واذا كان التاريخ سيأخذ على القيادة الجنوبية في عام 89 أخطاءها بإدخال الجنوب في وحدة الحاقية بتأثير من الافكار القومية، في ظل ظروف لم تكن فيها الرؤية قد تبنيت لموقف ونوايا الطرف الأخر المبيته للانقضاض على الجنوب بكيانه الدولي، وتحويل شعبه إلى رعية في ضياع ومرابع القبيلة ، فأن التاريخ سيسجل أيضا أن الرئيس هادي سيرتكب خطاء اكثر جسامة من قوى الشمال نفسها ، ليأتي اليوم مجددا وباستغلال موقعه الصوري التوافقي ليكون مطية أو أداة في تقسيم الجنوب في مخطط جديد لقوى الحكم في صنعاء ، مقابل التجديد له في ولاية رئاسية ليس فيها مايغري رجل في مثل عمره وتجربته المريرة في السلطة ، فهو لن يحصل على المجد الذي اضاعة الآخرين من قبله ، وستكون مهمته مجرد رجل إطفاء ، لإخماد الحرائق بين الفر قاء عند الحاجة ، ولن يسلم في نهاية المطاف من نيرانها ،وسيظل ولو الى حين حبيسا في قصره وسراديب منزله المحاصر إن كتب له الوصول آو إكمال ولايته المرتقبة.
للأسف سيجد الجنوبيون الذين خذلوا شعبهم انهم في نهاية المطاف لا وطن لهم في الشمال او الجنوب ، بعد ان تستعيد قوى الحكم عافيتها وترمم وحدتها ، وبعد ان يكون الاتباع من أبناء الجنوب قد قاموا بوظيفتهم في إطلاق شرارة مخطط التقسيم ، الذي لن يكتب له النجاح أبدا، فشعب الجنوب لا يبحث عن حريته واستعادة دولته بإقليم أو أقاليم، والمراهنة على انقسام واختلاف مكونات الحراك والثورة الجنوبية لن تسمح مطلقا في تمرير مشاريع تمزيقه وفقا لمسعى مركز الحكم الرشيد ، وستكون عملية التفتيت مستحيلة بعد إن تعذرت عملية الابتلاع والهضم التي أرادوا لها إن تكون على مدى أكثر من عشرين عاما وفشلت بفضل صمود شعب الجنوب وحراكه العظيم.
وبعد ان اتضحت الوجهة النهائية لقوى الحكم في صنعاء وإتباعها، وفي ظل إصرارها وعدم رغبتها في الوصول إلى نهاية مأمونة بالنسبة لمستقبل وحاضر الشعبين ، فأن على قوى الحراك الجنوبي ان تدرك جيدا ، إن مخطط التقسيم قد اقر قبل انطلاق الحوار الصوري ، والتعمد في التطويل والتسويف وعدم الاستعجال في إعلان النتائج لم يكن إلا وسيلة لكسب الوقت في محاولة للتسويق وخلله وتفكيك الحراك أولا ، والمخطط بطبيعته ومضا منية يعتبر أكثر خطورة من الوحدة ونتائج حرب 94 وسيصيب الشمال نفسه في مقتل ، فالجنوب نهض بعد الحرب رغم الجراح موحدا متمسكا بهويته ووجوده ، ومضت مسيرة الحراك الجنوبي في الدفاع عن الجنوب وهويته رغم الاختلاف والتباين ، ولهذا فان على قوى الحراك مهمة العمل الفوري لتشكيل كيان وطني موحد ، يضمن تحقيق الحد المعقول والمقبول للوحدة الوطنية الجنوبية والتحكم بإيقاع ووجهة نضال شعب الجنوب ومساره ، لمواجهة غزو جديد ، بأسلوب ماكر متستر تحت رداء التقسيم من اجل الاتحاد وقدسية الوحدة الضائعة ، فمصلحة القوى القبلية ومراكز الحكم في صنعاء في استمرار السيطرة على الجنوب يدفعها إلى انتهاز كل الفرص لجعله ضعيفا وممزقا في مواجهتها، وهي ما تزال تنظر إن كل خطوة لتعزيز الجنوبيين لوحدتهم بأنه عملا موجها ضدها . ولن تقبل مطلقا التسليم بحق الجنوب طواعية إن عجز أبناءه عن انتزاعه منها.فالعقلية هي نفس العقلية لم يهذبها فكر أو ثقافة ، وفكر الفيد بالنسبة لها يسبق فكرة الدولة وتجسد بالممارسة قانون الغاب ونظرية البقاء للأقوى .
إن تعزيز القناعة بطوعية الوحدة يتناقض تماما مع حتمية وجودها ، وهي في نهاية المطاف محكومة بإرادة الإطراف المعنية بها ، ولم يعد ممكنا بعد الفشل الذي منيت به تجربة الوحدة الاندماجية ألا العودة لشعب الجنوب الذي من حقه وحده تقرير مصيره بالاستمرار في الوحدة بأي صيغة سياسية جديدة ، أو تقرير أي خيار أخر يتفق مع مصالحه ، بما في ذلك حقه في استعادة الدولة بعيدا عن أي منهج للالتفاف على ممارسته لهذا الحق ، ولعل اقصر الطرق واقلها كلفة تتمثل بتنظيم عملية استفتاء في الجنوب لتقرير موقف الشعب من الاستمرار في الوحدة بالصيغة الاتحادية ، أو استعادة دولته وإقامة اتحاد كنفدرالي بين الدولتين ، وستثبت الأيام إن محاولة فرض أي خيار أخر سيؤدي بالنتيجة إلى صراع مستمر ومخاطر كبيرة لا يمكن التنبؤ بنتائجها الوخيمة في الشمال والجنوب على السواء.!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.