أخيرا لدغت الأفاعي الرئيس اليمني علي عبدالله صالح صاحب المقولة المشهورة إن حكم اليمن مثل "الرقص على رؤوس الثعابين"، هذا الرجل الذي تفرد بإدارة البلاد 33 عاما ولعب على التناقضات القبلية والعقائدية واستخدام ورقة القاعدة للاستمرار في السلطة. أخطأ علي صالح عندما أعماه حب السلطة عن قراءة التحولات التاريخية الكبيرة في اليمن والمنطقة وظن أنه سيكون قادرا على التغلب على ما يجري عبر الكذب والتدليس والخداع " واللف والدوران"، ولم يستطع أن يرى الحقيقة على الأرض، ولم يقتنع أن ملايين اليمنيين خرجوا للمطالبة برحيله في كل المدن اليمنية، وتحول من رئيس دولة إلى "زعيم مظاهرات" يخرج كل يوم جمعة لقيادة من يجمعهم لمناصرته، وعندما وجد أن الأمور صارت قاب قوسين أو أدنى من الإفلات من يده، هدد بإشعال حرب أهلية في البلاد، فكان رد اليمنيين "سلمية.. سلمية"، ورفضوا الانجرار إلى الحرب رغم امتلاكهم لما يقرب من 80 مليون قطعة سلاح، فما كان منه إلا أن قفز إلى الخطة الجنونية وهي تفعيل إشعال الحرب بقصف منزل الشيخ صادق الأحمر أثناء اجتماع لزعماء القبائل وشخصية أمنية كبيرة كانت تقوم بواسطة للخروج من الأزمة.. كان يريد التخلص من الجميع بضربة واحدة وإشعال الحرب الأهلية في الوقت نفسه، ونجح جزئيا في إشعال حرب محدودة، ولم يكن يتصور أن الإقدام على قصف منزل الشيخ صادق الأحمر، شيخ مشايخ حاشد، ستكون الورقة الأخيرة التي ستقضي عليه، فقد توعد الشيخ صادق الأحمر بإخراجه من اليمن "حافي القدمين"، وفعلا وفّى بوعده وأخرجه ليس حافي القدمين فقط، بل على نقالة يعاني سكرات الموت، تسكن الشظايا صدره وتحت قلبه، وقد احترق وجهه. هذه المرة لم يستطع صالح أن يرقص على رؤوس الأفاعي، وعندما حاول أن يلعب معها لدغته تلك اللدغة القاتلة، لقد أخطأ الحساب والتقدير عندما حاول إثارة العامل القبلي لإشعال نار الحرب، ونسي أو ربما لم يتعلم أن العبث مع القبائل لا يقود إلا إلى الموت، وأنه لا يوجد في التاريخ أي إمبراطورية، وليس فقط دولة أو حاكم، استطاعت أن تنتصر على قبائل تحترف الحرب، وتقاتل بلا هوادة، ونسي أن ينظر باتجاه أفغانستان، حيث تقارع طالبان حوالي 200 ألف جندي من 42 دولة ومعهم جيوش من المرتزقة، ومع هذا لم تستطع أن تنتصر، بل أقرت بالهزيمة عندما صرح وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس قبل أيام أنه لا حل عسكري مع طالبان وأن المطلوب حل سياسي، ويعلن عن سحب القوات الأمريكية من هناك. لم يستفد صالح من دروس الثورات في تونس ومصر، وظن أن الشعب اليمني لا يتمتع بنفس الإرادة والتصميم للإطاحة بحكمه كما فعل التونسيون بابن علي والمصريون بمبارك، فكانت النتيجة نموذجا ثالثا من نماذج الهزيمة للحكام العرب، الأول هروب ابن علي من تونس إلى جدة، والثاني خلع مبارك ومحاكمته، والثالث إخراج علي صالح من اليمن حافي القدمين على نقالة، وننتظر النموذج الرابع والخامس في ليبيا وسوريا، ولا ندري على أي شاكلة ستكون نهاية عقيد ليبيا ودكتور سوريا، وهما اللذان ملئا طريقهما بالدم والجثث والدمار. لم تنته القصة في اليمن بعد، فعلي صالح الذي أشعل النار فأحرقته، انتقل إلى السعودية كي يتعالج، لكنه ترك 35 من أبنائه وأبناء إخوته وأقاربه يديرون الحرب في البلاد، وكشف ذلك أن صالح كان يدير اليمن مثل مزرعة شخصية له وأبنائه وأقاربه. لم يترك صالح في اليمن أي شيء يحمد عليه، فاليمن بلد يحتل أدنى مرتبة في العالم علميا وصحيا ويفتقر للبنية التحتية.. لقد ترك البلد خرابا، حكمه ثلاثة عقود دون أي إنجاز يذكر اللهم إلا وصفه اليمينين بأنهم ثعابين وتفاخر بقدرته على الرقص على رؤوسهم، وهو التفاخر الذي سيندم عليه، إذا كان لديه ما يكفي من الوقت لكي يندم. [email protected]