إلهي الكريم، لقد جل أمري، وازداد قهري، وأعياني صبري، وضاق صدري، بعد أن عشت شدائد زماني ودهري، وعرفت عند بني الإنسان قدري، إذ يبيتون وفي رؤوسهم أم الغدر لغدري، فنطقت لك اللهم بلسان حال يشكو عظيم عسري. إلهي الكريم، خلقتني والسماوات في ستة من الأيام، وجعلتني رحبة ذات سعة ورزق للأنام، فصرت اللهم بأمرك أرويهم الماء من عطش وأطعمهم من جوع بإذنك خير وأفضل الطعام، حيث أخرجت سبحانك مني طعاماً وشراباً لهم ولسائر الأنعام. إلهي، أكرمت بني الإنسان كما أمرتني، ورضيت له سطحي مراحاً ورواحاً بشكل دؤوب، فلم أشك من الإنسان ثقل استقراره أو كثير سيره علي في مختلف الدروب، ولكن بني الإنسان لم يعرفوا قدري فأحرقوا صدري بنار الحروب، فعاثوا في فسادا، وأهلكوا الحرث، وحددوا النسل، وقطعوا كل خضر محبوب، نخيل باسقة وأشجار يانعة، هي هبة منك ورزق لهم ولغيرهم من الخلق فأفحموها بسواد بغض القلوب، وأخرى أنهار جارية أفسدوها، وبحور متفاوتة أشعلوها بحمأ الأسلحة الغاضبة الظالمة الفاتكة المسكوب، ففيهم إلهي وأنت العليم أمة منهم، وفيهم أمم ممن خلقت يتقون الحروب ودمار الحروب، فيرونها أعظم ما كان في هذا العصر من الكروب، يعيشون على ظهري وفي فلكي، سبحانك اللهم قولهم، وهم ركع سجد في كل أحوالهم من الغروب إلى الشروق، ومثله تكراراً إلى الغروب. فإلهي، أزل منهم من طغى وتكبر ثم استغنى عن الحق المبين، فإنك قد أهلكت جمع عاد وجمع ثمود وفرعون الظالمين، وقبلهم ممن ظلم وطغى من البشر الأولين، وابق اللهم على ظهري الصالحين المستغفرين، الذين اتبعوا محمداً، صلواتك اللهم عليه وسلامك، الذي جاء منك بالحق اليقين، ليكبروك اللهم مسبحين، وفي عملهم للخير ابتغاء وجهك الكريم ما زالوا متسابقين، فهؤلاء اللهم عباد بك آمنوا فاجعلهم الآمنين، أما أولئك هم ركائز الكفر في هذا الزمان ودعاته فأهلكهم أجمعين، واجعلهم من الهالكين، ونج اللهم من كان بينهم من المسلمين، كما أنجيت نوحاً وأمماً معه في السفينة، ورددت موسى إلى أمه وقرت به عينها، فرحمتك اللهم تشمل، وبها بعثت محمداً للعالمين. وغضبك اللهم تحيط به من حقت عليهم كلمتك، كلمة العادل ذي القوة المتين. فأشهد اللهم ويشهد معي من صلح من بني البشر أنك لرب العالمين، واحد لا ند لك ولا شريك، ولم تولد، ولم تلد، ولم تتخذ لك أحفاداً وبنين، ولم تتخذ لك صاحبة ولا معيناً يا أكرم الأكرمين، ونشهد أن محمداً رسولك إلينا، جاءنا بالهدى والنور المبين، ونشهد أن معادنا ومردنا إليك، وإن هلكنا بمرور الدهر والسنين، فلا بد أنك بعظمتك وقدرتك باعثنا بعد الموت والفناء أجمعين، باعث الأولين والآخرين للحساب طائعين أو كارهين، فلا تجعلنا اللهم في يوم لقائك العظيم من الخاسرين، ولا تجعلنا اللهم من لرحمتك من القانطين. اللهم يا من علمت الإنسان في عقله وأكرمته، وألهمت الحيوان في طبعه وسيرته، رحماك بنا أجمعين - كاتب وأديب قطري