أخيراً فعلت الدولة خيراً بمنعها الإحتفال بما يسمى (يوم الغدير)... هذه البدعة التي لم يعرفها اليمنيون إلاّ بعد اشراق شمس الجمهورية اليمنية، حيث استغلت بعض الأطراف السياسية أجواء التعددية الحزبية والتوازن القائم بين الحزبين الحاكمين حينها، حيث شكل الحزب الاشتراكي الغطاء المطلوب بالنسبة لها لتتجه نحو إحياء كل فكرها السياسي المؤثر بغطاء ديني وتقاليد دينية لم يعرفها شعبنا من قبل! الشيء المؤكد أن الاحتفال بيوم الغدير لم يكن قائماً حتى في مرحلة الحكم الإمامي... بمعنى أنه غير معترف به في المذهب الهادوي الذي كان شرعة الأئمة في اليمن طوال القرون الماضية، فمن أين جاءت هذه البدعة؟! اذاً شخصنا (الغدير) بأنه احتفال سياسي أساساً وليس مجرد احتفال ديني تستدرك أنه أحد الوسائل التي انتهجها التيار الإمامي في مرحلة التعددية لإحياء فكره مع محاولة تحديثه وجلب الدعم الخارجي له من خلال إنجاز عملية تقريب بين المذهب الهادوي والمذهب الإثناعشري وعمل (خلطة) جديدة تضمن تنشيط العمل السياسي لهذا التيار وتحقيق مزيد من الاستقطاب والانتشار، وتوظيف الكثير من الرموز التاريخية على الطريقة الإثناعشرية للتأثير في الجمهور وجلب تعاطفه... ومن هنا تأتي أهمية (الغدير) بالنسبة لهم حيث يجددو فيه الولاء (السياسي) للإمام علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- بما يحمله هذا التجديد للولاء من معان لا تخفى على كل لبيب... ومن هذه المعاني تأكيد أحقية (سلالة الإمام علي) في الحكم والسلطة لأنهم يعتبرون أن حادثة الغدير كانت إعلاناً من الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالولاية في الحكم للإمام علي من بعده ما بين من اعتبره (نصاً جلياً) ومن أعتبره (نصاً خفياً) في حين رفض أغلب علماء الأمة ومؤرخيها هذا التفسير معتبرين أنه ليس أكثر من إشادة بمناقب الإمام علي وفضائله ومكانته من النبي -صلى الله عليه وسلم- ناهيك عن تعارض ذلك التفسير مع مبدأ (الشورى) الذي جاء كواحد من أبرز المبادئ والمقاصد التي جاء بها الإسلام ليحيي الأمة ويجدد حياتها... وهذا هو المعنى الثاني الذي قصده دعاة (الغدير) المتمثل في نسف مبدأ الشورى وهو ما قاله صراحة كبار علمائهم أن هذه الأمة لا تصلح لها الشورى... أما المعنى الثالث فيتمثل في الفتن التي يمكن أن تحييها مثل هذه الاحتفالات ناهيك عن الأوجاع والآلام التاريخية والحساسيات المذهبية التي يمكن أن تنجم عنها... وقد نسمع غداً بعد ذلك من يريد إحياء ذكرى تولي أبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- ومن يريد إحياء ذكرى تولي معاوية بن أبي سفيان ومن يريد إحياء ذكرى كربلاء وهلم جرا... إذن فنحن أمام (مفسدة) حقيقية من كل جوانبها، وباعتبار أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة فإن ما قامت به الدولة من اجراءات هو واجب شرعي وضرورة وطنية، وهي اجراءات تأخرت كثيراً في الحقيقة وما كان ينبغي أن تنتظر فتنة الحوثي ليتم اتخاذها... ولو أنها أتخذت مبكراً لربما كانت بلادنا تجنبت تلك الفتنة التي سالت فيها دماء بريئة وتكبدت بلادنا بسببها مئات الملايين من الدولارات! ومن حقنا أن نتساءل ونسأل كبار علمائنا: لماذا لا يوجهون الناس للإحتفال بكل ما يوحد الأمة ويحفظ تماسكها خاصة وهم يعلمون أن هذا الاحتفال غريب عن قيم شعبنا وتراثه؟ ونسأل كبار علمائنا أمثال العلامة محمد المنصور والعلامة حمود المؤيد والعلامة أحمد الشامي الذين وقعوا في عام 1991م على ما أعتبروه واحداً من أهم البيانات أقروا من خلاله مبدأ الشورى ورفضوا مبدأ حصر الحكم في سلالة الإمام علي: أليس احتفال الغدير يتناقض كلياً مع ذلك البيان؟! وإذن فإن الواجب يقتضي إنكار ذلك الإحتفال ودعوة الناس للإنصراف عنه ما دامت لهم كلمة مسموعة وتأثير واضح... ولا نريد أن ينحصر كل الحديث في موضوع (الغدير) لأن الواجب اليوم يقتضي وقف كل ظاهرة مسيئة للوحدة الوطنية وكل ظاهرة تثير الفتن وكل ظاهرة تبعث النعرات وكل ظاهرة تفتت الناس وتشرذمهم في أي منطقة كانت... والمرجع في كل ذلك رؤية شرعية صحيحة وصريحة تُستقى من كتاب الله عزوجل وصحيح السنة النبوية ومتواترها مما لا يتصادم مع نص قرآني أو مقصد من مقاصد الشريعة... وهنا يأتي التكامل بين دور الدولة ودور العلماء الذين يفضل الكثير منهم للأسف المواقف السلبية على الصدع بالحق وإعلام الناس بما ينفعهم وما يضرهم. أما التيار السياسي الذي وقف وراء إحياء تلك الظاهرة الدخيلة على شعبنا فقد آن الأوان ليقف وقفة مراجعة مع نفسه، متأملاً العالم من حوله، مترفعاً عما أندثر من الأفكار التي تنقلب بالسوء على حامليها، كما رأينا في فتنة الحوثي، قارئاً للتاريخ وعبره وعظاته، مندمجاً في محيطه، مدركاً لسنن الله في الكون والحياة والانسان، مقدماً مصلحة الوطن على المصالح الضيقة والأنانية. هذا ما نأمله ونتمناه حتى يجد هذا التيار لنفسه موضع قدم صحيح في تحريك عجلة التاريخ الى الأمام وليترك ذكرى طيبة في نفوس الناس بدلاً من أن يظل امتداداً لذلك الحكم العنصري المتعصب الذي جثم على هذا الشعب قروناً طويلة لم يترك له بعدها سوى المرارة ومخلفات سيئة على كل الأصعدة تحتاج الى عشرات السنين لمعالجتها و إصلاحها. [email protected]