لا تتملكني الحيرة في كثير من الأحيان تجاه مسألة ما، كما تتملكني تجاه صحافتنا وأدائها وأوضاعها... والحيرة منبعها أنني صحافي أولاً وأخيراً ولا أجد نفسي مشدوداً ومغروماً إلاّ بهذه المهنة، ولا أملك إلاّ التعاطف مع كل زميل يمر بمحنة أو مصاعب بسببها، وفي الوقت ذاته أقف متألماً في مرات ليست قليلة أمام ما يكتب ويخط على صفحاتها من قضايا وإساءات لا أساس لها من الصحة... وهذا هو ما يجلب الحيرة بين عواطفك المشدودة الى زملاء مهنتك ورغبتك في تصديق ما يكتب، وعقلك الذي يرفض التجني على أعراض الناس بدون وجه حق ويرفض في الوقت ذاته التجني على المهنة نفسها وتشويه صورتها بما يكتب أحياناً من افتراءات على عباد الله! ليس ما سبق تعميماً على الجميع فأنا أعرف أن عدداً غير قليل من الصحف تحرص على عدم التورط في الإساءة للأشخاص والمؤسسات اذا لم يكن بين يديها من الوثائق ما يؤكد دعاواها... لكني أتمنى على القليل الذين يقعون في مثل تلك الورطات أن يكونوا أكثر حرصاً وحذراً حتى نحفظ للمهنة مصداقيتها لدى القراء... فالفلتان الذي حصل في الشهور الماضية لدى بعض صحف المعارضة (حزبية كانت أو أهلية) بالإساءة لمن يستحق ومن لا يستحق يبعث على الإستغراب... ويبدو أن الزملاء الذين يقعون في ذلك سواءً بكتاباتهم أو بسماحهم بالنشر كرؤساء تحرير لا يدركون خطورة وفداحة ما يفعلون... فغياب المعايير والضوابط عند توجيه الانتقادات للأشخاص أو المؤسسات سواءًكانت حكومية أو غير حكومية، حزبية أو غير حزبية، حاكمة أو معارضة، يؤدي الى خلط كبير وإضرار أكبر على القيم العامة والأخلاق العامة... كذلك المساواة بين الشرفاء والفاسدين في النقد والإساءة لا يشيع البلبلة في أوساط المجتمع فقط لكنه الى ذلك يفقد الصحيفة والكاتب مصداقيتها وهو ضرر معنوي لا يوازيه أي ضرر مادي تتعرض له أي صحيفة! وحتى لا يسعى البعض الى تأويل كلامي على غير ما أقصده فأنا أقول بصريح العبارة أن واحدة من المهام الأساسية لكل صحافتنا بلا استثناء الوقوف صفاً واحداً ضد الفساد وكشفه وفضحه ومن يقف خلفه ومن يتورط فيه... لكن ذلك لن يعني بحال من الأحوال الإساءة الى أناس عرفوا بنزاهتم ونظافة ذمتهم المالية وحرصهم على المال العام... وذلك لن يعني بحال من الأحوال الإساءة الى أعراض الناس من دون أدلة ثابتة وبراهين حقيقية. إن ما يجعلني أقول ذلك أنني تعرضت -شخصياً- للإساءة في إحدى صحف المعارضة خلال الفترة السابقة نتيجة معلومات مغرضة سارع رئيس تحريرها بنشرها قبل أن يتوثق من دقتها... جعلتني أقف مستغرباً من البساطة التي يمكن أن يتناولك بها أحدهم دون أن يكلف نفسه عناء التوثق من معلوماته وهو أقل ما يجب أن يفعله أي صحفي... ومرة أخرى أجد نفسي مندهشاً أمام حملة قاسية وظالمة شنها بعض الزملاء على محافظ تعز القاضي أحمد الحجري الذي لم يجمع أبناء محافظة على نزاهة ودماثة وإنجازات أحد كما أجمع أبناء محافظة تعز على ذلك الرجل... ولولا أني أعرفه كما أعرف نفسي لما دافعت عنه! هذه التجارب المريرة هي التي تفكك الوسط الصحفي وتضعف موقفه وتجعلنا نهتف من يحمي أعراض الناس منا معشر الصحفيين؟! ليس الحل لدى نقابة الصحفيين، لأن النقابة بلا سلطة وبلا قانون يمكنها سواءً من خدمة الصحفي وحمايته أو من محاسبته... وليس الحل لدى ميثاق شرف لأن الميثاق لا يملك أي قوة.. لكن الحل يكمن في ضمير الصحفي وفي قانون الصحافة... ضمير الصحفي هو الذي سيمنعه من الإساءة لخلق الله دون دليل ولا برهان مهما كان الخلاف بينه وبينهم... والقانون الذي نتمنى أن ترى تعديلاته النور قريباً هو الكفيل بحماية الصحفي من نفسه وحماية الأبرياء من قلمه... فلا يعقل أن نعتبر حرية الإساءة للناس جزءاً من حرية الصحافة ثم نصرخ عندما يلجأ مظلوم للقضاء يطلب إنصافه وحماية عرضه بأن ذلك تكميم لتلك الحرية وقمع لها... [email protected]