اليوم الخميس تمضي الذكرى الاربعين لاستشهاد ابي الاحرار الاستاذ محمد محمود الزبيري وهو زمن طويل كدنا ننسى خلاله هذه الشخصية الوطنية الفذة، بل إن اجيالاً جديدة لا تعرف عنها شيئاً إطلاقاً، او حتى شيئاً يذكر.. وها نحن ذا للأسف لا نجد في الأفق القريب أية فعالية يمكن ان تقام لإحياء هذه الذكرى وللإشادة بمناقب هذه الشخصية التاريخية وتعريف شبابنا وأولادنا بالجهود العظيمة التي بذلتها في سبيل تحرير هذا الشعب من استبداد الإمامة وطغيانها. بالتأكيد لم يكن الزبيري وحده هو الذي ناضل وضحى واستشهد في سبيل القضية الوطنية، لكن الاقدار دفعت بالزبيري ليكون رمزاً لكل المناضلين والاحرار، بصبره وصلابته وصموده وشعره وأدبه واخيراً باستشهاده. والشعوب تحيي ذكريات نضالها في سبيل الحرية من خلال إحيائها لذكرى رموزها الوطنية التي تتصدر الصفوف وتقف في واجهة الاحداث .. وقد كان الاستاذ الزبيري احد هذه الرموز وكان ابرزها على الإطلاق بإجماع معظم اقرانه ورفاقه ومعاصريه. فلم يسخر أديب شعره وأدبه كما فعل الزبيري من اجل قضيته وجسد بشعره وكتاباته عمق فهمه للقضية اليمنية وفي تقديري ان الزبيري كان اكثر معاصريه إدراكاً لحقيقة تلك القضية وغاص في اعماقها كما لم يغص غيره.. ولا يزال ذلك الفهم العميق لحقيقتها يفرض نفسه علينا اليوم وبالذات في ظل الأزمات المتلاحقة التي حدثت بعد قيام الجمهورية اليمنية في 22مايو 1990م وآخرها التمرد الذي قاده حسين بدرالدين الحوثي في صيف العام الماضي.. لنتذكر باستمرار ماكتبه الزبيري في يوم من الايام عن «الإمامة وخطرها على وحدة اليمن» وكأنه يقرأ المستقبل، ولا غرابة في ذلك فمن يقرأ التاريخ ويفهم مساراته واحداثه بعمق يسهل عليه فهم الحاضر وقراءة المستقبل. ما احوجنا اليوم لفهم الاستاذ الزبيري ولفكره ولاعتداله ولوسطيته ولعمق بصيرته ولرجاحة عقله ولصراحته وصرامته في قول الحقيقة.. ولو اردنا لجعلناه بيننا فعلاً من خلال قراءتنا لقصائده وكتاباته ولروايته الرائعة (مأساة واق الواق) .. ولو اردنا لأسهمنا في وقاية مجتمعنا من فكر التطرف والعنف من خلال إحيائنا لآرائه وافكاره. ولو اردنا لأسهمنا في تكريس ثقافة الوحدة الوطنية من خلال تعمقنا في آثاره وأدبياته وفي سيرته الشخصية المليئة بالنبل والزهد والعطاء.. هذا أوان إحياء نماذج كالزبيري تقتدي بها اجيالنا الشابة وتضعها نبراساً امامها وتتعلم منها كيف تقرأ تاريخها وتصون حاضرها وتبني مستقبلها..ولو ان وزاراتنا ومؤسساتنا المعنية بالبناء العلمي والثقافي والسياسي والفكري للشباب تعطي جزءاً من جهودها لإبراز هذه النماذج بأساليب مميزة من خلال الكتاب والمنهج والمنبر والمسرح والتلفزيون والإذاعة والصحيفة والنادي وغيرها من الوسائل لخففنا من حالة الفراغ التي يعاني منها شبابنا ويملؤها بالتفاهات التي تتنافس الفضائيات على عرضها لكن غياب الرؤية لدى تلك الجهات وغياب الهدف والدوران حول الذات والمصالح الضيقة والآنية هو الذي سيجعلنا نستمر في حالة التيه وإنتاج الأزمات! ليس صحيحاً أن النماذج التي يمكن الاقتداء بها انتهت بإنتهاء عصر النبوة والخلفاء الراشدين.. بل انه لا يخلو عصر من هذه النماذج.. وقد امتلأ حاضرنا اليمني بهذه النماذج منذ بدأ النضال ضد الإمامة وحتى الآن، وليس الاستاذ الزبيري الا رمزاً لهذه النماذج يتقدم صفوفها ويتحدث باسمها.. وقد جاءت ذكرى استشهاده الاربعين لتكون مناسبة للتذكير بهذه المعاني التي كدنا نفتقدها في وقت احوج ما نكون إليها فيه.. رحم الله الاستاذ محمد محمود الزبيري وكل رفاقه الذين ضحوا بأغلى ما يمتلكون من اجل هذا الوطن واعادوه الى الحياة من جديد رغم انهم تركوا هذه الحياة ولم يأخذوا منها شيئاً ولم يقبضوا أي ثمن لنضالهم وتضحياتهم لكنهم تركوا ذكرى عطرة لكل الاجيال ، وهذا لعمري اجمل واروع ما يمكن ان يتركه إنسان لمن بعده. [email protected]