في العدد الماضي كنت قد بدأت الحديث والتأمل في الأعلام او الرايات. ولاحظت من بعض تعليقات القراء انهم يستخدمون تسميات مختلفة فبعضهم يقول (علماً)، وآخر يقول (راية) وثالث يقول «بيرقاً». وفي كل الاحوال مهما كان الاسم المستخدم فهناك تعريفات متعددة جميعها لاتشذ عن تعريف (ويتني سميث) وهو باحث متخصص في شؤون الرايات او الأعلام الذي يقول أن المعنى اوالتعريف للعلم هو ذلك المزيج الدولي من الألوان والأحجام التي يتم ابرازها في قطعة قماش او مادة مرنة بهدف ان تخدم معنى سياسياً أو اجتماعياً مشتركاً يتم فهمه من قبل المستخدم او المستخدمين أفرادا أو جماعات. وهناك تعريف آخر يقول إن كلمة الراية أو العلم هي الصفة التي تطلق على أي معنى لما يتم صنعه من مواد مرنة بأحجام محددة وأشكال معروفة تكون فيها الرسومات أوالأشكال ثابتة النمط. وكيفما كان تعريف العلم او الراية فهوعادة هذه القطعة القماشية او الورقية او البلاستيكية التي تعلق عاليا موضوعة على مكتب أو خلف مكتب أو من فوق سطح أو في الساحات على عمود إنارة أو أعمدة مخصصة، وكيفما كان تعليقها فقد يكون على شكل زر للزينة يوضع على رباط عنق اوعروة جاكت. المهم ان ما لا يختلف فيها هو التصميم للشكل أو الألوان لأنه يكون ثابتا. المعنى في بطن الشاعر: معاني الأعلام او الرايات هي حكاية الناس الذين يتعاملون مع العلم، فهو قد يحمل معاني ترتبط بالحب أو الكراهية أو الفخر أو العار أو غير ذلك من المشاعر البشرية التي في الأساس لا علاقة لها بالتصميم نفسه او الألوان. هذه المعاني هي ما يحمله الناس لهذه الأعلام من مشاعر خلال فترات من حياتها التي تطول او تقصر بحسب الأنظمة التي تقوم. وفي الحقيقة ان الأعلام او الرايات هي شعارات تعريف دولية قبل ان تكون حاملة معاني عاطفية. فالمعاني التي يحملها العرب لرؤية العلم او الراية الفلسطينية تختلف عن المعاني التي يحملونها للراية الاسرائيلية مثلا، بينما العلمان يخدمان عالميا مسألة التعريف بالدولتين. والمعاني التي يحملها الناس لراية بلادهم خلال فترة نظام سياسي معين تختلف عن مشاعرهم تجاه علم آخر لبلادهم نفسها في ظل نظام سياسي لهم نحوه توجه او مشاعر مختلفة.المعنى ليست مسؤولية الراية أو العلم بل هي مسؤولية الناس ومشاعرهم تجاه الأشياء والرموز من حولهم وبهذا يكون تعريف الالوان في أي علم حسب المعاني التي يرغب الناس في تعريفها. فقد يكون رمزالهلال والنجمة باللون الأبيض على قطعة قماش حمراء هي مجرد رمز للدولة العثمانية عاش فترة حياتها، ولكن هذا الرمز يمكن ان يستخدم ليوضع فوق مئذنة جامع للدلالة على دين إسلامي في مقابل الصليب الموضوع على برج كنيسة للدلالة على دين مسيحي. وفي كل الحالات فالاعلام او الرايات لابد ان تكون فيها الوان او لون واحد على الاقل ويكون لها تقسيم هندسي ثابت، وتكون صادرة عن نظام معين يحمل الوانها معاني بعضها يتم إعلانه عند تصميم العلم وبعضها يكتسب معناه من سلوكيات الدولة التي يمثلها. فالعلم البريطاني الذي سنجده مرفوعا على مدينة عدن لفترة تزيد عن مائة عام كان رمزا لاحتلال وهيمنة دولية تفوق المقاومة والرفض المحلي. والعلم البريطاني مضافا اليه دائرة عليها رسم لمركبين داخل امواج بحر كان رمزا لمستوطنة عدن بعد فصلها عن الهند وربطها بالتاج البريطاني في لندن مباشرة، وهذا الجزء في علم مستعمرة عدن الذي يشمل الدائرة البيضاوية من رمز المركبين والبحر كان من قبل علما لسلطنة عمان المجاورة. أما العلم الذي كان لحكومة عدن وهي تتحاور للإنضمام الى اتحاد الجنوب العربي والخروج من عباءة بريطانيا، وهو علم عاش فترة قصيرة، فهو علم حوارالمحلي مع المحتل معبأ بالرغبة في الاستقلال وفي نفس الوقت حامل لهاجس الخوف من الاستقلال والمستقبل.هذا العلم ذو الجانبين المستطيلين من اللون الأزرق الفاتح مع نجمة خضراء في الوسط وشبه مثلث أحمر في الطرف لنظام دولة تشبه الدولة العراقية التي تتعايش اليوم مع الوجود الأمريكي، لم يكن يختلف كثيرا عن العلم الجديد للدولة المستقلة عن الاستعمار بعد حرب مقاومة ضروس، فالعلم الذي تم تبنيه قبل الوحدة أبقى الشكل تقريبا نفسه مع تغيير في الألوان وإزاحة النجمة التي كانت خضراء من موقع الوسط في المساحة البيضاء الى الزاوية المثلثة التي صار لونها سماويا فاتحا وصار لون النجمة أحمر. وبقيت الألوان نفسها ورحل اللون السماوي في المثلث كما رحلت النجمة الحمراء هنا والنجمة الخضراء هناك ليبقى العلم السهل المتاح اليوم الذي لا يزال يحاول التجذر في المعاني كي يصبح الالتفاف حوله عاطفيا كرمز لقوة الوحدة واندماج الأمة في الدولة وهي جهود لا تزال بحاجة الى كثير من العمل. النداء مستمر: من أجل التحضير لمعرض رداء الدولة ومكونات الهوية إذا كانت لديكم معلومات عن الكيفية التي تم بها تصميم أية راية من رايات السلطنات التي وجدت منذ عام 1948م وحتى 1967 يرجى ارسالها لي فالموضوع يستحق التأمل. [email protected]